مقالات

لَن نَستَطيعُ مَعرِفَة هويّتَنا وَدَعوتَنا خارِجَ الرَّبَّ يَسوع!

كَيفَ نُحَدِّد هُوِيَّتَنا الإِنسانِيَّة؟ هَل نَستَنِد إِلى الفَلسَفَة؟ هَل تَكونُ مَرجَعِيَّتُنا العُلومُ الإِنسانِيَّة وَالنَّفسيَّة؟ هَل مِن خِلال العِلم البِيولوجيّ أَم الأنتروبوجيا؟ هَل مِنْ خِلالِ عِلم اللَّاهوت وَالَّذي يَختَلِف مِنْ دينٍ إِلى آخَر؟ كُلُّ عِلمٍ لَدَيهِ ما يَكفي مِنَ النَّظَرِيَّاتِ وَالآراء، لَكِن ما نَحتاجُهُ في العُمق وما نُريدُهُ هوَ حَقيقَة هوِيّتِنا. عالَمُ اليَوم المَعروض على وَسائِل التَّواصُل الإِجتِماعيّ، يَضَعُنا في الضّبابِ وَالضّياع. هوَ يَجعَل مِنَ الحَقيقَة نِسبِيَّة وَفَردِيَّة وَمُتَنَوِّعَة. كُلُّنا بَشَرٌ، وَلَكِن نَختَلِف بِثَقافاتِنا وَانتِماءاتِنا المـُتَعَدِّدَة. ما يُوَحِّدُنا هوَ إِنسانِيَّتُنا، وَبِالتَّالي يَجبِ أَن يَكونَ لَها هُوِيَّة واضِحَة، ذاتُ حَقيقَة واحِدَة وَكامِلَة. لا مُجَزَّأَة وَلا نِسبِيَّة، أَي لَيسَت خاضِعَة لِثَقافَة مَحدودَة وَمَحصورَة في إِطارِها الخاصّ. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، نَحنُ نَتَطَلَّع إِلى الإِنسان الكامِل الَّذي عَرَفَهُ التَّاريخ وَهوَ الرَّبَّ يَسوع المـَسيح.

لَطالَما رَغِبَ الإِنسانُ في عَيشِ حُرِّيَّتِهِ، وَحفظِ كَرامَتِهِ. هذا ما نَراهُ اليَوم مُطالَبٌ بِهِ بِشَكلٍ عَلَنيّ في المـُجتَمَعات الغربيَّة، وَلَكِن وَفقًا للحقيقَة النّسبيَّة وَالمُجَزَّأَة الَّتي تُشَرِّع وَتُبَرِّر الخَطيئَة وَأَعمال الشّرّ وَالَّتي تَحُطُّ مِن قيمَة الإِنسان. صَحيحٌ أَنَّ إِنسانَ اليَوم أَصبَحَ أَكثَر علمِيًّا وَعَقلانِيًّا وَمادِيًّا يَستَنِدُ إِلى الإِختِبار، لَكِنَّهُ يَجهَل وَيَتَجاهَل بِشَكلٍ كَبير حَقيقَة قِيامَة الرَّبَّ يَسوع مِنْ بَينِ الأَموات. هَذِهِ الحَقيقَة الساطِعَة الَّتي تُعَبِّر بِشَكلٍ كامِل عَنْ حُرِّيَّة وَكَرامَة الإِنسان، فيها نَجِدُ الجَواب الكامِل عَلى هُوِيَّتِنا الإِنسانِيَّة وَدَعوَتَنا إِلى التَأَلُّهِ وَإِلى القَداسَة. حَقيقَةُ القِيامَة قَسَمت التاريخ إِلى قسمَين، وَهيَ تَحُثُّنا لِنَختَبِرَها عَلى مُستَوَيَين: الوجوديّ وَالإِيمانيّ. مَنْ يَختَبِر الرَّبَّ يَسوع في حَياتِهِ يَكتَشِف هُوِيَّتَهُ وَيُثمِر ثِمارَ الرُّوحِ القُدُس في حَياتِه.

يُقَدِّمُ يَسوعُ لَنا ذاتَهُ عَلى أَنَّهُ “الكَرمَةُ الحَقّ وَأَبيهِ هوَ الكَرَّام” وَيُعَرِّفُ عَنَّا على أَنَّنا بِمَثابَةِ “الأَغصان” الَّتي تَخرُجُ مِنْهُ. يَعني أنَّهُ هوَ الأَصلُ، وَأَنَّنا مَخلوقينَ مِنهُ وَعَلى صورَتِهِ كَمِثالِهِ. لَقَد غَرَسَهُ الآبُ السَّماويّ في قَلبِ التَّاريخِ، من خِلالِ التَّجَسُّد. بَعيدًا وَخارِجًا عَنْ تَجَسُّد الكَلِمَة الإِلَهيّ الرَّبَّ يَسوع لا يُمكِنُنا اكتِشاف هُوِيَّتَنا الحَقيقيَّة، وَلا نَستَطيعُ بُلوغ غَايَة وجودنا.

مِنْ مُمَيِّزات شَجَرة “الكَرمَة” عَلى الرُّغمِ مِنْ ضُعفِها أَنَّها أَصلٌ واحِد وَجِزعٌ واحِد، وَكُلُّ أَغصانِها مُتَصِّلَةٌ مُباشَرَةً بِالجِزع الواحِد، وَتَأخُذ نَمَوِيَّتِها مِنهُ مُباشَرَةً. عِندَما تُفصَلُ الأَغصانُ الغَير صالِحَة، تُفصَل مُباشَرَةً مِنْ الجِزع الواحِد. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، نَفهَم لِماذا الرَّبَّ يَسوع يُشَدِّدُ عَلى أَن نَثبُتَ فيهِ لِيَثبُتَ فينا. هوَ يَقولُ لَنا كَيفَ نَستَطيعُ الثَّباتَ فيه مِنْ خِلالِ سَماع وَعَيش كَلامِهِ الَّذي هوَ حَقٌّ، وَروحٌ وَحَياة.

طالَما نَحنُ لَم نُصَوِّب كِيانَنا بِشَكلٍ كامِل وَصادِق إِلى شَخصِ يَسوع المـَسيح القائِم مِن بَينِ الأَموات، سَنَبقى في ضَبابِيَّةِ الحَياة، ضائِعينَ بَينَ مُختَلف الأَفكار والنَظَرِيَّات وَالإِيديولوجيَّاتِ وَالفَلسَفات الكَثيرَة. الثّباتُ يَعني الإِتِّحاد الكامِل بِالرَّبّ يَسوع. لا يُمكِنُنا أَن نَكونَ مَسيحيّين وَنحنُ نَعيشُ خارج روح وَمَنطِق الإِنجيل، أَي خارِج المـَحَبَّة الكامِلَة الَّتي تُعطي ثِمارَ التَضحِيَة وَالكَرَم وَالأَمانَة وَالغُفران. لا يُمكِنُنا أَن نَتَفاعَل مَع الرَّبَّ يَسوع كَحقيقَةٍ جِزئِيَّة نسبِيَّة، مِثلَ باقي الأُمور في حَياتِنا اليَومِيَّة. الثّباتُ في الرَّبَّ يَسوع يَعني مَحَبَّتَنا لَهُ وَعِبادَتَنا لَهُ وَالتِزامَنا بِعَيشِ وَصاياه وَتَعليمَهُ المـُقَدَّس.

عِندَما نَثبُتُ بِالكَرَمة الحَقّ الرَّبَّ يَسوع، نَرى أَنَّهُ يُوَحِّدَنا في إِنسانِيَّتِهِ المُؤَلَّهَة مِنْ جِهَةٍ بِالآب السَّماويّ، وَمِن جِهَةٍ أُخرى بِكُلّ إِخوَتِنا البَشَر. يُصبِح هوَ أَساس وَمَرجَع كُلّ عَلاقاتِنا الأُفُقِيَّة وَعَلاقَتنا العَموديَّة. عِندَما نَثبُتُ بِالكَرمَة الحَقّ الرَّبَّ يَسوع، تُصبِحُ الثِّمارَ الَّتي نَحمِلُها ثِمارَ الرُّوحِ القُدُس، حَيثُ نَعرِف حُرِّيَّتَنا وَكَرامَتَنا وَفقًا لِلحَقيقَة الكامِلة.

نرى صورَةُ الكَرمَة مُطابِقَة تَمامًا لِواقِع جَسَد المـَسيح السرّي الَّذي هوَ الكَنيسَة المـُقَدَّسَة. لِذَلِكَ نَستَطيعُ أن نُمَيِّز ثَباتَنا في الرَّبّ انطِلاقًا مِن ثِمارِنا وَالشَّهادَة الَّتي نُقَدِّمُها في العالَم. القِدّيسونَ هُمُ الأَغصان الَّذينَ أَعطَوا ثِمارَ الرّوح القُدُس على مَدى التّاريخ. هَل نَحنُ ثابِتونَ بالرّبّ عَلى مِثالِهِم أَم لا؟ هُم يَشهَدون أَمامَنا وَأَمامَ العالَم عَلى هويَّتنا الإِنسانِيَّة في يَسوع المـَسيح، وَيُظَهِّرونَ مَعنى وَقيمَة حُرّيّتنا وَكَرامَتَنا مِن خِلالِ ثِمارِ الرُّوحِ القُدُس. هُمْ قَبِلوا أَن يُقلَّموا لِكَي يَثبتوا أَكثَر في الرَّبّ وَلِكَي يُثمِروا أَكثَر. هُمْ يُشَجِّعونَنا لِنَثبُتَ بِربّنا يَسوع المـَسيح الكَرمَةُ الحَقّ، وَنَكونَ لَهُ تَلاميذًا وَرُسُلًا. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!