مقالات

بيسوع المسيح عرفنا الله، إلهٌ واحد في ثلاثةِ أقانيم.

trinity

موقع Allah Mahabbaبيسوع المسيح عرفنا الله، إلهٌ واحد في ثلاثةِ أقانيم.

ٱلرّبُّ ٱلرّبّ، إلهٌ رحيمٌ ورؤوف، طويلُ ٱلأناة كثيرُ ٱلمراحم وٱلوفاء“ (خر 34: 6)

أمام هذه الكلمات الّتي سمعناها من الكتاب المُقدّس في سفر الخروج، ونحنُ نحتفل بعيد الثّالوث الأقدس، يُطرح السُّؤال التّالي: بأيّ حقٍّ يُجاهرون المسيحيّون أنّ الله ثالوثاً؟ أصلاً، هل يحقُّ لأحدٍ أن يصف الله؟ أليس هذا كُفراً، وإشراكاً بوحدانيّة الله الأحد؟
يقولُ القدّيس أغُوسطينُس: “إذا عُرف الله، لم يعُد هو الله”. كيف إذاً لنا أن نصف الله؟ ألم يأت الرّبّ يسوع لكي يُعرّفنا على الله الحقّ؟، إذاً نحنُ أمام إشكاليّةٍ إيمانيّة حول من هو اللهُ الحقّ الّذي نُؤمنُ به، وعلى ماذا نستنِد لنقول أَنَّهُ إلَهٌ واحِد في ثلاثةِ أقانيم.

تقول الترتيلة الفرنسيّة:
أنت الحاضرُ الدّائم الّذي بذلت ذاتك من أجلنا. أنت الكُلّيُّ الصغر، الخادم. أنت الكُلّيُّ القُدرة الّذي بتواضُعك تنازلت، لتصنع منّا لك مُقاماً.
وَعندما يعلو صوتُ الآذان في المساجد يتردّد على مسامعنا: “اللهُ أكبر، اللهُ أكبر،… لا إله إلّا الله…”
هل نحنُ هُنا أمام تضارُب ثقافاتٍ وأديانٍ؟ هل هو أكبر أم أَصغَر؟ هل اللهُ يحتاجُ لمن يُدافع عمّن هو في جوهره، أم هو يُريدُ أن نحيا فيه ولهُ، فتكون شهادتُنا نابعة من اختبارنا لهُ؟ كيف يكون لنا هذا، إن لم يأت إلينا؟

الكلمات الّتي سمعناها من سفر الخروج، هي صدىً لاختبار موسى للرّبّ، وباتت معياراً لتمييزنا لحُضور الله في وسطنا. هذه الكلمات وكُلّ الكتاب المُقدّس يجد ويأخُذُ معناهُ من شخص يسوع المسيح، الكلمة المُتجسّد الّذي أتى ليُخلّص العالم.
نحنُ نعرفُ الله على أنّهُ ثالوثاً أقدس انطلاقاً من اختبارنا ليسوع القائم من بين الأموات. معرفتُنا على أنّهُ ثالوثاً لا يعني أنّنا نعرفهُ بالمعنى المُطلق، بل أنّنا نعرفهُ على مُستوى محدوديّة إنسانيّتنا. إيمانُنا بالثّالوث الأقدس ليس مُراعاةً للعقل وإن قبلناهُ بعقلنا وفسّرناهُ بالمنطق، وليس دفاعاً عقائديّاً عنْ فلسفة وفكرة، إنّما هو نتيجة لاختبارنا لمحبّة الله الذي شاركنا بأُلوهيّته في شخص يسوع المـسيح.
يكفينا أن نرجع إلى الأناجيل الأربعة وإلى إنجيل القدّيسِ يوحنّا بشكلٍ خاصّ، وإلى رسائل القدّيس بولُس لنكتشف العلاقة الّتي يُدخلُنا فيها يسوع مع الآب ودور الرّوح القُدُس فيها. وحدها هذه العلاقة الإيمانيّة تُثبّت لنا ما نُعلنُهُ بقانون الإيمان وَالّذي أتى نتيجةً لها، وبالتّالي نحنُ مدعوّون لِنعرف الثّالوث الأقدس على مُستوى هذه العلاقة الّتي حقّقها يسوع الرّبّ في إنسانيّتنا.
العالم المعاصر لا يكترث اليوم لمن هو الله، أكان ثالوثاً أم لا، موجودًا أم غيرِ موجود، هذا العالم يُؤلّه قوّة العقل، من دونِ أَن يعترف ويُقِرّ بِمَصدَرِه، لذلك نسألُهُ، هل هذا العقلُ يعمل من دون تدفُّق الدّم من القلب؟ وما النّفعُ إن عمل بمُساندة القلب، إن لم يكُن هُناك جسدٌ سليمٌ يستطيعُ أن يُعبّر عن إمكانيّاته عن طريق الكلمة والفعل؟ إذاً أحاديّةُ العقل المُجرّد فِكرَةٌ وهميّة، بينما ثالوثيّة العقل والقلب والجسد هي أكثر منطقيّة. هذا مثلٌ بسيطٌ كيف أنّ الإنسان موسومٌ بطابع الثّالوث، أكان مُؤمناً به أم لا.
اللهُ الخالق لم نعرفهُ كآبٍ، لو لم يكشفهُ لنا الإبنُ المُتجسّد، والإبنُ القائمُ من بين الأموات لم يُعطى لنا أن نختبرهُ لولا عطيّة الرُّوح القُدُس. يسوعُ التّاريخيّ لم نعرفهُ كإلهٍ حقّ، لو لم يُثبّت اللهُ الآب أعمالهُ والقيامةُ هي الدّليلُ السّاطع. الرُّوحُ القُدُس لما كُنّا عرفناهُ أنّهُ روحُ الحقّ المُنبثق من الآب والإبن لو لم يقُدنا إليهما.
نحنُ هُنا في دائرة العلاقة الثالوثيّة الّتي فيها نُدركُ معنى وجودنا وغايتهُ القُصوى. في هذه العلاقة الوحدانيّة في الثّالوث تُعلنُ الكنيسة جهاراً أنّ الله واحدٌ في ثلاثة أقانيمٍ. أحدٌ كإلهٍ حقّ لا إِلَهَ على الإطلاقِ غيرَه، ولكنّهُ ليس واحداً في ذاته، -بمعنى مادّة واحِدة وَعنصرٌ واحِد- إنّما هو كُلّيّةُ شركة ومحبّة في ثلاثة أقانيم: الآب والإبن والرّوح القُدُس.

على ضوء قيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات، وعلى ضوء حلول الرُّوح القُدُسُ تُعلنُ الكنيسة إيمانها بالثّالوث الأقدس الّذي عرفناهُ كبشرٍ بتدبيره الخلاصيّ الّذي فيه أظهر محبّتهُ الحقّة لنا في قلب واقِع تاريخنا البشريّ. الإيمانُ إذاً بالثّالوث لَيسَ إختراعاً عقلانيّ، إِنَّهُ قَبولٌ لِحَقيقَةٍ سَماويّة ماورائيّة، عرفناها وَتأكّدنا منها بِشخص يسوع المسيح.
يسوع الّذي أَحَبَّنا وأتى إلينا وفقَ مشيئَةِ الآبِ ليُخلّصنا، لِنخرُج من الظّلمة إلى النّور، ومن الموت إلى الحياة، ومن الضّلال إلى الحقّ، قَد أراد أن نتذوّق حنانهُ ورحمتهُ ومحبّتهُ الّتي عرفها موسى وَالآباء وَالأنبياء وَالقدّيسين، لذلك هو يرغب أن نكون بكُلّيّتنا أَي بجسدنا ونفسنا وروحنا مسكِناً للثّالوث الأقدس، فيُقيم فينا، وعندئذٍ تُصبحُ شهادتنا على مثال مريم العذراء أمام العالم نشيد فرحٍ ومحبّة.
أَلَم يَقُل يسوعُ لَنا: “إذا أحبّني أَحَد، حَفِظَ كَلامي، فَأَحَبَّهُ أَبي، وَنَأتي إِلَيه، فَنَجعَل لَنا عِندَهُ مُقاماً”؟ (يو 14: 23) لِنَتَّخِذ لَنا من مَريَم العَذراءِ لَنا مِثالاً.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!