مقالات

إِفتح لمريم

إِفتح لمريم

موقع Allah Mahabba  – إِفتح لمريم

الأسبوع الرابع من زمن المجيء بحسب الطقس اللاتيني

مَعَ تَمَدُّدِ جائِحَةِ وَباءِ كورونا، أُغلِقَت أَبوابٌ كَثيرَة لا عَلى مُستَوى البُيوتِ وَالمـَكاتِبِ وَالغُرَفِ وَحَسب، إِنَّما أَيضًا وَبِشَكلٍ خاصٍّ عَلى المـُستَوى النَّفسيّ وَالمـَعنَويّ لَدى الإِنسان. كَأَنَّ المـَشْهَدَ الَّذي نَعيشُهُ أَصبَحَ تَجسيدًا لإِغلاقِ حُدودٍ بَيْنَ دَولَةٍ مُعادِيَةٍ لِأُخرى، لَقَد هَدَّدَ الخَوفُ وَالحَذَرُ الإِنسانَ في حَدِّ ذاتِهِ. حَقًّا إِنَّ عالَمَنا الخارِجيّ وَبُعدَنا الإِجتِماعيّ يُؤَثِّرانِ عَلى عَلاقَتِنا الدَّاخِلِيَّةِ مَعَ أَنفُسِنا، مِثلَما تاريخُنا يَمشي فينا بَعدَما كُنَّا ظَنَّينا أَنَّنا مَشَيناهُ في الماضي، وَكُلَّما تَقَدَّمْنا خُطوَةً نَجِدُهُ أَكثَرَ كَثافَةً وَحُضورًا وَقُوَّة. نَحنُ هُنا نَطلُبُ الحُرِّيَّةَ الحَقَّة مِن جَديد، وَمَعَها أَيضًا نَسأَلُ السَّلامَ وَنُريدُ الفَرَحَ وَنَتوقُ إِلى أَن نُحِبَّ وَأَن نَكونَ في الوَقتِ عَينِهِ مَحبوبين. أَيُّ مُرسَلٍ بِاستِطاعَتِه أَن يَأتي إِلَينا وَيَقرَعَ على أَبوابِنا وَيُخرِجَنا؟!

جَميلَةٌ هيَ صَفَحاتُ الإِنجيلِ المـُقَدَّس لِكَونِها لا تَبدَأ وَلا تَنتَهي مَعَ سِياقِ نُصوصِها بَلْ تَمضي فينا إِلى ماضي أَحداثِها التَّاريخيَّة، لِتُخرِجَنا مِنْ حَبسِ ماضينا الشَّخصيّ، فَتَعودَ وَتَأخُذَنا إِلى حَضرَةِ الّذي تَتوقُ كُلُّ القُلوبِ أَن تُقيمَ فيهِ بِفِعلِ نَبَضاتِ الحُبِّ وَالحَياةِ وَالفَرَحِ الَّتي يَجعَلُها حُرِّيَّةً تَعلو حدودَ بَشَرِيَّتِنا وَالزَّمانَ وَالمـَكانَ الَّذي نَحنُ فيهِ قابِعين.

بَعَدما أَغلَقَت أَليصاباتُ ابنَةَ هارون وَزَوجَةَ زَكَرِيَّا الكاهِن الأَبوابَ عَلى نَفسِها، بِسَبَبِ عُقمِها وَشَيخوخَتِها، عَلَّها تَبعُدُ قَليلًا، فَتَنشُدُ راحَةً فَقَدَتها بِسَبَبِ أَقاويل النَّاس وَأَحكامِهِم الظَّالِمَة وَنَظَراتِهِم القاسِيَة. حَتَّى زَوجُها لَمْ يُعطَ لَهُ فُرصَةَ البَوحِ بِما يَجولُ في داخِلِهِ. فَبِصَلاتِها الخاشِعَة وَبِالنِّعمَةِ الفائِقَة عَرَفَت ما يَحدُثُ معَها، فَكَتَمَت سِرَّها خَوفًا وَتَأَثُّرًا بِماضيها، وَخِشيَةً عَلى مُستَقبَلِها، فَأَضحَت مِثلَ زَوجِها صامِتَةً مُندَهِشَةً لِيُكَوَّنَ الصَّوتُ في حَشاها الأُموميّ حَتَّى يَأتي الوَقتُ الَّذي مَعَهُ يَهتِفُ ابتِهاجًا “بِالكَلِمَة”.

مَن يَستَطيعُ أَن يُخرِجَ أَليصاباتَ مِنْ خَوفِها وَخِشيَتِها؟ لِمَن تَستَطيعُ أَن تَبوحَ بِسِرِّها؟ تاريخُها وَجِراحُها ما زالا يَعمَلانِ فيها، وَحدَها مَريَم “المـُمتَلِئَةُ نِعْمَةً”، “أُمُّ الرَّبّ”، تَستَطيعُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أُعطِيَ لَها مِنْ عَلو مُفتاحَ قَلبِ نَسيبَتِها. دَخَلَتْ العَذراءُ بِفَرَحِها، وَأَلقَتِ السَّلام، بَعدَما نالَت سَلامَ الله. فَدَخَلَ الحُبُّ مَعَها إِلى المـَحَبوبِ فارتَكَضَ الجَنينُ في الأَحشاء، حينَئِذٍ حُرِّرَت عاقِرُ الماضي مِن قُيودِ أَسرِها، لِأَنَّها في حَضرَةِ مَريَم، وَجَدَتْ ذاتَها في حَضرَةِ ابنِ الله فَأَيقَنَت أَنَّها حامِلٌ وَأَنَّها أُمُّ يوحَنَّا الصَّوتُ الَّذي سَيَحمِلُ الكَلِمَةَ بُشرى حَياةٍ وَخَلاص.

عاقِرٌ حَلِمَت بِالحَمَلِ سِنينَ طِوال، ويَومَ حَمَلَت لَم تُصَدِّق سِرَّها، لَكِنَّ المـُدهِشَ في الأَمر، أَنَّ فَرَحَها الأَكبَرَ لَيسَ لِأَنَّ اللهَ أَزالَ عَنها العارَ المـُتَأَتّي مِن حُكمِ النَّاس، بَل لِأَنَّها عَرَفَت قُوَّةَ الفَرَحِ وَالسَّلامِ وَالحُبِّ ما إِن فَتَحَت بَابها لِتَستَضيفَ العَذراءَ مَريَم في دار قَلبِها. أُعطِيَ لِأَليصاباتَ أَن تُعلِنَ أَوَّلَ طوبى مِنَ الأَرضِ وَالنَّاسِ لِمرَيَمَ بَعدَما المـَلاكُ جِبرائيلُ كانَ قَدْ طَوَّبَها بِاسمِ السَّماء. كانَ لِتِلكَ الطَّاعِنَةِ في شَيخوخَتِها أَن يُجَدَّدَ شَبابُها على وَقعِ فَرَحِ وَسَلامِ مَريَم؛ مَعنى ذَلِكَ أَلَّا يَظُنُّ الإِنسانُ لَحظَةً أَنَّ الدَّهرَ عَلَيْهِ مَرَّ، وَالماضي قَدْ سَجَنَهُ، وَأَحكامَه الخاطِئَةِ وَخَطاياهُ وَظُلمَ النَّاسِ وَالشرِّ قَد قَيَّدَهُ. يَكفيهِ أَن يَلتَفِتَ إِلى مَريَم العَذراء، فَهيَ تَحمِلُ الحَياةَ الحَقَّة في أَحشائِها، إِبنَ اللهِ الَّذي صارَ إِنسانًا.

إِنَّ مَريَمَ العَذراءَ هيَ أَوَّلُ رَسولَةٍ تَركُضُ مُسرِعَةً إِلَيْكَ، تَحمِلُ لَكَ الحُبَّ الإِلَهيّ في أَحشائِها، وَعَلى وَجهِها مَلامِح الَّذي أَرسَلَها. الطُّوبى لَكَ إِن سَمِعتَها تَقرَعُ عَلى بابِ قَلبِكَ بِسَلامِها، لِتُقَدِّمَ لَكَ ابنَها وَابنَ اللهِ هَدِيَّة خَلاص. الطُّوبى وَكُلَّ الطُّوبى إِن فَتَحتَ لَها بابَكَ لِيَدخُلَ إِلَيْكَ مَعَها نَسيمُ الرُّوحِ وَالحَياة، حَتَّى تَهتِفَ مَعَ الكَنيسَةِ جَمعاءَ بِأَعلى صَوتِكَ:
“مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ!” (لو 1: 42) – يَسوع.

تسجّل على قناتنا على يوتيوب

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة المقالة الرّوحيّة “إِفتح لمريم”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!