مقالات

المَحَبَّةُ الحَقَّة حُرّيَّةٌ، وَالحُرِيَّةُ مَسؤولِيَّةٌ في بَذلِ الذات!

نُلاحِظٌ أَنَّ حَياة الإِنسان الإِجتِماعِيَّة مَبنِيَّة وقائِمَة عَلى الهَرَمِيَّة. نَرى في العائِلَة الأَبْ يكون بِمَثابَة الرَّأس وَالعَقل المـُدَبِّر وَالأُمّ تَكونُ بِمَثابَةِ القَلب، وَالأَطفال بِمَثابَةِ الأَعضاء الَّتي تَنمو وَتَتَكامَل مَعَ بَعضِها البَعض. وَنَرى في المُؤَسَّساتِ وَالوَظائِف، المـُدير وَالمـَسؤول الأَوَّل وَالعامِل. كَما نَرى في الكَنيسَة الهَرَمِيَّة حيثُ الرّأس وَالأَعضاء، وَتَنَوُّع المَواهِب وَالأَدوار بِشَكلٍ واضِحٍ وَجَليّ. في الوَقت نِفسِهِ نَلمُس في عالَمِ اليَوم المـُعاصِر نَزعَة قَوِيَّة تَرفُض وَتَثورُ عَلى هَذِهِ البُنية الهَرَمِيَّة، تَحتَ عُنوان الحُرِّيَّة، ضارِبَةً كُلّ القِيَم وَالمَبادِئ وَالأُسُس الإِنسانِيَّة وَالرُّوحِيَّة. إِنطِلاقًا مِن هُنا، نَسأَل أَنفُسَنا: ماذا يُعَلِّمُنا يَسوع في هَذا المـَوضوع؟

نَسْمَع الرَّبَّ يَسوع في إِنجيلِ يوحَنَّا يُعَرِّفُنا عَنْ نَفسِه أَنَّهُ “الراعي الصّالِح”، مُقَدِّمًا ذاتَهُ بِصِفَةِ القائِد الَّذي يَقودُ رَعِيَّتَهُ، وَهوَ لها بِمَثابَةِ صَمَّامُ الأَمانِ. هو يَعرِفُ خِرافَهُ، وَخِرافُهُ تَعرِفُهُ مِن خِلالِ صَوتِهِ وَكَلِمَتِهِ وَرِعايَتِهِ. أَيْ مِن خِلالِ حُضورِهِ، وَأَعمالِهِ وَمَحَبَّتِهِ الحَقَّة. إِنَّهُ مَصدَرُ الثِّقَة وَالمـَرجَع وَالقائِد. مِن خِلالِ صِفَتِهِ كَراعٍ صالِح، نَرى يَسوع يَدعو كُلّ شَخصٍ مِنَّا، لِيَكونَ حُرًّا مِن خِلالِ عَيشِهِ بِمَسؤولِيَّة لِدَعوَتِهِ الخاصَّة. عَلى الأَبْ أَن يَكونَ أَبًا صالِحًا، وَالأُمُّ وَالأَبناءُ أَيضًا، وَالمُدير وَالعامِل، وَالأُسقُف وَالكاهِن… . عالَمُ اليَوم، لا يَدعونا إِلى الحُرِّيَّة الحَقَّة، إِنَّما يَدعونا لِنَكونَ مُراهِقينَ في دَعوَتِنا وَمَسؤولِيَّتِنا وَفي عَلاقَاتِنا مَع الآخرين، مِن خِلالِ تَعبيرنا الرافِض وَالسّلبيّ. الشرّير يَدعونا إِلى رَفض هُوِيَّتِنا وَكِيانِنا الحَقيقيّ.

نَسمَع الرَّبَّ يَسوع يَقول: “إِنَّ الآبَ يُحِبُّني، لِأَنّي أَبذِلُ نَفسي لِأَنالَها ثانِيَةً. ما مِن أَحَدٍ يَنتَزِعُها مِنّي، وَلَكِنّي أَبذِلُها بِرِضاي. فلي أَن أَبذِلَها، وَلي أَن أَستَرِدَّها ثانِيَةً، وهذا الأَمرُ تَلَقَّيتُهُ مِن أَبي” (يو 10: 17-18). هُنا نَجِدُ مَعنى الحُرّيَّة الحَقَّة، وَمَصدَرَها وَغايَتَها. لا يَستَطيعُ الإِنسان أَن يَبذُلَ نَفسَهُ خارِجَ المَحَبَّة وَالحُرِّيَّة. لا يَقومُ فِعلُ التَّضحِية إِلّا عَلى العَطاء وَعَلى مُشارَكة الذَّات مِن دونِ مُقابِل، بامتِنانٍ وَرِضىً. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، نَجِد يَسوعَ يَدعونا إِلى “المِلء” بَدءًا مِن اكتِشاف هوِيَّتِنا وَمَكانَتَنا في قَلبِ الله. لِكَي نَستَطيع الخُروجْ مِن المـُراهَقَة إِلى النُّضج، عَلَينا أَوَّلًا التَّعَلُّمَ مِنْ يَسوع: أَنَّ قيمَتَنا وَكَرامَتَنا نَستَمِدُّها فَقَط مِنْ عَلاقَتَنا البَنَوِيَّة الخاضِعَة لِسُلطَةِ أَبانا السَّماويّ الكُلّيّ الطيبَة. هذا الأَمر يُحَرِّرُنا مِنْ رَدَّاتِ الفِعل، وَمِن النّظرَة السّلبِيَّة وَالأَفكار السّوداويَّة تُجاهَ حَياتَنا. هذا الأَمر يُحَرّرُنا مِنْ رَفض مَشيئَةِ الله، تَحتَ ذَريعَة حريَّة القَرار المَبنيّ على أَهوائِنا المـُضِلَّة.

إِذًا عَلامَةُ الحُرِّيَّة، لا تَقومُ عَلى التَّعبير السّلبي وَالرَّافِض لِله، وللآخَرينَ ولِلحَياة ذات النَّزعَة الأَحاديَّة وَالمـُغلَقَة، إِنَّما تَقومُ عَلى بَذل الذَّات في المَحَبَّة وَالخَير. لا يُمكِنُنا أَن نَكونَ أَحرارًا، وَنَحنُ في الظُّلمَة، فَالحُرِّيَّةُ هيَ ثَمَرَةُ النُّور أَيّ العَيش عَلى ضَوء الحَقّ الَّذي عَرَفناه بِيَسوع المـَسيح.

لِكَي نَكونَ أَحرارًا عَلَينا أَن نُصغي جَيّدًا لِكَلِمَة الرَّبَّ يَسوع الرّاعي الصّالِح وَأَن نَعمَلَ بِها. فيها نَختَبِرُ الخَير، وَنَعرِفُ الحَقّ، وَنَختار الخَلاص. عندَما نَتبَع الرَّبَّ يَسوع راعي نُفوسَنا وَمُخَلِّصَنا، نَجِد أَنفُسَنا مَسؤولينَ عَن أَعمالِنا وَأَقوالِنا وَتَصَرُّفاتِنا وَعَنْ عَلاقاتِنا الإِنسانِيَّة. المـَسؤولِيَّة الَّتي تَقومُ عَلى إِرادة صُنعِ الخَير، وعلى استِنارَة العَقلِ وَتَنقِيَةِ القَلبِ وَصَفاءِ النِيَّة، تُصبِح ثَمَرَة حُرِّيَّتَنا وَعَلامَةَ نُضوجَنا الرّوحيّ وَالإنسانيّ.

نَحنُ مَدعُوّونَ اليَوم لِنَتَأَمَّل الرَّبَّ يَسوع الرَّاعي الصّالِح عَلى ضَوءِ قِيامَتِهِ مِن بَينِ الأَموات. إِنَّها الحَقيقَة التَّي تُسائِل ضَمائِرَنا وَعُقولَنا وكُلّ حَياتِنا، وَالَّتي تَعلو عَلى كُلّ الحَقائِق العِلمِيَّة. مِثلَما قادَ الرَّبُّ شَعبَهُ كَراعٍ صالِح مِن عُبودِيَّةِ مِصرَ إِلى حُرّيَّةِ حِفظِ وَصاياه، كَذَلِكَ هوَ بِقِيامَتِهِ يُخرِجُنا مِنْ إِنسانِنا القَديم، لِنَكونَ فيهِ الإِنسانَ الجَديد، الَّذي يَسعى إِلى الأُمورِ الَّتي في العُلى. أَصبَحَت قِيامَة الرَّبَّ يَسوع هيَ الحافِز الأَساسيّ لِكَي نَتَحَرَّرَ مِنْ قُيودِ الخَطيئَةِ وَالشّرّ وَالعالَم وَالمـَوت. هيَ الحافِز الَّذي يَحُثُّنا عَلى عَيشِ المـَحَبَّة وَالمَغفِرَة. عِندَما نَعرِف حُرَّيَّةَ أَبناءِ اللهِ، نُصبِح بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس قادَةً وَمسؤولينَ عَن أَنفُسِنا، وَنَكونُ في المَحَبَّة مَسؤولينَ تُجاهَ الآخَرين، مِن خِلالِ بَذلِ ذاتِنا عَلى مِثالِ الرَّبَّ يَسوع المـَسيح، آمين.     

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!