مقالات

لَن نَستَطيعَ أَن نُحِبَّ أَبَدًا، إِذا لَم نَعرِف مَحَبَّةَ اللهِ لَنا بابنِهِ الوَحيد يَسوعُ المـَسيح!

الجَميع يَرغَبونَ بِالحُبّ، إِنَّهُ أَعمَقُ رَغبَة وَحاجَة وَمَطلَب عِندَ الإِنسان. مُعظَمُ الأَغاني وَالأَشعار وَالقَصائِد تَتَكَلَّم عَنْ الحُبّ. غايَة وَقِمَّة العَلاقاتِ الإِنسانيَّة وَالإِجتِماعِيَّة تَهدِفُ إِلى الحُبّ. رِباطُ الوَحدَة في المـُجتَمَع وَالعائِلَة هوَ الحُبّ. وَحدَهُ الحُبّ يَجمَع وَلا يُفَرِّق. يُقَرِّب وَلا يُبَعِّد. عِندَما نَتَكَلَّم عَن الحُبّ نَجِدُ أَنفُسَنا وَكَأَنَّنا نَتَكَلّم عَنْ الأَحلام، وَلَيسَ عَنْ الواقِع، وَكَأَنَّ الحُبَّ هَوَ مِنْ نَسجِ الخَيال، لا الحَقيقَة. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا كُلُّ حُبٍّ لَيسَ مُتَّصِلًا بِالواقِعِ الإِنسانيّ، لا يُعَرَّف وَلا يوصَف عَلى أَنَّهُ حُبّ. الرُّومانسيَّة تَعني المـَشاعِر، وَلا تَعني الحُبّ. الحُبُّ يَعني الإِنسانَ بِكُلِّيَّتِهِ بِكامِلِ شَخصِهِ في عَلاقَتِهِ مَع اللهِ ومَع الإِنسان. لَيسَ الحُبُّ مَعزوفَةً جَميلَةً مِن دونِ كَلامٍ وَمَعنًى، إِنَّما هوَ أُغنِيَةً لَها لَحنُها وَكَلِماتُها وَصَوتُها الجَميل وَالرَّائِع. الحُبُّ إِمَّا يَكونُ حَقيقيًّا يُخاطِب الطَّبيعَةَ البَشَرِيَّة في كُلِّ أَبعادِها أَو يَكونُ إِغراءً للإنسانِ.

نَسمَعُ الإِنجيليّ يوحَنَّا الَّذي تَكَلَّمَ بِوَجهٍ كَبير وَمُمَيَّز عَن لاهوت الكَلِمَة المـُتَجَسِّد في إِنجيلِهِ وَفي رَسائِلِه، يُكَرِّرُ عَلى مَسامِعِنا أَنَّ اللهَ مَحَبَّة. وهو يَدعونا إِلى قَبول مَحَبَّةِ اللهِ لَنا بِيَسوع المـَسيح، وَعَيشِها مَعَ بَعضِنا البَعض. ما نَسمَعُهُ، يُخاطِبُ قُلوبَنا لا واقِعَنا، وَلِأَنَّهُ كَذَلِكَ يَعني أَنَّهُ لَيسَ مُستَحيلًا، بَل مُمكِنًا. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا نَسَأَل وَنُفَكِّر حَولَ إِمكانِيَّةِ عَيشِنا للمَحَبَّة الَّتي نُريدُها في العُمقِ، وَالَّتي هيَ مِن صُلبِ جَوهَرِ اللهِ وَمَشيئَتِهِ القُدُّوسَةِ لَنا.

يَكشِفُ لَنا الرَّبَّ يَسوع مِن خِلالِ تَعليمِهِ أَنَّ جَوهَرَ الحَياة هوَ المَحَبَّة. المَحَبَّة في حَياةِ المـُؤمِن المـَسيحيّ هيَ بِمَثابة القِيامَة. مَنْ لا يُحِبّ هوَ مَيت، وَمَن يُحِبّ هوَ حَيّ. بِإِمكانِنا أَن نَكونَ مَوجودينَ على المُستَوى البيولوجيّ، كَسائِر البَشَر، وَلَكِن هذا لا يَعني أَنَّنا أَحياءٌ. لِكَي نَكونَ أَحياءً يَقولُ لَنا يَسوع، عَلَينا أَوَّلًا أَن نَعرِفَ مَحَبَّتَهُ لَنا المـُطابِقَة تَمامًا لِمَحَبَّةِ الآبِ السَّماويّ لَهُ. لا نَستَطيع أَن نَعرِفَ مَحَبَّتهُ، وَنَختَبِرَها، خارِجًا عَنْ مَعرِفَتَنا لَهُ، وَلِوَصاياه وَلِإِنجيلِهِ المـُقَدَّس. وَلا خارِجًا عَنْ الإِيمان بِأَنَّهُ ابنُ اللهِ الحَيّ الَّذي تَجَسَّدَ حُبًّا بِنا، وَمِن أَجلِ خَلاصِنا. يُمكِنُنا عَنْ طَريقِ العَقل وصِدق القَلب أَن نَقرأَ الإِنجيل، وَأن نُفَكِّر في أَحداث حياة يسوع التاريخيّة الّتي تُظَهِّر لَنا أَمرَين: حَقيقَةَ وجودِهِ، وَميزَةَ شَخصِيَّتِهِ المـُحِبَّة وَتَعليمِه الصادِق. لَكِنَّ هذا الأَمر لا يَكفينا، إِذا ما عَمِلنا بِتَعليمِه لِكَي نَختَبِرَ حَياةَ الرُّوحِ فينا. على هذا الأَساس عَلينا أَن نَطلُبَ نِعمَةَ الإِيمانِ بِه، وَعِندَئِذٍ نَبدَأ باختِبار وَقبول مَحَبَّتِهِ لَنا.

نَعرِفُ وَصِيَّةَ الآب لابنِهِ الحَبيب يَسوع، مِن خِلالِ إِلتِزامِهِ بِمَحَبَّتِهِ لَنا مِن دونِ مُقابِلٍ مِنَّا. لَقَد ظَهَّرَ وبَيَّنَ لَنا يَسوع وَجهَ الله الحَقيقيّ وَالصّالِح وَالمـُحِبّ. فَهوَ لَم يُكَلِّمنا عَنهُ كَخالِقٍ، وَجَبَّارٍ وَقَدير وَقَويّ، وَهوَ كَذَلِكَ. إِنَّما أَخبَرَنا عَنْهُ أَنَّهُ أَبونا الصّالِح، فَلَم يَدعونا عَبيدًا، بَل أَحِبَّاءَ وَإِخوَةً مُحَرَّرينَ بِقُوَّة الرّوح القُدُس. تَجرِبَتُنا الكَبيرَة أَنَّنا نَنتَظِرُ دائِمًا مِنَ الآخرينَ المـَحَبَّةَ وَالتَّقديرَ وَالإِحتِرامَ، إِن عَلى ما نَقومُ بِهِ مِن أُمورٍ جَيِّدَة أَو مِن دونِها. تَجرِبَتُنا هَذِهِ تَأسُرُنا وَتَجعَلُنا عَبيدًا لِأَفكارِنا وَمَشاعِرنا، لِسَبَبَين: أَوَّلًا لِأَنَّنا لا نُعطي قيمَةً لِأَنفُسِنا خارِجًا عَمَّا نَقومُ بِهِ. ثانِيًا لِأَنَّنا نَتَأَثَّرُ بِمَواقِفِ وَآراءِ الآخرينَ فينا، وَبِخاصَّةٍ الأَكثَر سلبيَّةً وَتجريحًا.

وَحدَهُ الإِيمان بِمَحَبَّةِ اللهِ لَنا بِيَسوع المـَسيح، يُصالِحُنا أَوَّلًا مَع أَنفُسَنا فَنَثِقَ بِروحِهِ القُدُّوسِ العامِلِ فينا. ثانِيًا يَجعَلُنا نواجِه السّوءَ بِالخَير، وَالبُغضَ بِالحُبّ، وَاليأسَ بِالرَّجاء، وَالحِقدَ بِالغُفران. صحيحٌ أَنَّ الواقِع يَصرُخ كُلَّ يَومٍ مِن خِلالِ الشّر المـَوجود فيهِ أَنَّ لا مَكانَ فيهِ لِلمَحَبَّة، وَلَكِنْ باستِطاعَتِنا نَحنُ أَيضًا أَن نَصرُخَ صَرخَةً الرَّجاءِ بِقُوَّةِ مَحَبَّةِ المـَسيحِ لَنا الَّتي تُقيمُنا مِنْ شرورِ هذا العالَم، وَالَّتي جَعَلَتنا أَبناءً للهِ وَشهودًا لَهُ أَمامَ العالَم.

لِكَي نَكونَ هذا الإِنسان الجَديد، عَلَينا أَن نتَحَلَّى بِقَناعَةِ الإِيمانِ لا العَقلَ وَالمـَنطِق. عَلَينا أَن نَنقادَ بِكُلِّيّتِنا إِلى شَخصِ المـَسيحِ، وَلَيسَ إِلى أَهواءِ روحِ العالَم. العَقلُ يَقولُ فينا، صَعبٌ هذا الأَمر، وَضَربٌ مِنَ الجُنون. إِذا أَحبَبتَ وَأَعطَيتَ، يَسخَرونَ مِنكَ، وَيُعِدّونَكَ غَبِيًّا. وَلَكِن إِذا سَجَنَّا أَنفُسَنا بِما سَيَقولُهُ النَّاسُ فينا خَيرًا كانَ أَم شَرًّا، لَن نَستَطيعَ أَن نَعيشَ حَقيقَةَ أَنفُسِنا الَّتي كَشَفَها لَنا الرَّبَّ يَسوع وَالَّتي تَكمُنُ في المـَحَبَّة. إِذا كُنَّا لا نَستَطيعُ أَن نُحِبَّ بَعضُنا البَعض كَما عَلَّمَنا يَسوع وَكَما أَحَبَّنا هوَ، فَلنَطلُب مِنهُ بِإِلحاحٍ هَذِهِ النِّعمَة. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!