مقالات

الكنيسة والسياسة والإنسان ثالوث السينودس

الكنيسة والسياسة والإنسان

موقع Allah Mahabba – الكنيسة والسياسة والإنسان ثالوث السينودس

يختلف وقْعُ خبر دعوة البابا فرنسيس الكنيسة لمسيرة سينودسيّة على اللبنانيّين عن استقبال شعوبٍ أُخرى لهذه الدعوة. فما يعيشُهُ اللبنانيّون اليوم من جملةِ أزماتٍ لم يسبِق لها مثيل في التاريخ المعاصر جعلَ الكنيسة في لبنان بإكليروسيّيها وعلمانيّيها تبدو في بادئ الأمر، وكأنّها قلقة من هذه المسيرة أو بالأحرى حذرة من الدخول في ورشة عمل رعويّة مع شعب منهك ومتعب على أكثر من صعيد. فسُلَّم الأولويّات بالنسبة إلى النّاس لا يتّسع لغير الهموم المعيشيّة كتأمين الأكل والشرب والتعليم والسكن، أو للهموم السياسيّة كالتفكير بكيفيّة إعادة تكوين سلطة جديدة للبلوغ بها إلى دولة عصريّة تجنّبنا الوقوع بأخطاء الماضي، لاسيَّما وأنّنا على مسافة أسابيع من الاستحقاقَيْن النيابي والرئاسي.

 لكنّ وقفة تأمليّة صغيرة حول رسالة الكنيسة ومسيرتها السينودسيّة من جهة، ومعنى السياسة  ودورها من جهة أُخرى كمفهومَين، كفيلة بأن تؤكّد أنّ الدعوة إلى عيش هذا السينودس لَهي من علامات الروح لوطن الأرز. فإنْ كانت رسالة الكنيسة تصبو دائمًا نحو خير الإنسان وصَوْن كرامته، تأتي رسالة السياسة لتتلاقى معها على حسن تدبير شأن الإنسان وتتميم الخير العام. فالسياسة بالنسبة إلى الكنيسة ليست مجرّد خيار ولا عاملًا مُضافًا على رسالتها، بل أمرًا مبدئيًّا بحكم كيْنونتها ودعوتها الأساسيّة: على صورة سيّدها يسوع المسيح الإله-الإنسان، هي واقع متجسّد في قلب العالم، تلتزم كما التزم المسيح قضايا التاريخ والجغرافيا فتتبنّاها لتفتديَها، فلا تنأى بنفسها عن المسائل المطروحة التي تخصّ كرامة الشخص البشريّ، فكيف إذا كانت كرامة الإنسان اللبنانيّ اليوم على المحكّ وخيره في خطر؟

فالكنيسة مع السياسة مسؤولتان ومدعوّتان إلى أن تعملا معًا لإنقاذ الحالة اللبنانيّة من الدّرْك الذي انحدرت إليه، وإنّ أوّل خطوة في الاتّجاه الصحيح تقوم أوّلًا على إعادة تنْقِيَة هذه المفاهيم بغْيَة إقامة المصالحة بين الكنيسة والسياسة، فيعي المسيحيّون أنّ نشاطهم السياسي وعملهم في هذا الشأن هما امتداد لإيمانهم بالله في قلب الجماعة، وأنّ علاقتهم الشخصيّة بيسوع المسيح وتعاليمه وشركتهم في الكنيسة تنير ممارستهم العمل السياسي في كلّ تفاصيله. كما تعي الكنيسة أنَّ عملها لا يقتصر على التبشير والتعليم والنشاطات الروحيّة بالمعنى التقليدي الكلاسيكي، بل عليها أن تبادر يوميًّا كما بالقول والعمل كذلك بالإصغاء والتأمّل، فحين تسمع أنين المقهورين والمعذّبين وتلتفت إلى معاناتهم، تستطيع ساعتئذٍ أن تخرج من الخطابات الوطنيّة الرتيبة وتجدّد قراءة الثوابت لتحاكي واقع اليوم، فتشترك انطلاقًا من ذلك مع السّاسة في وضع الخطط والمشاريع التي تؤمّن هذا الخير وتحفظ هذه الكرامة.

الكنيسة والسياسة وخير الإنسان ثالوثٌ واحد متلازم في مسيرة السينودس. الكنيسة هي العقل الذي يحرّك العمل السياسي على قاعدة الإيمان وفقَ المبادئ الإنجيليّة، والسياسة هي الأداة التدبيريّة والتنظيميّة التي تجعل الإنسان محور اهتمام الكَوْن بصَوْن كرامته وضمان خَيْره الذي هو المشتهى والمبتغى. ليكن هذا السينودس مساحةً للقاء مشترك بين الكنيسة والسياسة “رفيقتَي الدرب” في رحلة البحث عن خير الإنسان، كلّ إنسان وكلّ الإنسان. ليكن سينودوسًا يقوم على الإصغاء المتبادَل، فتأخذ السياسة ما تحتاجه من الكنيسة من قِيَم لخطّ رؤيتها المستقبليّة ورَسْم خارطة طريقها في هذه الظروف الدقيقة، وتأخذ الكنيسة من السياسة ما تحتاجه في تصويب خطابها النبويّ فتحسن قراءة علامات الأزمنة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/allahmahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة “الكنيسة والسياسة والإنسان ثالوث السينودس”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضىء بوجهه عليك ويرحمك وليمنحكم السّلام!