مقالات

من هما الطوباويّان الجديدان للبنان؟

توما صالح ليونار ملكي

من هما الشهيدان الأب توما صالح والأب ليونار عويس ملكي اللذان ستعلنهما الكنيسة طوباويّان؟

الأب توما صالح

أكبرهما جريس صالح. ولد في 3 أيار 1879، في بلدة بعبدات المتنيَّة. وهو الخامس من عائلة مارونيّة مؤلفة من ستة أولاد، جميعهم صبيان. نشأ في جوّ من التقوى والإيمان. ولمَّا انقسمت البلدة، إثر خلافات بين العائلات، انتقل قسم كبير من عائلاتها إلى البروتستانتية، عندما لم يلقوا آذانًا صاغية لمشاكلهم من قبل السلطات المدنية والدينية. وكانت من بينهم عائلة جريس صالح. لكن بعد تدخل الفاتيكان، عادت العائلات جميعها إلى الكنيسة الكاثوليكية، في أقلّ من سنة، وصارت جميعها لاتينيّة كحلّ وسط. طُلب من الكبوشيين الاهتمام بهذه العائلات، فقدموا إلى بعبدات في بداية سنة 1893. وفي 19 تشرين الثاني 1893، نال جريس صالح، مع رفاق له، سرّ التثبيت.

ودخل مدرسة الكبوشيين، وتأثر بمثالهم وتواضعهم، فأراد مع رفاق آخرين أن يصير مثلهم راهبًا، لا بل مرسلًا. فذهب سنة 1895 إلى إسطنبول، إلى المعهد الرسوليّ للشرق التابع للرهبنة الكبّوشيّة. هناك أكمل دروسه لأكثر من أربع سنوات، ثمّ دخل الابتداء في 2 تموز 1899، ودُعي الأخ توما الأكويني. بعد سنة أبرز نذوره الموقتة وانتقل إلى دير بودجا، بالقرب من إزمير، حيث درس الفلسفة واللاهوت لمدة ست سنوات. سيم كاهنا في 4 كانون الأول 1904. وفي 5 أيار 1906، عُيّن في رسالة بلاد ما بين النهرين. وقبل الالتحاق بمركزه قدم إلى لبنان، بعد غياب طويل، لتمضية عطلته. أمّا في بلاد ما بين النهرين، فتنقّل بين ماردين، وخربوط، وديار بكر، عاملًا في شتّى حقول الرسالة مع الشبيبة (المدارس، التعليم، الوعظ، التعليم المسيحيّ، الشبيبة، الرهبنة الثالثة، الاعترافات…).

ولمّا حلَّت الحرب العالميّة الأولى، طُرد من ديره في ديار بكر، فلجأ إلى دير أورفا، حيث بقي سنتين، في ظروف صعبة للغاية. فخبأ كاهنًا أرمنيًا في ديره، بالاتفاق مع سائر الرهبان. ولما اكتُشف أمر الكاهن واعتُقل، كان يزوره الأب توما في السجن، بشجاعة. فطلب من يسوع القربان أن يأخذ آلام الكاهن الأرمني عنه ويمنحه إياها. فهذا ما حدث: اعتُقل هو أيضا، مع رهبان ديره الثلاثة، وسُجنوا. فاقتيدوا من مكان إلى آخر في الصحراء، بهدف تعذيبهم (في الشمس، وتحت المطر، وسيرًا على الأقدام، من دون أكل، وفي ظروف صحية صعبة).

فأُصيب الأب توما بالتيفوس، وحُكم عليه بالإعدام، لكنّه توفِّي في 18 كانون الثاني 1917، من جرَّاء التِّيفوس والمعاملة السَّيِّئة في السِّجن، قبل تنفيذ الحكم. وكان يقول: ”آه! نعم، أنا أثق كلِّيًّا به. لن يتركَنا الرَّبّ. أنا لا أخاف الموت. ولماذا أخاف؟ أليس الآب الرَّحوم هو مَن سيديننا؟ لمَ نحن نتألَّم الآن، إن لم يكن لأجل حبِّه؟“ نعاه السفير البابوي في اسطنبول: ”غادر هذه الدنيا دون ندم مُصاباً بالتيفوس، لم يخفْ من الموت. كان موتُه موت أحد القدّيسين. يا طوباه“.

على الرغم من أنّه لم يسفك دمه، تعتبره الكنيسة شهيدًا، لأنّه مات من جراء المعاملة السيئة في السجن، التي كانت عن قصد وكرهًا بالإيمان المسيحي. وهو كان مستعدًا للموت حبًا بالمسيح.

الأب ليونار عويس ملكي

ولد يوسف عويس ملكي، في 17 تشرين الثاني 1881، في بلدة بعبدات. وهو السابع من عائلة مارونيّة مؤلفة من أحد عشر ولدًا. نشأ في جوّ من التقوى والإيمان. ولمَّا انقسمت البلدة، انتقلت عائلته أيضًا إلى البروتستانتية. وبعد بضعة أشهر، عادت مع الآخرين إلى الكنيسة الكاثوليكية، فصارت عائلته هي أيضًا لاتينية. ومع رفيقه جريس صالح، ورفاق آخرين، نال سرّ التثبيت في 19 تشرين الثاني 1893.

دخل مدرسة الكبوشيين، وتأثر بمثالهم، فأراد مع جريس ورفاق آخرين أن يصير مثلهم راهبًا، لا بل مرسلًا. فذهبوا جميعهم سنة 1895 إلى إسطنبول، إلى المعهد الرسوليّ للشرق التابع للرهبنة الكبّوشيّة. هناك أكمل دروسه لأكثر من أربع سنوات، ثمّ دخل الابتداء مع رفيقه جريس في 2 تموز 1899، ودُعي الأخ ليونار، نسبة إلى القديس ليونار من بورتو ماوريتسيو، الواعظ الفرنسيسكاني الشهير. بعد سنة أبرز نذوره الموقتة وانتقل مع رفيقه الأخ توما إلى دير بودجا، بالقرب من إزمير، حيث درس الفلسفة واللاهوت لمدة ست سنوات. سيم كاهنًا مع رفيقه في 4 كانون الأول 1904. وفي 5 أيار 1906، عُيّن مع الأب توما في رسالة بلاد ما بين النهرين. وقبل الالتحاق بمركزه قدم مع الأب توما إلى لبنان، لتمضية عطلته. وفي بلاد ما بين النهرين، تنقّل بين ماردين، ومعمورة العزيز، وأورفا، عاملًا في شتّى حقول الرسالة مع الشبيبة (المدارس، التعليم، الوعظ، التعليم المسيحيّ، الشبيبة، الرهبنة الثالثة، الاعترافات…).

في بداية الحرب العالميّة الأولى، ولمَّا بدت الأوضاع خطرة في ماردين، أراد أن يرافق الراهبات ليبعدهم عن الخطر، فقال له رفيقه الكاهن الشيخ: ”أهكذا تتركوني جميعكم وتذهبون؟“ فتأثر الأب ليونار، وبقي حبًا به. وكانت المضايقات قد بدأت ضدهم في المدينة. لمّا قدم الجنود إلى الدير ليفتشوه، ذهب حالًا وخبأ القربان لدى الجيران. فاضطر إلى النوم من دون سقف، تحت البرد والصقيع. استمرت المضايقات، إلى أن بدأ مسلسل الاضطهادات في المدينة. فاعتُقل الكهنة والمئات من المؤمنين من مختلف الطوائف بالإضافة إلى الطوباويّ أغناطيوس مالويان، مطران الأرمن.

وجاء دور الأب ليونار، فاقتيد إلى السجن، واستُقبل حالًا بالتعذيب والإهانات التي استمرت خمسة أيام. في السجن كان الكهنة يسمعون اعترافات المؤمنين، واحتفلوا بالذبيحة مع الأسقف، وكانوا يصلون المسبحة الوردية طوال الوقت. فتحول السجن إلى كاتدرائية، تصدح بالترانيم والصلوات. وأتى الشيوخ إليهم، عارضين عليهم أن يؤسلموا حتى يسلموا. ولما رفضوا جميعهم، اقتيدوا في قافلة أولى، في 10 حزيران 1915، مؤلفة من 417 شخص. على رأسهم الأب ليونار، وفي آخر القافلة المطران مالويان. ولما وصلوا إلى الصحراء، عرضوا عليهم مجددًا أن يؤسلموا، فرفضوا قائلين: نموت حبًا بالمسيح! طلب الأسقف أن يسمحوا لهم بصلاة أخيرة. فكان الاحتفال بالقداس الأخير، الذي غطاه غمام كبير، كما يقول الكثير من الشهود العيان من الجلادين الحاضرين. عندئذ فصلوهم كل 50 شخص في منطقة مختلفة، وكانوا يربطونهم كل أربعة أفراد سوية، ويقتلونهم برصاصة واحدة. فاستشهد الأب ليونار في 11 حزيران 1915.

من كلماته: ”وضَعنا ذواتنا، كلِّيًّا، بين يدي الله. فلتكن مشيئته القدُّوسة“.

سؤال أخير: ما العجيبة التي قاما بها؟ الشهيد لا يحتاج إلى عجيبة للتطويب، لأن ثباته واستشهاده حبًا بالمسيح هما أكبر أُعجوبة.

تسجّل Subscribe على قناتنا على يوتيوب

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً للقراءة عن الشهيدان الأب توما صالح والأب ليونار عويس ملكي ندعوك لمشاركة هذا المقال مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وأن يعطيك نعمة أن تصبح قدّيساً كالأب توما صالح والأب ليونار عويس ملكي