مقالات

“على ضَوءِ قِيامَة الرَّبّ يَسوع نَقرَأُ الكِتاب المـُقَدَّس”

صَحيحٌ أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ وَبَلَدٍ لُغَّتَهُ الخاصَّة الَّتي تُشَكّل عُنصُرًا أَساسِيًّا لِوَحدَة الشَّعب، وفي الوَقتِ عَينِهِ تُؤَمِّن التَّواصُل وَالتَّناغُم بَينَ الجَميع. في الوَقتِ عَينِهِ كُلُّ شَخصٍ يَستَخدِمُ مُفرَداتِ لُغَّتِهِ انطِلاقًا مِنْ تَربِيَتِهِ وَمَفاهيمِهِ الخاصَّة وَحَياتِهِ الشَّخصِيَّة. يَستَدعي هذا الأَمر الكَثير مِن الإِصغاءِ وَالإِنصاتِ الجَيِّد بِهَدَف الفَهم الصَّحيح وَالواضِح لِئَلَّا تُفهَم الأُمور خارِج إِيطارِها الصّحيح وَمَعاني مُفرَداتِها اللُّغَوِيَّة.
إِنَّ كُتُب العَهد القَديم في الكِتاب المـُقَدَّس تُشَكِّل قاسِمًا مُشتَرَكًا بَينَ اليَهود وَالمـَسيحيّين بِخاصَّةٍ المَكتوبَة بِاللُّغَّةِ العِبرِيَّة. إِذا أَتَينا إِلى فَهمِ وَتَفسير النُّصوص البيبليَّة، نَجِدُ أَنفُسَنا أَمامَ اختِلافٍ كَبيرٍ وَشاسِع. سَبَبُ هذا الإِختِلاف هوَ الإِنطِلاقَة وَالتَمَوضُع المُختَلِفان اللَّذين يَنطَلِقانِ مِنهُما اليَهود وَالمـَسيحيّين. نَحنُ كَمَسيحيّين نَقرَأ الكِتاب المـُقَدَّس عَلى ضَوءِ حَدث تَجَسُّد الكَلِمَة، وَانطِلاقًا مِنْ قِيامَتِهِ المـَجيدَة مِنْ بَينِ الأَموات، ومِنْ خِلالِ الرّوح القُدُس. مِن خِلالِ هَذِهِ القِراءَة، نَفهَم كُتُبَ التَّوراة، وَالأَنبِياء وَالمَزامير، وَنَجِدُها أَنَّها كانَت وَما زالَت في خِدمَة الشَّهادَة للرَّبّ يَسوع المـَسيح المَصلوب وَالقائم مِن بَينِ الأَموات. لَم تُوضَع الكُتُبْ المـُقَدَّسَة كَبَرنامَجٍ مُسبَق لِتَجَسُّد الرَّبَّ يَسوع، وَهوَ مُعطي الحَياةَ في صَميمِ الحُرِّيَّة الحَقَّة، إِنَّما وُضِعَت بِفِعلِ الرُّوحِ القُدُس، الَّذي يَقودُنا إِلى الإِيمان وَالرَّجاء والمَحَبَّة.
نَرى القدّيس لوقا في خاتِمَة إِنجيلِهِ يُشَدِّد وَيُكَرِّر وَيُسَلِّطُ الضّوءَ على دَورِ يَسوع المـُعَلِّم القائِم مِن بَينِ الأَموات، الَّذي يُفَسِّر الكُتُبِ المُقَدَّسَة انطِلاقًا مِن حَدَثِ قِيامَتِهِ. نَرى يَسوع يَفتَح أَذهانَ التَّلاميذ لِيَفهوا الكُتُب المـُقَدَّسَة، وَيُؤَجِّج قُلوبَهُم بِنارِ الرُّوحِ القُدُس، لِيَتَأَكَّدوا مِنْ صِحَّةِ فَهمِها، فَيَنالوا عَطِيَّةَ التَّمييز الرُّوحيّ. نَرى يَسوع يُجيبُ عَلى حاجَةِ الرُّسُل في مَعرِفَةِ وَإِدراكِ حَقيقَةِ قِيامَتِهِ مِنْ خِلال اختِبارِهِم لِحَقيقَة إِنسانِيَّتِهِ القائِمَة مِن بَينِ الأَموات، فَهوَ يَأكُل وَيَشرَب مَعَهم. وَمِنْ خِلالِ شَهادَة الكُتُب المـُقَدَّسَة، بَعدَما فَتَحَ أَذهانَهُم لِيَفهَموا وَفقًا للرُّوحِ القُدُس، حَقيقَةَ مَنْ يَختَبِرونَهُ حَيًّا وَمُحييًا لِحَياتِهِم.
ما صَنَعَهُ يَسوع هُنا مَعَ رُسُلِهِ، كانَ حَجَر الزَّاوِيَة لانطِلاقِهِم كُمُبَشّرين بِقِيامَتِهِ المَجيدَة. لَدَيهِم ما يَكفي مِنَ الإِختِبار الإِنسانيّ الَّذي يَجعَلَهُم مُتَأَكِّدينَ أَنَّ الَّذي عَرَفوهُ مَصلوبًا وَمَيتًا هوَ نَفسُهُ قَدْ قامَ مِنْ بَينِ الأَموات. هذا ما نَراهُ بِشَكلٍ خاص في رَسائِلِ القِدّيس يوحَنَّا. بالإِضافَةِ إِلى ذَلِكَ أَصبَحَت شَهادَة نُبُؤاتِ الكُتُب المـُقَدَّسَة مادّةً أَساسِيَّة في البِشارَة. هذا ما نَراهُ مَثَلًا في خُطبَةِ القدّيس بُطرُس في أَعمالِ الرُّسُل، وَالشّهيد إِسطيفانوس، وباقي الرُّسُل.
إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، أَصبَحنا نَحنُ الَّذينَ نَسمَع اليَوم هذِهِ البُشرى مَدعُوّينَ لِلمُشارَكة في اختِبارِ القائِمِ مِنْ بَينِ الأَموات في حَياتِنا. نَحنُ مَدعُوّون لِفَهمِ الكِتاب المـُقَدَّس. كَيفَ لَنا أَن نَفهَم، إِن لَم نَقرَأ عَلى ضوءِ الرُّوح القُدُس؟ كَيفَ لَنا أَن نَختَبِر حُضور يَسوع الرَّبّ في حَياتِنا، إِذا لَم يَكُنْ لَدَينا الرَّغبَة في مَعرِفَتِهِ؟ كَيفَ لَنا أَن نَعرِفَ وَنُدرِكَ قيمَة وَمَعنى وغايَة إِنسانِيَّتِنا إِذا كُنَّا نَجهَل حَقيقَة قِيامَة الرَّبّ يَسوع مِن بَينِ الأَموات؟
لا يوجَد حَدَث على الإِطلاق في حَياةِ البَشَرِيَّة أَعظَم وَأَهَمّ وَأَكبَر مِنْ قِيامَة الرَّبَّ يَسوع المـَسيح مِنْ بَينِ الأَموات. لِذَلِكَ هيَ تَستَحِقُّ مِنّا، كُلّ اهتِمامٍ، فهيَ التَأكيد الثَّابِت عَلى قُدرَةِ اللهِ العَظيمَة، وَعَلى عَظَمَةِ مَحَبَّتِهِ اللَّامُتَناهِيَة لِإِنسانِيَّتِنا.
لَم تَكُنْ قِيامَةُ الرَّبَّ يَسوع في حَياةِ الكَنيسَة الأُولى، وَعِندَ الرُّسُل فَرَضِيَّةً أَو إِمكانِيَّةً أَرادوا أَن يَتَبنّوها وَيُبَشّروا بِها، إِنَّما كانَت وما زالَت الحَقيقَة بِذاتِها الثّابِتَة الَّتي اختَبروها بِأَنفُسِهِم، وَالَّتي فَهِموها مِن خِلالِ تَفسيرِ القائِم مِن بَينِ الأَموات لِلكُتُبِ المـُقَدَّسَة.
لِأَنَّ قيامَةَ الرَّبَّ يَسوع تَعني اختِراقَهُ المـُستَمِرّ للتَّاريخ وَاجتِيازِهِ الدّائِم لمَثوى الأَموات، وَالبابَ الوَحيد لِلدُّخولِ إِلى الحَياةِ الأَبَدِيَّة، أَصبَحَت لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا دَعوَةً شَخصِيَّة لِقَبولِ مَحَبَّةِ الرَّبَّ يَسوع وَغُفرانِهِ عَن طَريقِ التَّوبَة، وَالتَّتَلمُذِ لَهُ، وَالشَّهادَة بِإِسمِهِ القُدّوس، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!