نَجمُ القدّيس بيُّو
مقالات

نَجمُ القدّيس بيُّو الكبُّوشي

موقع Allah Mahabba – نَجمُ القدّيس بيُّو الكبُّوشي

في عالَمٍ تَلَبَّدَ فيهِ الكَثير وَالكَثير مِن غُيومِ الفَلسَفاتِ وَالأَفكارِ وَالتَّيَّاراتِ وَالمـَذاهِبِ الرُّوحِيَّةِ وَسِواها، شاءَ اللهُ أَنْ يَسطَعَ نَجمٌ بَرَّاقٌ في سَماءِ الكَنيسَةِ الكاثوليكيَّة المُقَدَّسَة، لِيَكونَ بِمَثابَةِ النَّجمِ الَّذي أَرشَدَ وَرافَقَ المـَجوسَ لِمُلاقاةِ الكَلِمَة المُتَجَسِّدِ الرَّبَّ يَسوع في مَهدِهِ الفَقير في بَيتَ لَحم؛ إِنَّهُ نَجمُ القِدِّيس بِيُّو الكَبُّوشيّ.

كُلُّ مَنْ يَتطَلِع عَلى حَياةِ هذا القِدِّيس العَظيمِ يُصابُ لِلوَهلَةِ الأُولى بِالدَّهشَة وَالذُّهول، وَيُثاوِرَهُ الشَّكّ، فَيَسأَل: كَيفَ يَكونُ هذا؟!… عَظيمٌ اللهُ في قِدِّيسيه، فَهوَ إِلَهُ المحَبَّة، إِنَّهُ إِلَهُ المُستَحيل.

لَقَد وَهَبَ اللهُ القِدِّيس بِيُّو الكَبُّوشيّ رِسالَةً تُوازي دَعوَةَ يوحَنَّا المَعمَدانِ في حَياتِهِ، فَهوَ بِمَثابَةِ الصَّوتُ الصَّارِخ وَالشَّاهِدُ الأَمين عَلى مَنْ هُوَ الحَمَلُ الحَيُّ وَالمـَذبوحُ الحاضِرُ في سِرِّ الذَّبيحَةِ الإِلَهِيَّة “الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم”، وَالرَّبُّ الرَّحوم الرّاعي الصَّالِحُ الَّذي يَصفَح وَيَرعى النُّفوسَ في سِرِّ المـُصالَحَةِ وَالتَّوبَة.

حَمَلَ القِدِّيس بِيُّو الكَبُّوشيّ طوالَ خَمسينَ سَنَةٍ سِماتَ الرَّبّ يسوع الفادي في جَسَدِهِ الضَّعيف، فَعَرَفَ سِرَّ الأَلَمِ المـَجبولِ بِالمحَبَّة الفادِيَة وَالمُحَرِّرَة، فَكانَ انعِكاسَ ضَوءٍ مِن أَنوارِ صَليبِ الرَّبّ، مُفادَهُ مَعرِفَة وَقَبول مَحَبَّة الله الغافِرَة وَالمُحَرِّرَة الَّتي تَمْنَحُ الضُّعَفاءَ وَالمرضى وَالمساكين وَالمُتَأَلِّمينَ تَعزِيَةً سَماوِيَّة، تَجعَلُهُم في صِلَةٍ وَاتّحادٍ مَعَ الرَّبّ يَسوع الفادي. فَما عاشَهُ القِدّيس بِيُّو الكَبُّوشيّ كانَ لَهُ بِمَثابَةِ السِّرّ وَاللَّغزِ المـُدهِش.

صارَ عَلى مِثالِ القِدِّيسِ السَّاروفيميّ فَرَنسيسُ الأَسّيزيّ أَبيهِ الرُّوحيّ، “صَلاةً حَيَّة”، تُسكَبُ مَعَ كُلِّ نَفَسٍ وَنَبْضَةِ قَلبٍ عَلى عالَمٍ اجتاحَتْهُ ظُلمَةُ الضَّلالِ وَالخَطيئَة، لِيَقولَ مَعَ القِدِّيس بولُس: “حَيثُ كَثُرَتِ الخَطيئَة، فاضَت النِّعْمَة”. صَارَع في لَياليهِ الطّوالَ قِوى الظَّلامِ، وَكانَ لَهُ النَّصرُ عَلَيْها بِقُوَّةِ النِّعْمَةِ وَالتَّواضُع.

إِنَّ حُدودَ دَعوَة وَرِسالَة القِدّيس بِيُّو تَخَطَّت بِجَوهَرِها وَأَبعادِها حُدودَ العَقلِ البَشَريّ وَقارَعتهُ بِالإِيمان القَويم، فَكانَت تَصويبًا لِدَعوَةِ الإِنسانِ الحَقيقيَّة، وَتَذكيرًا شَديدَ اللَّهجَةِ وَالقُوَّة أَنَّ لإِلَه الرَّحْمَةِ وَالحَياةِ سَيِّدُ التَّاريخ الكَلِمَة الفاصِلَة، فَهوَ ما زالَ هُنا، مُتَوارِيًا في أَسرارِ الكَنيسَةِ المـُقَدَّسَة سائرًا مَعَ كَنيسَتِهِ المـُجاهِدَة، وَهوَ أَيضًا هُنا لِيَتَقاسَمَ آلامَ المَوجوعينَ وَالمُتَأَلِّمينَ وَالمُضطَهَدين، مُحتَوِيًا إِيّاها جَميعًا بِسِرِّ مَحَبَّتِهِ اللَّامُتَناهِيَة.

يَقِفُ الكَثيرونَ عِندَ البُعدِ الصُّوفيّ وَالفائِقِ الطَّبيعَةِ في حَياةِ القِدِّيس بِيُّو الكَبُّوشيّ، فيما مَضمون وَجَوهَر رِسالَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُؤَسَّسًا عَلى هَذِهِ الظَّواهِرِ الفائِقَة، إِنَّما عَلى عَيشِهِ للفَضائِلِ الإِلَهِيَّة: الإِيمانُ وَالرَّجاءُ وَالمَحَبَّة، حَيثُ عاشَ الطَّاعَة البَنَوِيَّة للسُّلطَةِ الكَنسيَّة، وَكانَت المَكانَة الأُولى لِعَيشِهِ المـَحَبَّة تُجاهَ الله وَالإِنسان. لَمْ تَكُنْ يَومًا هَذِهِ الظَّواهِرُ الدَّافِعَ الرَّئيسيّ لِدَعوَتِهِ وَإِنْ مَيَّزَتها عَن سِواها، بَل كانَتْ بِمَثابَةِ الحِملِ الثَّقيل، فَهَمُّهُ الأَوَّل كانَ يَكْمُنُ في مَحَبَّةِ اللهِ وَفي انصِهارِهِ بِسِرِّ المـَسيح الفَقيرِ وَالمَصلوب، وَفي كَيفِيَّةِ تَرجَمَتِهِ لِهذا الحُبّ عَنْ طَريقِ الإِحتِفالِ بِالقُدَّاسِ الإِلَهيّ، وَبخِدمَةِ سِرِّ المـُصالَحَة-الإِعتِراف لِساعاتٍ طِوال، وَأَيضًا عَنْ طَريقِ تَأسيسِهِ لِمُستَشفى تَخفيفِ الآلام.

إِنْ عُرِفَ القِدِّيس بِيُّو بِمُعجِزَةِ القَرنِ العِشرين، وَمِنْ أَعظَمِ قِدِّيسيّ الكَنيسَة، فَرِسالَتَهُ وَروحانِيَّتَهُ تُخاطِبُ الجَميع، وَتَكْمُنُ في عَيشِ اللِّقاءِ الحَقيقيّ مَعَ الرَّبّ الحاضِرِ في أَسرارِ الكَنيسَة المُقَدَّسَة، وَالحاضِرِ أَيضًا في عُمقِ حَياةِ البَشَر وَإِن احتَوَت الأَلَم، فَسِرُّ المـَصلوب يَمنَحُها التَّعزِيَةَ وَالقُوَّةَ وَالمَعنى.
مَعَ القِدّيس بِيُّو الكَبُّوشيّ نَكتَشِفُ طيبَةَ الرَّبّ الحاضِرِ مَعَنا هُنا، وَالَّذي يَمضي بِنا إِلى أَبعَدِ مِنْ حُدودِ الزَّمانِ وَالمكان، فَنُنقَلَ مِنَ الأَرضِ إِلى السَّماء.

تسجّل على قناتنا على يوتيوب

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “نَجمُ القدّيس بيُّو الكبُّوشي”. ندعوك لمشاركتها مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة في معرفته ومحبّته على مثال القدّيس بيّو.