مقالات

العائلة والكنيسة السينودسيّة

العائلة والكنيسة السينودسيّة

موقع Allah Mahabba – العائلة والكنيسة السينودسيّة

تنطلق الكنيسة والعائلة من أصلٍ واحدٍ ألا وهو الثالوث الأقدس وينزعان إليه كغايتهما المشتركة، وقد بلغ إلينا بواسطة سرّ التجسّد المستمرّ معنا في الإفخارستيّا نبع كلّ نشاط كنسيّ وغايته.

بالإضافة إلى ذلك، العائلة التي تعيش كـ”جماعة تأوي الحبّ وتُنمّي الحياة” (فرح ورجاء، 47)، هي صورة ملموسة عن الكنيسة التي أقامها المسيح “شركة حياة ومحبّة وحقّ وهـي بين يديه أداة خلاص كلّ البشر” (نور الأمم، 9) . أمّا العائلة المسيحيّة فـهي “تُظهر […] لجميع الناس حضور المسيح في العالم وطبيعة الكنيسة الحقّة” (فرح ورجاء، 48). ليس هناك إذًا مجرّد تشبيه أو استعارة بين العائلة والكنيسة بل تداخل في طبيعتَيْهما. إنّ العائلة (الكنيسة البيتيّة) المؤسَّسة على محبّة المسيح وحقّه وحياته تعكس كنيسته، وتلك الأخيرة (عائلة الله) تتبنّى في علاقاتها لغة العائلة، شرط أن تُدرَك حدود العائلة في الزمن (إنّها تتشتَّت على الأرض مع مَوْت الوالديْن وزواج البنين الذي يتمثّل بفعل التّرك، “يترك الرجل أباه وأمَّه ويلزم امرأته” [تك 2، 24[) وألّا تُختزل في مجرّد عواطف بل يجب أن تتطابق مع الشركة بالحبّ الحقيقي الذي يريد لكلّ عضوٍ منها أن ينموَ بالملء.

انطلاقًا من هذا التداخل الحميم بين الكنيسة والعائلة في الطبيعة والأصل والغاية، يمكننا أن نبرّر لاهوتيًّا وجوب التلاقي (مع احترام الاختلافات) بين البُعد السينودسيّ العائلي والبُعد السينودسيّ الكنسيّ. وهذا ما يؤكّد على أنّ الكنيسة تتعلّم من سينودسيّة العائلة وتدعمها، كما يمكن لتلك الأخيرة أن تستنير من سينودسيّة الكنيسة وتغذّيَها.

يتعلّم الطفل في العائلة أن يسيرَ بعد سقوطه وتعثُّره مرَّات عدَّة، فيتمثَّل بأخيه الأكبر ويتعلّم أن يسيرَ معه أو مع أخيه الأصغر فيتقبَّل مشاعر الغيرة ويتخطَّاها، فهما يتشاركان ويسيران معًا لكي يبقيا معًا. فيعمد كلُّ واحدٍ منهما إلى التناغُم مع الآخر، كأنْ يبطئ الأخ الأكبر خطواته تماشيًا مع أخيه الأصغر، الذي بدوره يحاول  جاهدًا أن يسرّع خطواته ليتمكّن من مواكبة أخيه. وترافق مسيرتَهما هذه مسيرةُ والديْهما اللّذين لا يكفّان عن تعلّم السَّيْر معًا منذ لقائهما الأوّل حتى نهاية الحياة. ففي كلّ مرحلة من علاقتهما ومع كلّ جديدٍ يطرأ عليها، يكتشفان أوجهًا جديدة من شخصيّتهما قد تفاجئهما وتشكّل صعوبة تسبّب تعثّرهما. غير أنّهما بقدر ما يستطيعان اجتياز سقطاتهما المتكرّرة، وتقبُّل سرّ الاختلاف في الآخر ودعمه في طريقهما سويًّا، بقدْر ما يكون الأب والأمُّ خير مثال للسَّيْر معًا في العائلة الواحدة.

في العائلة تُكتَشَف أهميّة السَّيْر معًا كعلاقات غير منعزلة: لا يمكن عزل الأبوّة عن الأمومة ولا الأخوّة عن الأبوّة والأمومة من دون تشويه العلاقة المنعزلة: في العائلة لا يمكن عزل أحد من المسيرة المشتركة حتّى تبقى مسيرة نموّ وتحوّل وتحقيق للذات، فلا تنحرف إلى تحزّباتٍ وانشقاقاتٍ وتفضيلاتٍ مصدرها الأنانيّة والتكبّر والحسد.

في العائلة:

  • نسير معًا مسيرة نموّ متواصل في الصداقة الأمينة والمخلصة في مختلف ظروف الحياة العائليّة ومناسباتها المفرحة والمحزنة. مع يسوع نسيرها بصورة أكمل، إذ بحسب القدّيس توما الأكويني ” ليس للمحبّة حدودٌ في النموّ”.
  • يسير الأبوان معًا في تعلّم استخدام السلطة من أجل مصلحة البنين العليا بصورة تتناسب مع ظروف كلّ واحد منهم.
  • نسير معًا متعمّقين بسرّ الله وعاملين في إدخاله في حياتنا من خلال الكتاب المقدّس وأسرار الكنيسة والصلاة البيتيّة وخدمة الحياة التي على صورته… ولذلك نسير معًا مسيرةً مندمجة مع الكنيسة كعائلة الناصرة في قافلة شعب الله المُتمحوِر حول أورشليم.
  • نسير معًا لنكتسب الفضائل الإلهيّة والإنسانيّة من بعضنا البعض من خلال ممارسات مشتركة. 
  • نسير معًا شاهدين لإيماننا مع من هم بعيدين عن الإيمان في العائلة أو رافضين له، ونرفع يوميًّا الصلاة من أجلهم بدموع.
  • نسير معًا في “احتضان سرّ الضعف والاعتناء به” بحسب تعبير البابا فرنسيس، مدركين أنّ هذا الضعف حاضرٌ في الله القويّ أيضًا (وقد أخبرنا عنه المسيح بتجسّده). وهذا الاحتضان أكثر ما يسهم في أن تكون المسيرة العائليّة مسيرة شفاء وعلاج بعد تعلّم كيفيَّة تقبُّل الضعف.
  • نسير معًا منخرطين أيضًا بين الناس والمعارف والجيران لنكوّن جزءًا فعّالًا من النسيج الجَماعيّ والوطني في بحثنا عن صداقات مثمرة وعن الخير العام.
  • نسير معًا ونترافق في مخاض الولادة الجديدة في نهاية الحياة الأرضيّة.

وتطول لائحة الـ”سَّيْر معًا” العائليّة…

تُظهر العائلة للكنيسة أن السينودسيّة الحقيقيّة تتخطّى بعض المناسبات المخطّط لها للحوار؛ لتكون عملًا يوميًّا عاديًّا يتميّز بالتواصل الدائم من أجل الاستمرار في حياة المحبّة التي تنظّم الشراكة وترتّبها نحو غايتها النهائيّة. فالسينودسيّة العائليّة (والكنسيّة) تفعّل الإصغاء اليومي واللقاء المتواتر والتمييز الدائم (على ضوء كلمة الله وتعليم الكنيسة) والمشاركة الحكيمة في السلطة، من أجل عَيْش شركةٍ حقيقيّة تتمثّل بالمسؤوليّة المشتركة (كلٌّ بحسب موقعه ومواهبه) في خدمة الآخر وحراسته (أأنا حارسٌ لأخي؟) لدعمه في تحقيق دعوته السامية في المحبّة والقداسة. لا يتعلّق الأمر إذًا بنَيْل الحقوق أوّلًا أو بالتركيز على المواهب لإثبات الذات، فالعائلة (والكنيسة) السينودسيّة لا تبحث عن تغيير هيكليّة صُوَريّة لمؤسّستها بل عن تفعيل نمط المحبّة اليومي بحسب كلّ ظرف، وعلى ضَوْء الدعوة الثالوثيّة للحياة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/allahmahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة “العائلة والكنيسة السينودسيّة”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضىء بوجهه عليك ويرحمك وليمنحكم السّلام!