مقالات

“إِنَّنا نُنادي بِمَسيحٍ مَصلوب هوَ الحامِل خَطايا العالَم!”

في يَومِ الجُمعَة العَظيمَة، نَسمَعُ إِنجيلَ آلامِ رَبّنا يَسوع المـَسيح، بِشَكلٍ مُدَوّي. نَرى الكَنائِس مُمتَلِئَة بِحُشودِ المـُؤمِنين عَلى غَيرِ عادَتِها. تَمامًا مِثلَما كانَت أُورَشَليمُ تَعُجُّ بِالحُجَّاجِ في عيدِ الفِصح عَلى غَيرِ عادَتِها. تُخبِرُنا رِوايَةُ آلامِ الرَّبّ عَنْ خِيانَةِ يَهوذا الإِسخريوطيّ لِمُعَلِّمِهِ يَسوع. وَنَرى مِن خِلالِها المُؤآمَرَة الكَبيرَة الَّتي خَطَّتَ لَها عَظيمُ الأَحبارِ قَيافا مَعَ مَجمَعَ السِنهادريم. مَن يُتابِع الأَخبار اليَومِيَّة حَولَ العالَم، إِذا أَنصَتَ جَيِّدًا بإِيمانٍ مَسيحيّ إِلى ما وَراءَ الأَحداثِ المُؤلِمَة الَّتي تَجري في كُلِّ الأَنحاءِ، يَشعُرُ أَنَّها امتِدادٌ لآلامِ الرَّبّ. حَتَّى الَّذينَ يُتابِعون الأَفلام السينمائيَّة، وَالمـُسَلسَلاتِ التِلِفيزيونيَّة، وَالبَرامِج الإِجتِماعِيَّة الَّتي تَنقُل اختِباراتٍ إِنسانِيَّة واقِعِيَّة، إِذا تَأَمَّلوها في العُمق، وَتَوَقَّفوا أَمامَ اختِبارِهِم الشَّخصيّ لِلحَياة، لاكتَشَفنا جَميعًا ثَلاثَةَ عَناصِر مُتَّصِلَةٍ بِبَعضِها البَعض: الشَّرّ وَالخَطيئَة في العالَم. الضَحِيَّة الضعيفَة. مَسأَلَةُ الحَقّ وَالعدالَة.

مِن خِلال آلامِ الرَّبّ يَسوع نَكتَشِفُ أَيضًا عُنصُرًا رابِعًا، يُعطي المَـعنى وَيَقلِب كُلّ المَوازين، وهوَ: المـَحَبَّة المـَجروحَة وَالمُنتَصِرَة. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، نُدرِكُ مَا مَعنى الخَلاص وَالتَّحَوُّل الَّذي حَقَّقَهُ الرَّبَّ يَسوع في مَوتِهِ عَلى الصّليب.

عِندَما نَقْرَأ إِنجيلَ آلامِ الرَّبّ نَراهُ للوَهلَةِ الأُولى يُخبِرُنا عَن حَدَثٍ إِنسانيّ، حَيثُ تَظهَر فيهِ قُوَّةُ الظُّلم وَالشّرّ وَالخَطيئَة بِشَكلٍ قَويّ، وَمِن ثَمَّ يَتَحَوَّلُ إِلى حَدَثٍ خَلاصيّ لِأَنَّ الشَّخصَ المـَظلوم وَالمـُضطَهَد وَالمَصلوب، هوَ يَسوعُ النَّاصِريّ وَتُهمَتُهُ أَنَّهُ “إِبنُ الله”، “هوَ مَلِكُ اليَهود”-أَي اللهُ الَّذي خاطَبَ شَعبَهُ في التَّاريخِ، وحَرَّرَهُ مِنْ أَرضِ العُبودِيَّة، وَعاهَدَهُ بِأَمانَتِهِ في الخَلاص. أَصبَحَ يَسوع النّاصِريّ ضَحِيَّةً، فيما كانَ يُنتَظَرُ مِنْهُ أَنّ يَبسُطَ الحَقَّ لِتَسودَ العَدالَة مِنْ أَجلِ الخَير. طُرُقُ الله غَيرُ طُرُق البَشَر، وَأَفكارُهُ تَعلو عَلى أَفكارِهِم!

مُقابِل المُؤآمَرَة الكَبيرَة، نَرى يَسوع يَتَّخِذ مَوقِفَ المـُواجَهَة بِصَمتٍ ذَلِكَ لِأَنَّ بَلَغَ بِهِ الحُبَّ إِلى أَقصى الحُدود، وَوَفقًا لِقَولِه: “لا تُقاوِموا الشَّرَّ بِالشَّرّ”. وَنَراهُ لَم يَختَر الهُروب أَو الرّضوخ، بَل رَضِيَ حُرًّا أَن يَكونَ ضَحِيَّةً ضَعيفَة، لِأَنَّهُ لَم يَقِف نَظَرُهُ عِندَ حُدودِ الشَّرّ المـَلموس، بَل مَضى إِلى الأَبعَد. لَقَد وَضَعَ ذاتَهُ تَحتَ مِظَلَّة مَشيئَة الآب. مَعنى ذَلِكَ أَنَّ حَياتَهُ كُلُّها بِما فيها مِنْ راحَة وَأَلَمٍ ، مِنْ خَيرٍ وَشَرّ، جَعَلَها فِعلَ تَمجيدٍ للآبِ في كُلّ ظَرفٍ وَوَقت. لِذَلِكَ نَسمَعُهُ يُجيبُ بيلاطُس: “لَو لَم تُعطَ السّلطانَ مِن عَلُ، لَما كانَ لَكَ عَلَيَّ مِن سُلطانٍ، وَلِذَلِكَ فَالَّذي أَسلَمَني إِلَيكَ عَلَيهِ خَطيئَةً كَبيرَة”. كان يَسوع مُؤمِنًا وَمُقتَنِعًا، أَنَّ الشَّرّ لَن يَقوى عَلى الخَير، لِأَنَّ المـَحَبَّة هيَ الحَياةُ الَّتي تَنتَصِرُ عَلى المـَوت. نَسمَع يَسوع يُؤَكِّدُ أَنَّهُ أَتى كَمَسيحٍ لِيَشهَدَ للحَقّ: “وَأَنا ما وُلِدتُ وَأَتيتُ العالَم إِلَّا لِأَشهَدَ لِلحَقّ”. شَهادَتَهُ عَنَتْ أَنَّ اللهَ دائِمًا مَعَ الفُقَراءِ وَالمـَظلومينَ وَالمُضطَهَدينَ، وَلَهُم أُعطِيَتْ الحَياةُ الأَبَدِيَّة.

بَعدَما كُنَّا نَقِفُ يائِسينَ أَمامَ الظُّلمِ وَالأَلَمِ وَالمَرَضِ وَالإِضطهادِ وَالمـَوت بِشَتَّى أَشكالِهِ، صارَ الخَلاصُ لَنا في يَسوعَ المـَسيحِ المـَصلوب، يَعني أَنَّ مَحَبَّة اللهِ تَسمو فَوقَها جَميعًا، وَتُحَرِّرَنا مِنْ قُيودِها، لا بِإِزالَتِها عَنّا، بَلْ بِمِلئِها مِن قُوَّةِ حُضورِ مَنْ تَجَسَّدَ وَتَأَلَّمَ مِن أَجلِنا. لَمْ يَعُدْ لِلشَّرّ وَللظُّلمِ الكَلِمَة الأَخيرَة، إِنَّما أَصبَحَت لِلمَسيح يَسوع. عِندَما نَأتي لِنَسجُد أَمامَ يَسوع المـَصلوب، نَأتي لِنُنادي بِمَسيحٍ مَصلوب هوَ الحامِل خَطايانا وَخَطايا العالَم. نَأَتي لِنُعلِنَ أَنَّ مَحَبَّتَهُ وَغُفرانَهُ وَرَحمَتَهُ تَفوقُ جِدًّا خَطايانا، لِذَلِكَ نَقوى على الإِعتِرافِ بِها في تَواضُعٍ وَانسِحاقِ قَلبٍ وَنَدامَةٍ وَفَرَح، لِأَنَّهُ أُعطِيَ لَنا مُخَلِّصٌ واحِد وَهوَ يَسوع.

نَحنُ الَّذين نَسأَلُ وَنُطالِبُ بِالحَقِّ وَالعَدالَة على أَساسِ المنطِقِ وَالعَقلانِيَّة. نَحنُ الَّذينَ نَتَساءَلُ حَولَ سِرّ الأَلَمِ وَالمَوتِ، عَلَينا أَن نَدَع الإِيمانَ يَقودُنا إِلى السُّجودِ أَمامَ يَسوع المَصلوب، حَيثُ بِجُرحِ مَحَبَّتِهِ يَشفينا مِنْ حَيرَةِ الإِرتِياب، فَنَعرِفَهُ أَنَّهُ الجَوابُ الوَحيد المـُعطى لَنا مِنَ الآب. ما زالَت آلامُ الرَّبَّ يَسوع حَيَّةٌ في كُلِّ إِنسانٍ مظلومٍ وَفَقيرٍ وَمُتَأَلِّم، وَما زالَ هوَ نَفسُهُ خَلاصَنا. فِعنَدما نُنادي بِمَسيحٍ مَصلوب حامِلًا خَطايا العالَم، نَحنُ نُعلِنُ رَجاءَ الخَلاصِ في أَفواهِنا، وَنَشهَدُ أَنَّهُ الحَقُّ وَالمَحَبَّة عِندَما نَصنَعُ الخَيرَ وَالرَّحمَة في أَعمالِنا. آمين.  

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!