عِبادَةُ الله
مقالات

عِبادَةُ الله

موقع Allah Mahabba – عِبادَةُ الله

هَل يَستَطيعُ الإنسانَ أن يَعبُدَ إِلَهًا لَم يَعرِفهُ وَلَم يَختَبِرهُ وَلَم يَدخُل في عَلاقَةٍ حَقيقيَّةٍ مَعَه، أوَلَيسَ في هذا الفِعلِ عَينِه تَكمُنُ تَجرُبَة العِبادَة الصَّنَمِيَّة؟! فَما هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَة لِعِبادَةِ الله وَالمِعيار الحَقيقيّ لِتَكونَ حَقيقيَّة صَحيحَةٍ وَسَوِيَّة؟ سُؤالٌ يَستَدعي أَكثَر مِن بَحثٍ وَجواب، إِنَّما يَستَدعي تَمييزًا وَانفِتاحًا وَفَهمًا عَلى مُستَوى الإِختِبار الشَّخصيّ وَالجَماعيّ، وانفِتاحًا أَكبَر عَلى الإِختِبارِ الرُّوحيّ، أَكثَرَ مِنهُ عَلى الإِختِبار الدِّينيّ وَالطَّقسيّ.

في البَدءِ يَجِب الفَصل وَالتَّمييز ما بَين الإِختِبارِ الرُّوحيّ وَالإِختِبار الدِّينيّ وَالطَّقسيّ، فَفي الأَوَّل يَكمُنُ الأَساس وَالجَوهَر، أَمَّا الثَّاني فَهُوَ ذا بُعدٍ تَعبيريّ للأَوَّل، لَكِنَّ المُعضِلَةَ تَكمُنُ في التَّنشِئَة وَالتَّربِيَة الدَّينيَّة الَّتي تُقَدِّمُ الإِختِبار الدِّينيّ وَالطَّقسيّ في المَقام الأَوَّل، لِكَونِهِ الإِختِبار الأَوَّل للشَّخص وَالمُشتَرَك لِلجَماعَة الدِّينيَّة. فَمَن يَقِف فَقَط عِندَ الإِختِبارَ الدِّينيّ وَالطَّقسيّ يَبقى عَلى مُستَوى الطُّقوس وَالعاداتِ، أَمَّا مَن يُغامِر وَيَمضي إِلى الإِختِبار الرُّوحيّ يَكتَشِف جُذورَ الأَبعاد الطَّقسِيَّة بِوَجهِ الحُرِّيَّةِ لا العادَة؛ في هَذِهِ المـُغامَرَةِ وَالمُجازَفَة صِراعٌ وَتَكامُلٌ ما بَينَ الإِيمانِ وَالإِلحاد، ما بَينَ الحَقّ وَالوَهم.

يَقولُ الرَّبّ يَسوع في حَديثِهِ مَعَ المَرأَة السَّامِرِيَّة: “العِبادُ الصّادِقون، يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ وَالحَقّ، فَمِثلَ أُولَئِكَ العِباد يُريدُ الآب” (يو 4: 23). مِن كَلِماتِ الرَّبّ هَذِهِ نَستَقي مَعنى العِبادَة الحَقَّة، وَنَجِدُ لَنا طَريقًا قَويمًا إِلَيها:

أَوَّلًا، مَن يُريدُ أَن يَدخُلَ في حَيِّزِ الإِختِبارِ الرُّوحيّ، عَلَيهِ بادِئَ ذي بَدءٍ أَن يَتَمَتَّعَ بِفَضيلَةِ الصِّدقِ مَعَ الذَّات حَيثُ لا مُساوَمَة عَلى الحَقّ بَل زُهدًا في النَّفس. في الصِّدقِ يَكمُنُ التَّواضُعُ الَّذي يَتَضَمَّن مَعرِفَة الذَّات وَقَبولَها. إِنَّ المُحِبَّ للصِّدقِ هُوَ في الآنِ عَينِه مُحِبٌّ لِلخَيرِ وَبِالتَّالي هُوَ يَبحَثُ عَن وَجهِ اللهِ الخَيرُ الأَسمى وَالحَقّ، وَيَنظُرُ إِلَيهِ في جَمالاتِ خَلائِقِهِ، مِمَّا يَجعَلَهُ يَرتَقي إِلَيهِ عَلى سُلَّمِ الخَليقَة، وَأَن يَعرِفَهُ في وَجهِ الكَلِمَة المـُتَجَسِّدِ الرَّبَّ يَسوع.

ثانِيًا، لِتَكونَ العِبادَةُ حَقيقيَّة عَلَيها أَن تَكونَ حُرَّةً وَمَسؤولَة وَعَلائِقيَّة بَينَ اللهِ وَالإِنسان، لِذَلِكَ ميزانُ الإِختِبارَ الرُّوحيّ هُوَ في أَن يُصبِحَ الإِنسانُ أَكثَرَ حُرِّيَّةً، وَذَلِكَ عَن طَريقِ مَعرِفَتِهِ للهِ كَأَبٍ مُحِبّ وَرَحوم. هذا ما فَعَلَهُ الرَّبّ يَسوع، إِذ عَرَّفَنا عَلى وَجهِ الله كَأَبٍ لنا فَحَرَّرَنا. عِندَئِذٍ تُصبِحُ عِبادَةُ الله فِعلَ انتِماءٍ يَنبَعُ مِن اكتِشاف المُؤمِن لِهُوِيَّتِهِ كَإِبنٍ حَقيقيّ لله. هُنا يَتَجَلَّى مَعنى العِبادَة في الحُبِّ وَالطَّاعَةِ وَتَسليمِ الذَّات. هَذِهِ العِبادَة تَمضي إِلى مَحَبَّةِ وَخِدمَةِ الآخَرين، انطِلاقًا مِن هُوِيَّةِ الله كَأَبٍ لِلجَميع وَمِن هُوِيَّةِ المُؤمِن كَأَخٍ وَعُضوٍ في جَسَدِ المـَسيحِ السِرّيّ-الكَنيسَة.

ثالِثًا، العِبادَةُ عَلى مُستَوَيَي الرُّوحِ وَالحَقّ، هيَ تَعني في الصَّميمِ قَلبَ الإِنسان المُحَرَّر مِنَ الخَطيئَة، فَهيَ لا تَتَّصِل بِالمَكانِ وَلا بِالزَّمان وَلا بِالطُّقوسِ وَالعاداتِ وَالتَّقاليد وَإِن استَخدَمَتها، فَهيَ مُتَّصِلَةٌ بِعَمَلِ الرُّوحِ القُدُسِ الَّذي يُصَلّي في الإِنسانِ بِأَنَّاةٍ لا توصَف، وَالَّذي يُخزي العالَم عَلى الخَطيئَةِ وَالبِرِّ وَالدَّينونَة. مِن هُنا يُصبِحُ اللهَ الثَّالوث في جَوهَرِهِ وِجهَةَ رَغبَةِ المُؤمِن الحَقيقيّ لِأَنَّهُ المَحَبَّةُ الكامِلَة، إِذ يَجِد في طَيَّاتِ قَلبِهِ مَقامَ إِلَهِهِ الدَّائِم.
العِبادَةُ عَلى مُستَوى الرُّوح تَقصُد الرُّوح القُدُس الفاعِل في قَلبِ الإِنسان، أَمَّا عَلى مُستَوى الحَقّ فَهيَ تَعني النَّموذَج وَالمِثال الحَقيقيّ لِلمُؤمِن وَهوَ الرَّبّ يَسوع الكَلِمَة المـُتَجَسِّد.

عِندَما يَتبَع المسيحيّ الرَّبَّ يَسوع حافِظًا وَصَاياه، عِندَئِذٍ يَكونُ قَد قَدَّمَ أَسمى فِعلَ عِبادَةٍ للهِ الآب، وَفي الآنِ عَينِهِ يَكونُ قَد تَماهى مَعَ عَمَل الرُّوحِ القُدُس الفاعِلِ فيه.

العِبادَ الصَّادِقونَ لِكَونِهِم يُحِبُّونَ اللهَ، فَهُم مُحِبُّونَ لِلحَياة، وَلِلحَقّ وَلِلعَدلِ وَالرَّحمَةِ وَالمُساواة. هُم صانِعو سَلامٍ وَفاعِلو خَيرٍ، وَخُدَّامٌ ودَعاءَ للمَحَبَّةِ. هُمُ الأَحرارُ الَّذي يَعرِفونَ الحَقَّ في صَميمِ قُلوبِهِم، وَيَقتَدونَ بِهِ في أَعمالِهِم، فَيَعكُسونَ نورَ المـَسيحِ بالفرَحِ واللُّطفِ وَالسَّلام وَالمَحَبَّة لِكُلِّ مَن يَلتَقيهِم.

تسجّل على قناتنا على يوتيوب

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “عِبادَةُ الله”. ندعوك لمشاركتها مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن تعبد الله بصدقٍ، وحريّة، وبفعل الروح القدس.