مقالات

دَخَلَ يَسوعُ أُورَشَليمَ كَمَلِكٍ وَصُلِبَ كِلِصٍّ!

كانَت مَسأَلَةُ أَيَّامٍ بَين استِقبالِ الرَّبّ يَسوع كَمَلِكٍ بِأَناشيدِ الهوشَعنا وَأَغصانِ النَّخيل، وَبَينَ مُحاكَمَتِهِ وَتَعليقِهِ عَلى خَشَبَةِ الصّليب كَلِصٍّ مُجرِم. خِلالَ هَذِهِ الأَيَّام القَليلَة، نَكتَشِفُ كَثافَة حَرَكَة وَنَشاط الرَّبَّ يَسوع، وَنَدخُلُ في دينامِيَّةِ يَومِيّاتِهِ وَأُسلوبِ عَلاقَتِهِ الحَميمَة بِخاصَّةٍ مَعَ تَلاميذِه. نَكتَشِفُ أَيضًا في الجِهَة المـُقابِلة حَجم المـؤآمَرَة، وَعَدَد المـُتَآمِرين، مِنْ تِلميذٍ خائِنٍ، إِلى عَظيمِ الأَحبارِ، وَالكَتَبَةِ وَحاكِمِ وِلايَةِ يَهوذا وَالمَدينَة العَظيمَة أُورَشَليم. عِندَما نَسأَل عَنْ الأَسباب، يُعطى لَنا الجَواب نَفسُهُ الَّذي نَسْمَعُهُ أَيضًا مِنْ مُجرَيات أَحداثِ حَياتِنا اليَومِيَّة، حَيثُ الظُّلمُ وَالشَّرُّ وَاللَّاعَدالَة، وَحُبّ السُّلطَة وَالمال. ما بَينَ نَشاط يَسوع وَحَرَكة المـُتَآمِرين، نَسمَع آياتُ كَلِمَة الله تُعطينا النُّور، لِنَكتَشِفَ قُوَّةَ صَلاة وَتواضُع يَسوع وَانقِيادِهِ الدَّائِم لِمَشيئَةِ الآب حَيثُ أَعطى المَعنى الكامِل لِكُلّ فصول حَياتِنا.

صَعِدَ يَسوعُ كَعادَتِهِ إِلى أُورَشَليمَ مَع الجُموع الغَفيرَة الآتِيَة إِلى عيدِ الفِصح إِن مِن بَعيدٍ أَو مِنْ قَريب. هُمْ صَعِدوا لِيَتَذَكَّروا أَحداثَ الفِصح الأَوَّل وَعُبورِهِم مِنْ مِصرَ أَرضِ العُبودِيَّة إِلى أَرضِ المِيعاد؛ أَرضِ الحُرّيَّة. وَيَسوعُ صَعِدَ أَيضًا لِيُحدِثَ الفِصحَ جَديدًا بِعُبورِهِ مِنَ المـَوتِ إِلى القِيامَة. في الفِصح الأَوَّل كانَ دَمُ الحَمَلِ هوَ الكَفَّارَة وَعلامَةُ الخُروجِ مِنَ العُبودِيَّة، وَالبَرِيَّة المَكانَ الَّذي فيهِ نالَ الشَعبُ عَطِيَّةَ الوَصايا. هُنا في الفِصحِ الثّاني نَرى يَسوعُ يُحَطِّمُ في تَعليمِهِ هَيكَلَ أُورَشَليم، لِيَجعَلَ مِنْ ذاتِهِ الحَمَلَ المَذبوح الَّذي يَقودُنا مُباشَرَةً إِلى حُرِّيَّةِ أَبناءِ الله، وَمِن خِلالِ صَليبِهِ نَنالُ الخَلاصَ الأَبَديّ، وَنُعطى شَريعَةَ الرُّوحِ القُدُس.

استُقبِلُ يَسوع بِهُتافِ “الهوشَعنا” الَّذي هو صُراخُ تَوَسُّلٍ وَاستِغاثَةٍ إِلى اللهِ لِكَيْ يُحَرِّرَ وَيُخَلِّص. وَاللهُ الَّذي قالَ لِموسى في العُلَّيقَةِ المُشتَعِلَة: “قَدْ سَمِعتُ صُراخَ شَعبي”، هو نَفسُهُ في شَخصِ يَسوع يَستَمِع إِلى صُراخِ الأَطفالِ وَالصّاعِدينَ إِلى أُورَشَليم. كَلِمات المـَزمور 118 “مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ”، الَّتي كان يُنشِدُها الحُجَّاج الصّاعِدينَ إِلى الهَيكَل، أَعطَتْ الرَّجاءَ بِالخَلاص في شَخصِ يَسوع المـَسيح، الَّذي فَتَحَ عَينَيْ أَعمى أَريحا، وَالَّذي أَحيا لعازَرَ منَ المَوت، وهوَ في طَريقِهِ إِلى أُورَشَليم.

صُعود يَسوعُ إِلى أُورَشَليم هَذِهِ المـَرَّة واستِقبالِهِ بِأَناشيدِ الهوشَعنا وسُعُفَ النَّخلِ، أَحدَثَ انقِلابًا كَبيرًا، فَقَد صارَ مَحَطَّ أَنظارِ الجَميع، مِنْ صِغارٍ وَكِبار. مِنْ عَظيمِ الكَهَنَةِ وَالأَحبار إِلى بيلاطُسَ وَهيرودوسَ وعامَّةِ النَّاس الآتينَ إِلى عيدِ الفُصح. صارَ مَحَطَّ أَنظارِ الجَميع لِسَبَبَين: لِأَنَّهُ دَخَلَ أُورَشَليمَ على صورَةِ المَلِكِ داود، وَلِأَنَّهُ دَعا إِلى نَقضِ الهَيكَل.

أَعطى يَسوع مِنْ خِلالِ رُكوبِهِ جَحش ابنِ آتانٍ، عَلامَةَ الرَّجاءَ لكُلِّ الصارِخينَ لَهُ: “هوشَعنا، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ”. وَصارَ آيَةً مُعَرَّضَةً للرَّفضِ: لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ يَقول: “انقُضوا هذا الهَيكَل وَأَنا أُقيمُهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام”.

في الوَقتِ الَّذي كانَ الحُجّاج يُعطونَ اهتِمامَهُم الأَوَّل لِصَلَواتِهِم في الهَيكَل، وَفي التَّقادِم وَالذّبائِح الَّتي يُريدونَ تَقديمِها، وَفي الإِعدادِ لِعَشاءِ حَمَل الفِصح. مِن جِهَةٍ ثانِيَة نَرى يَهوذا الإِسخَريوطيّ وَعُظَماءُ الكَهَنَة مُنشَغلونَ في التَّخَلُّصِ مِن يَسوع. أَمَّا هوَ نَراهُ يُعطي اهتِمامَهُ الأَوَّل وَالمـُطلَق لِيُقَدِّمَ ذاتَهُ كَحَمَلٍ للهِ الآب، مِن أَجلِ الكَثيرين. نَحنُ أَيضًا نَنهَمِكُ كَثيرًا في إِعدادِ أُمورٍ خارِجيَّةٍ كَثيرَة، وَرُبَّما نَنشَغِلُ في تَجارِبِنا وَجِراحِنا وَخَطايانا وَشُرورُنا، فيما عَلَينا أَن نَكونَ مِثلَ يَسوع نُعطي الأَوَّليَّة للهِ الثَّالوثِ الأَقدَس، فَنَكونَ بِصِدقٍ بِكُلِّيَّتِنا لَهُ.

وَنَحنُ نَقَرأَ وَنَسمَع إِنجيلَ آلامِ الرَّبَّ يَسوع، نَرى نورَ الرُّوحِ القُدُسِ يَنبَعِثُ إِلَينا حَيثُ نُشاهِدُ الرَّبَّ يَسوع يُعَلِّمُنا الثَّباتَ في الحُبِّ مِنْ خِلالِ صَلاتِهِ وَتَواضُعِه، وَيَحُثُّنا عَلى أَن نَكونَ مُلازِمينَ لِلحَقّ وَللخَير في وَجهِ الظُّلمِ وَالباطِلِ وَالشَّرّ. لَن نَستَطيعَ أَن نَكونَ تَلامِذَةً حَقيقيّينَ للرَّبّ، وَأَقِوياءَ أَمامَ المِحَنِ وَالتَّجارِب، إِذا كانَت انشِغالاتُنا بَعيدَة عَنْ مَشيئَةِ الله. لَن نَستَطيعَ أَن نَختَبِرَ قُوَّة الرُّوحِ القُدُسِ فينا، إِذا كُنَّا نَحيا لِأَجسادِنا وَأَهوائِنا وَهَياكِلِنا وَأَصنامِنا الخاصَّة وَخَطايانا الذّاتِيَّة. فَلنَصرُخ إِلى يَسوع: “هوشَعنا، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ، لِكَيْ يُحَرِّرَنا مِن كُلّ ما يَفصِلُنا عَنهُ، وَلنَطلُب مِنْهُ أَن يُعطينا كُلّ ما يَجذِبُنا إِلَيهِ. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!