مقالات

أَيَحِقُّ لَنا أَن نُكَرِّمَ مَريَمَ العَذراء، وَنَقولُ أَيضًا أَنَّها سَيِّدَةُ شِبهِ الجَزيرَة العَرَبِيَّة؟؟!!

تَتَمَيَّز الكَنَيسَةُ الكاثوليكِيَّة بِإِكرام مَريَم العَذراء بِصورَةٍ خاصَّة وَبِإِكرامِ جَميعِ القِدّيسين، في حين أَنَّ كُتُبَ العَهدِ الجَديد تَتَمَحوَر كُلُّها حَولَ الرَّبَّ يَسوع عَلى أَنَّهُ الوَسيط الوَحيد بَينَ اللهِ الآبِ وَالإِنسان. نَجِدُ ذِكرًا واضِحًا لِهذا الأَمر عِندَ القِدّيس بولُس وَفي رِسالَةِ القِدّيس يوحَنَّا الأُولى: لَنا وَسيطٌ وَحيدٌ لَدى الآب. لِماذا إِذًا تُعطي الكَنيسَة الكاثوليكيَّة إِهتِمامًا خاصًّا لِدَورِ مَريَم العذراء، إِنَّها شَفيعَةٌ لِلكَنيسَةِ جَمعاء وَهيَ بِمَثابَةِ الأُمّ وَالمـُعَلِّمَة، وَتُعطى تَسمِياتٍ عِديدَة إِحداها: “سَيِّدَةُ شِبهِ الجَزيرَة العَرَبِيَّة”؟

في كُلِّ مَرَّةٍ تُخبِرُنا الأَناجيل عَن مَريَم، تُبرِز مَكانَتَها الخاصَّة، يَكفينا أَن نَتَوَقَّف عِندَ خَمسِ مَحَطَّاتٍ لِتُؤَكِّدَ لَنا أَنَّها تَستَحِقُّ مَريَمُ العَذراءَ كُلَّ إِكرامٍ مِنْ أَبناءِ الكَنيسَة.

المـَحَطَّةُ الأُولى، بِشارَةُ المَلاكِ جِبرائيل لَها: نَجِدُهُ يُلقي عَلَيها التَّحِيَّة بِمَثابَةِ جُندِيٍّ عِندَ اللهِ وَعِندَها أَيضًا، مُعلِنًا جِهارًا عَمَلَ الثَّالوثِ الأَقَدس في شَخصِها مُباشَرَةً.

المـَحَطَّةُ الثانِيَة، زِيارَتُها لِنَسيبَتِها أَليصابات: حَيثُ قالَت فيها: “مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي”. شَهِدَت أَليصاباتُ المرأَةُ البارَّة أَنَّ مَريَمَ هِيَ “أُمُّ الله”، لِأَنَّهُ لا رَبٌّ لليَهوديّ سِوىَ اللهَ وَحدَهُ، وَهَكَذا كانَت أَوَّلُ إِنسانٍ يُكَرِّمُ العَذراءَ بَعدَ المـَلاكِ جِبرائيل.

المـَحَطَّةُ الثّالِثَة، عُرسُ قانا: حَيثُ استَعادَتْ مَريَم بِبَتولِيَّتِها الَّتي لا عَيبَ فيها، وَلِكَونِها أُمُّ اللهِ الحَيّ المـُتَجَسِّد مَكانَة حَوَّاء المَرأَة الأُولى، فَهيَ المـَرأَةُ الكامِلَة الَّتي تَطلُب مِنْ إِبنِها يَسوع آدَمُ الجَديد أَن يَعصُرَ مِنْ كَرمَتِهِ الخَلاصِيَّة خَمرَةَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة الّتي مَذاقُها فَرَحٌ أَبَديّ، فَاستَجابَ لَها على الفَور، على الرُّغمِ مِن أَنَّ ساعَتَهُ لَم تَكُن قَد حانَتْ بَعد.

المـَحَطَّةُ الرَّابِعَة، عِندَ أَقدامِ الصّليب: يَقولُ الإِنجيليّ يوحَنَّا أَنَّ يَسوع نَظَرَ إِلى أُمِّهِ، وَدَعاها مِنْ جَديد كَإِمرأَةٍ إِنطِلاقًا مِنَ المَبدَأ نَفسَهُ لِتَكونَ أُمَّ التِّلميذِ الحَبيبِ وَأُمًّا لِكَنيسَتِهِ، كَما دَعا تِلميذَهُ لِيَقبَلَها كَأُمٍّ لَهُ. لَو كانَ لَها بَنينٌ آخَرين لَما طَلَبَ يَسوع مِن يوحَنَّا أَن يَأخُذَها إِلى بَيتِه. وَلَو لَمْ يُعطِها مُنذُ البِدايَةَ مَكانَةَ الأُمِّ الَّتي تَشفَعُ بِأَبنائِها وَتَرعاهم لَما طَلَبَ مِنْها أَنْ تَقبَلَ يوحَنَّا الحَبيب كَإِبنٍ لَها.

المـَحَطَّةُ الخامِسَة، عِندَ حُلولِ الرُّوحِ القُدُسِ في العَنصرَة: يَتَقَصَّدُ الإِنجيليّ لوقا في كِتابِ أَعمالِ الرُّسُل، أَن يَتَكَلَّم عَنْ حُضور مَريَم العَذراء عِندَ حُلولِ الرُّوحِ على التَّلاميذ، لا لِأَنَّها لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبلُ مُمتَلِئَة بِالنِّعمَة، إِنَّما لِيَقول لَنا أَنَّ الَّتي قَبِلَت إِبنَ اللهِ في أَحشائِها، وَشَهِدَت لِخَلاصِهِ، هيَ أَيضًا قَبِلَت أَن تَكونَ أمًّا لِلكَنيسَة لِتَشهَدَ عَلى إِنطِلاقَةِ الرُّسُلِ وَهُم حامِلينَ شُعلَةَ الرُّوحِ القُدُس بإِسمِ مَنْ حَمَلَتْهُ في أَحشائِها وَهوَ الرَّبَّ يَسوع القائِمِ مِنْ بَينِ الأَموات.

نَفَهَم مَعنى شَفاعَة مَريَم وَدَورَها مِنْ خِلالِ هَذِهِ المَحَطَّاتِ الخَمسَة:

في الأُولى، قَبِلَت بِمِلءِ حُرِّيَّتِها أَن تَكونَ أُمَّ القُدّوس، وَاتَّخَذَت وَضعِيَّةَ الخادِمَة لَهُ.

في الثَّانِيَة، نَقَلَت إِلى أَليصابات بِحُضورِها الشَّخصيّ سَلامَ الله، فَشَعَرَت أَنَّها واقِفَةٌ أَمامَ تابوتِ العَهد، وَاختَبَرَت دَورَ شَفاعَتَها.

في الثَّالِثَة، بِفَضلِ كَلِمَتِها وَمَكانَتَها الخاصَّة لَدى إِبنِها يَسوع، أَجرى أُولى آياتِهِ، وَأَظهَرَ أُلوهِيَّتَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاميذُهُ، وَمِن جَديدٍ اختَبَرَت دَور الشَّفاعَة.

في الرَّابِعَة، رَضِيَت أَن تَكونَ الأُمّ الَّتي تُعنى بِيوحَنَّا الحبيب وَبِالكَنيسَة، وَكانَت الشَّاهِدَة عَلى الخَلاصِ الَّذي حَقَّقَهُ إِبنُها الكَلِمَة المـُتَجَسِّد، وَالَّتي أَعلَنَها لَها المَلاكُ في البِشارَة، وَالَّتي أَنْبَأَ بِها سِمعانُ الشَّيخ لَها. مِن خِلالِ طَلَبِ يَسوع مِنها أَن تَكونَ أُمَّ التِّلميذ الحَبيب، أَعَطاها مِن جَديد دَورَ الشَّفاعَة.

في الخامِسَة، لَم يَكُن حُضورُ مَريَمُ العَذراء عِندَ حُلولِ الرُوحِ القُدُسِ يَومَ العَنصَرَة حُضورًا بَسيطًا، إِنَّما هوَ العَلامَة الَّتي تَربُط بَينَ تَجَسُّد الله الكَلِمَة، وَبَينَ وِلادَةِ الكَنيسَة جَسَد المـَسيحِ السِرّي بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس. في كِلا الحَدَثَين كانَت الوِلادَة بِقُوَّة الرُّوحِ القُدُس.

أَخيرًا، تُؤَكِّدُ الكَنيسَة الكاثوليكيَّة في المـَجمَع الفاتيكاني الثّاني على ارتِباط شَفاعَة مَريَم بِشَفاعَة إِبنِها الرَّبَّ يَسوع، وَلا تَنفَصِل عَنها أَبَدًا لِكَونِهِ هوَ الوَسيط وَالمـُخَلِّص الوَحيد، وَلَكِنَّ دَورَ مَريَم يَعني دائِمًا أَن تَقودَنا إِلى إِبنِها يَسوع، وَقَدْ أَرادَها هوَ نَفسُهُ لَنا أَن تَكونَ أُمًّا وَمُعَلِّمَة. يَجِب التَّنَبُّه وَعَدَم الخَلط بَينَ شَفاعَة العَذراء وَالخَلاص الَّذي حَقَّقَهُ الرَّبَّ يَسوع، فَهوَ وَحدَهُ مُخَلِّصُ العالَم، لِذَلِكَ هوَ الوَسيطُ الوَحيد بَينَ الإِنسانِ وَالله، وَشَفاعَةُ مَريَمُ العَذراء لا يَعني أَنَّها مُخَلِّصَة، بَل هيَ أَيضًا قَدْ خُلِّصَت بِنِعمَةِ إِبنِ اللهِ الَّذي وُلِدَ مِنها. شَفاعَةُ مَريَمُ العَذراء تَعني أَنَّها الأُمُّ المـُحِبَّة الَّتي تُقَدِّمُ أَبناءَها بِكُلِّ أَمانَةٍ وَحُبّ إِلى الثّالوث الأَقَدس، وَلَدى إِبنِها البِكر إِبنِ الله الوَحيد، رَبَّنا وَمُخَلّصنا يَسوع المـَسيح، وهذِهِ هيَ ميزَةُ دَعوَتُها الخاصَّة.

قيلَ للرَّبِّ يَسوع: “طوبى للبَطنِ الَّذي حَمَلَكَ وَللثَّدَينِ اللَّذَينِ رَضِعتَهُما”، فَأَجابَ: “طوبى لِمَن يَسمَع كَلِمَة اللهِ وَيَعمَل بِها”. إِنَّ مَريمَ العذراء هيَ الَّتي سَمِعَت الكَلِمَةَ وَحَمِلَتْهُ في بَطنِها وَأَرضَعَتهُ مِن ثَديَيها، وَبِالتَّالي نالَت الطّوبى بِشَكلٍ مُضاعَف، وَابنَها يَسوع هوَ مَنْ أَعلَنَ أَنَّها تَستَحِقُّ الطُّوبى، وَأَيضًا كُلّ مَنْ يَتَّخِذها لَهُ أُمًّا وَمِثالًا. هذا ما تَحفَظهُ الكَنيسَةُ الكاثوليكيَّة في تَقليدِها ولاهوتِها إِذْ تُكَرِّم وَتُطَوِّب مَريَم العذراء الَّتي قالَت سَوفَ تُطَوّبُني جَميعُ الأَجيال، وَلا تُقَدِّم لَها العِبادَة على الإِطلاق، بَل مَعَها تُقَدِّمُ العِبادَةَ للثَّالوث الأَقدَس.

أَمَّا إِذا كُنَّا نَحتَفِلُ بِها اليَومَ في شِبهِ الجَزيرَةِ العَرَبِيَّة تَحتَ إِسم سَيِّدَة العَرَب، ذَلِكَ لِأَنَّنا نَرَغَب وَنُريدُ أَن نَحمِلَ الرَّبَّ يَسوع، مِثلَما حَمَلَتهُ هيَ يَومَ رَكَضَت بِهِ إِلى بَيتِ نَسيبَتَها أَليصابات، فَعَمَّ الفَرَحُ في ذاكَ البَيت. هَكذا نَحنُ نُريدُها أَن تَحمِلَ لِهذِهِ الأَرض المـُخَلِّصَ الوَحيد الرَّبَّ يَسوع، وَأَن نَكونَ بِدَورِنا رُسُلَ سَلامٍ على مِثالِها.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!