السّامريّة
مقالات

لا تقبَل بعَيش اللّامعنى

وتركت جرّتها فارغة وانطلقت بفرح تبشّر أنّها قد وجدت المسيّا… وهل بيننا من لا يعرف قصّة تلك المرأة السّامريّة؟ أويغفل أحد عن هذا التحوّل من اللّامعنى إلى المعنى لا بل إلى ملء المعنى؟

أتَت تبحث عن الماء نعم، حقّ أن تروي عطشها ولكن في داخلها عطش أعمق وأخطر، تلك المرأة التي عاشت مدة ليست بقليلة في اللا معنى تموت عطشًا إلى من يروي ظمأها القديم، لديها جرّة رائع، قد عاشرت خمس رجال والآن تنعم في حضن السّادس، تأتي لتملأ الماء… نعم لو قرأنا هذه القصة لوجدناها تنعم بحياة كاملة من الحاجات الماديّة والعلائقيّة… ولكنها ظمأة… تعيش رغم كل شيء باللامعنى فحين تعرّفت على المعنى امتلأت فرحًا، تركت جرّتها الفارغة وذهبت تعلن للملأ أنّها وجدت المسيّا

أخي القارئ، تلك المرأة كانت تبحث فلو لم تكن في بحث لما وجدت، تلك المرأة كانت تحفظ وتحتفظ بقلبها بكلام آبائها وأتى الوقت لتحيا ما حفظتها طويلاً… وأنت وأنا: أما تربينا على أقوالٍ وعادات وتقاليد؟  أما زرع آباؤنا بذور الإيمان منذ الصّغر داخل قلوبنا؟ أما غلفنا بالنعم فصرنا أبناء للآب السمماوي في عائلة الكنيسة حين ولدنا من جرن المعمودية لحياة لا بل لملء الحياة؟ … حان الوقت لنسأل أنفسنا ونتساءل: ماذا حصل في جذورنا؟ أما زالت تنعش أيامنا؟ أما زلنا نعمل على إحيائها وبث الروح فيها؟ أم باتت إرث وذكريات ماضية لا روح لها ولا حياة؟… أخي إن كانت جرّتك فارغة، إن كنت تشعر بالظمأ، إن كنت تحيا في فراغ غير مبرّر إذ تغمرك الدنيويات والرغبات والفراغ يملأ كيانك… فاحذر أن تكون قد دخلت في دوّامة اللّامعنى، ذاك المرض المنتشر في دنيانا، مرض معدٍ نشعر به يحاوطنا من كل ميل… 

“قف لحظة” وفكّر معي من فضلك، كلّ نمو مُثْمِر يرتكز على قاعدتين: الجذور والجناحين. فالنمو بلا جذور راسخة نتيجته الموت السّريع: إذ أين المرجعية؟ والجناحين لنشر هذه الثمار، فلو ترسّخت الجذور ولم تُترك لها الحريّة والهواء لتنمو وتُثمر فنتيجتها بلا ريب النتانة والموت في الرّحم. إذ تُسمَّم الجذور والأرض معًا. وهكذا الإنسان، كل إنسان؛ إن عاش بلا جذور فهو يزحف، وإن عاش بجذورٍ فقط فهو فيلسوف ناقص ومنظِّر. وإن عاش بجناحين فقط، فستأتي ساعة يتعب ولا قدرة له للتوقّف والترجّل، فيجد نفسه ضائع في الفلى لا مرجعيّة له فيسقط على رأسه. وإن عاش بلا جناحاه فهو تبعي إتكالي قاصر مهما بلغ عمره.

عُد إلى جذروك، وإن يَبِسَت أرض قلبك لا تخف بل هُبّ للعمل، إفلح حول الجذور واقتلع الأشواك والحشائش المضرّة، إسقِ أرضك بماء معموديتك، وامسح أغصانك بميرونك المحيي، وافتح أوراقك لشمس حب أباك وسترى أن ثمارك ستسطع برّاقة جذابة تبشّر وتشهد فتجذب، ولا تبخل بثمارك بل تقاسمها وشاركها مع كل ظمآن، فعالمنا يصرخ من أعلى صلبانه “أنا عطشان”، فبدل المر أعطه مما أغدق عليك ربّك،… نعم أخي عالمنا غارق في اللّامعنى والمعليشية واللّامسؤولية وكلّها ثمار السطحيّة، داءٌ متفشّ يقتل عالمنا وهم يتنفسون، فنرى أرضنا أشباه قبور تفوح منها روائح النتانة، حيث جثث تمشي وتتنقل منغمسة باللّامعنى… إيّاك أن تقبل بهكذا واقع مفروض بل مفروض عليك أن تستعيد معنى وجودك من جذورك وتبث في أرضك دواءٌ لداء بات متفش معدٍ، فأنت إبن الحياة ولو فرغت جرّتك أسرع إلى نبع المعنى الذي لا ينضب واغرف وانطلق فرحًا مبشرًا أن للعالم معنى وأن لوجودنا معنى.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “لا تقبَل بعَيش اللّامعنى” . ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وأن تجد في الله كلّ المعنى لحياتك.