مقالات

طَريقُ حَبَّةُ الحِنطَة تُعَلِّمُنا كَيفَ نَبلُغُ المَلَكوت!

في بَعضِ المـَرَّاتِ عِندَما نَتَأَمَّل في كَلِماتِ يَسوع قَدْ  نَجِدُها خارِجَةً عَنْ سِياقِ مَنطِقِنا وَغَريبَةً عَنْ فِكرِ العالَم، إِلى دَرَجَةٍ نَقِف أَمامَها إِمَّا حَيارَة أَو مُشَكّكِين أَو راغِبينَ في فَهمِها بِشَكلٍ أَعمَق. نَسمَعُ يَسوع يَقولُ: “مَنْ أَحَبَّ حَياتَهُ فَقَدَها، وَمَنْ رَغِبَ عَنْها في هذا العالَم حَفِظَها للحَياةِ الأَبَدِيَّة”. عالَمُنا اليَوم يُشَجِّع وَيُعَلِّم عَلى مَحَبَّةِ الذّاتِ، وَعلى تَلبِيَةِ حاجاتِ الأَنا، قَبلَ أَيّ شَيءٍ آخَر. يَكفينا أَن نَتَوَقَّف أَمامَ مَشهَدِيَّة الحُروب الَّتي تَجري في العالَم، لِنَكتَشِف كَمّ اللَّامُبالاةِ مِنَ الدُّولِ وَالأُمَمِ وَالأَوطانِ وَالنَّاس. لا يوجَد إِكتِراث للأُخُوَّة الإِنسانيَّة، وَلا إِهتِمامِ للعدالَة وَحُقوق الإِنسانِ وَكَرامَتِهِ، الكُلّ يَنطَلِق مِنْ مَصالِحِه الشَّخصِيَّة وَالخاصَّة. هذا النَّوع مِنَ التّفكير يَزيدُ مِنْ حِدَّةِ الخَوف على الذَّات، والخَوف مِنَ الآخَر.

إِذا كُنَّا نُريدُ عالَمًا أَجمَل وَأَفضَل، عَلَينا أَن نَسمَع لِتَعليمِ يَسوع، وَعَلَينا أَن نَقتَدي بِهِ كَرَبٍّ وَمُعَلِّم وَأَن نَكونَ مِنْ خِرافِهِ الطائِعين. يُقَدِّمُ لَنا يَسوع نَموذجَ حَبَّة الحِنطَة كَمَثَلٍ لِنَفهَمَ مَعنى أَنَّ الحُبَّ الحَقيقيّ يَكمُنُ في بَذلِ الذَّاتِ، وَلَيسَ في انغلاقِها على نَفسِها. صَحيحٌ أَنَّنا مَدعُوّينَ لِنُحِبَّ أَنفُسَنا وَلَكِن انطِلاقًا مِنْ مَبدَأ وَغايَة وجودِنا لِكَونِنا مَخلوقينَ عَلى صورَةِ الكَلِمَة المـُتَجَسِّد. هُنا تَكمُنُ تَجرُبَةُ الشّيطان الَّذي يَعمَل عَلى جَعلِنا مُنحَرِفينَ عَنْ الغايَة الَّتي مِنْ أَجلِها وُجِدَنا. للأَسَف الشَّديد نَكتَشِف أَنَّهُ يوجَد في هذا العالَمِ المـعاصِر المـَزيد مِنَ المَفاهيم وَالمَبادِئ الخاطِئَة في تَربِيَتِنا العائِليَّة وَالمـَدرَسِيَّة، حَيثُ تَكونُ الأَوَّلِيَّة للذَّاتِ على الآخَر، وَلَيسَ للشَّراكَةِ وَللمَحَبَّةِ مَعًا. مَثَلًا عَلى ذَلِكَ، مِن ناحِيَةِ العالَم الإِستِهلاكيّ أَصبَحَ يُؤَمِّنُ كُلّ حاجات الفَرد بَعيدًا عَنْ حاجَتِهِ لَدورِ الآخَرينَ في حَياتِهِ. لَقَد تَوَصَّلَت التِكنولوجيا لِاختيار الرَّجُل الآلي “روبوت” لِيَقومَ بِخَدَماتٍ بَدَلًا مِنَ الإِنسان. هذا يَعْكُسُ عَقلِيَّة هذا العالَم الَّذي تَعلو فيهِ الأَنانيَّة على كُلّ الأَشياء.

كَيفَ نُحِبُّ أَنفُسَنا ونَفقِدَها؟ عِندَما نَجعَل مِنْ عَلاقاتِنا الإِنسانِيَّةَ وَسيلَةً لِغايَةِ مَصالِحِنا الشَّخصِيَّة كَبيرَةً كانَتْ أَم صَغيرَة. نَكونُ في هذا الشَّكل، أَحبَبنا أَنفُسَنا عَلى مَصلَحَةِ الجَميع، وَسَخَّرنا الجَميع حُبًّا بِأنانِيَّتِنا. قَدْ نَكون أَخلاقِيّين وَمُهَذَّبينَ وَمُحْتَرَمينَ جِدًّا في المـُجتَمَع، بِهَدَفِ تَجميلِ صورَتِنا، وَلَيسَ لِأَنَّنا صادِقينَ مَع أَنفُسِنا. عِنَدما نُعطي قيمَةً لِأَنفُسِنا انطِلاقًا مِنْ مَوقِعِنا في المـُجتَمَع، وَلَيسَ من إِرتِباطِنا بِالرَّبّ نَكونُ عِندَئِذٍ مُحِبّينَ للصورَةِ المُزَيَّفَة الَّتي صَدَّقناها عَن أَنفُسِنا، وَبِالتَّالي خَزَلنا روحَ الرَّبِّ الساكِنِ فينا.

كَيفَ نَفقِدُ أَنفُسَنا وَنَرْبَحَها؟ عِندَما تَكونُ المـَحَبَّة المـِعطاءَة هيَ مُنطَلَقْ وَمُحَرِّك أَقوالَنا وَأَفعالَنا وَكُلّ تَصَرُّفاتِنا. أَيْ المـَحَبَّة الَّتي عَلَّمَنا إِيَّاها يَسوع مِنْ خِلالِ مَثَل حَبَّةِ الحِنطَة، وَمِن خِلالِ مَوتِهِ عَلى الصَّليب، حَيثُ لَم يُبادِل الشَّرَّ بِالشَّرّ، بَل ظَلَّ ثابِتًا وَأَمينًا عَلى عَهدِهِ. نَظُنُّ أَنَّ التَّضحِيَةَ وَالإِماتَة يَسبِقانِ المـَحَبَّة، وَهُنا تَكمُنُ التّجرُبَة لِأَنَّها تَجعَلُنا نَكبُتُ مَشاعِرَنا وَنَضطَرِبُ بِسَبَبِ أَفكارِنا. لَنْ نَستَطيعَ أَن نَفقُدَ أَنفُسَنا كَما فَعَلَ الرّبَّ يَسوع مَعَنا، إِنْ لَمْ نُؤمِن بِمحَبَّتِهِ لَنا أَوَّلًا. نَحنُ نُريدُ أَن نَكونَ مَحبوبينَ فَوقَ كُلِّ شَيء، وَلِذَلِكَ في الأُسلوبِ الأَوَّل نُحاوِل عَنْ طَريقِ الخَطَأ أَن نُحافِظَ عَلى أَنفُسِنا، وَنَحنُ في الضّلالِ وَالظَّلام. أَمَّا عِندَما نُؤمِن أَنَّنا مَحبوبونَ مِنَ الآبِ كَما يَسوع، لا نَعُد نَنتَظِرُ اهتِمامًا، بَل نَرغَبُ أَن نَكونَ عَلى صورَةِ المـَسيحِ المـَصلوب في المـَحَبَّة وَالمغفِرَة وَالعَطاء.

كَيفَ يَكونُ هذا؟ طَريقُ حَبَّةُ الحِنطَة هيَ تُعَلِّمُنا كَيفَ نَنمو في المـَحَبَّة. أَوَّلًا مِن خِلالِ انتِمائِنا إِلى أَرضِ المـَلَكوت. ثانِيًا مِن خِلالِ قرارِنا الذَّاتي وَالإِراديّ في اقتِدائِنا بِالرَّبَّ يَسوع. نَبدَأ بِالتَّواضُعِ وَالصَّلاة، لِنَموتَ عَمَّا فينا مِنْ رَذيلَةٍ وَخَطيئَة، فَنُجَدِّدَ مَواعيدَ مَعمودِيَّتِنا باسمِ المـَسيح. لابُدَّ هُنا مِنَ المَوتِ المـَعنَويّ. لابُدَّ هُنا مِنَ الأَلَم في الصِّراعِ الرُّوحيّ. لابُدَّ هُنا مِن الإِصرارِ عَلى أَن يَكونَ الرَّبّ هوَ الأَوَّلُ في حَياتِنا، وَلا أَحَدَ سِواهُ على الإِطلاق. ثالِثًا مِن خِلالِ قُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس، حَيثُ تَنمو فينا مَواهِبَهُ وَنِعَمَهُ الرُّوحِيَّة، فَتُزهِرُ فينا بَراعِمَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة، وَنَحنُ ما زِلنا في جِهادِنا الأَرضيّ مُستَمِرّين. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!