مقالات

ماذا تختار بين عدالة اللهِ ورحمَتِهِ؟

موقع Allah Mahabba ماذا تختار بين عدالة اللهِ ورحمَتِهِ؟

       يَحتَلُّ مَوضوعُ عَدالَةِ اللهِ في تَفكيرِ النَّاسِ، حتَّى الَّذينَ أَلحَدوا مَجالاً واسِعاً. كُثُرٌ يُطالِبونَ اللهَ بِعدالَتِهِ أَمامَ الشَّرّ المَوجودِ في العالَم. كُلُّنا نَسأَل ما هوَ مَوقِفُ يَسوع مِنَ الَّذينَ يُخطِئون إِلَينا؟ إِن كانَ الشَّرُّ وَالخَطيئَة غَير مَحدودَينِ في عالَمِنا، هَل يَستَطيعُ الحُبّ وَالغُفرانِ الغَير مَحدودَين أَنْ يَكُفَّا مِن تَأثيرِ الشَّرِّ على حَياتِنا؟

       عِندَما نَسمَع بُطرُس يَسأَلُ الرَّبَّ يَسوع: “كَمّ مَرَّةٍ يَخطأُ إِلَيّ أَخي وَأَغفِر لَهُ؟ أَسَبعَ مَرَّاتٍ؟ نَجِدُهُ يَتَكَلَّم بِشَكلٍ مَنطقيّ، يُشبه أُسلوبَ تَفكيرِنا وَتَصَرُّفَنا. وَلِكِن عِندَما نَسمَعُ جَوابَ الرَّبّ لَهُ: “لا أَقولُ لَكَ: سَبعَ مَرَّاتٍ، بَل سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرَّاتٍ”، نُصعَقْ وَنَتَعَجَّب. وَلَكِن لِكَي نَدخُلَ في فَهمِ تَعليمِ يَسوع حَولَ الغُفران عَلينا أَن نَتَمَوضَع في مَكانِنا الصَّحيح.

       كُلُّ واحِدٍ مِنَّا عِندَما يُخطِئ إِلَيهِ أَحَد، يُطالِب بِتَعويضٍ وَاعتِذار، وَلَكِن هَلّْ كُلُّ واحِدٍ مِنَّا عِندَما يُخطِئ تُجاهَ أَحَدٍ يُسرِع إِلى التَّعويضِ وَالإِعتِذار وَطَلَبِ الغُفران؟ إِذا كُنَّا صادِقينَ مَع أَنفُسِنا نَجِد أَنَّنا نُطالِبُ بِالعَدالَةِ عِندَما يَكونُ الحَقُّ إِلى جانِبِنا وَرُبَّما نُطالِبُ بِالثَّأْرِ أَيضاً. أَمَّا عِندَما نَكونُ نَحنُ مُذنِبين، فَبِكَثيرٍ مِنَ المـَرَّاتِ إِمَّا نَنكُر أَنَّنا على خَطَأ، أَو نَهرُب مِنَ المـُواجَهَة لِئَلَّا نَعتَذِر وَنُقِرّ بِخَطَئِنا.

       إنطِلاقاً مِن هُنا، عَلَينا أَن نَتَمَوضَع في مَكانِنا الصَّحيح، وَالَّذي هوَ الإِقرارُ بِأَنَّنا خَطَأَة، وَعَلينا أَن نَنزَع الخَشبَة الَّتي في عُيونِنا، قَبلَ أَن نَنظُرَ إِلى النثرة الَّتي في عُيونِ إِخوَتِنا. عَلينا أَن نُقِرَّ أَنَّنا كُلُّنا عِطاشٌ إِلى رَحمَةِ اللهِ، وَنُطالِبُهُ أَن يَكونَ رَحيماً مَعَنا، لا دَيّاناً عادِلاً. على هذا الأَساس نَفهَم جَواب يسوع لِبُطرُس: “لا أَقولُ لَكَ: سَبعَ مَرَّاتٍ، بَل سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرَّاتٍ”. إِنَّهُ جَوابٌ أَكثَر مِنْ مَنطِقيّ، إِنَّهُ عِلاجٌ لِمَنطِقِنا الخارِجِ عَنْ المَحَبَّة.

      يُغَنِّي صاحِب المَـزامير: “الرَّبُّ حَنَّانٌ رَحيم”، “وإِنَّ للأَبَدِ رَحمَتَه”. وَيَسوع الَّذي قالَ لَنا أَنَّ أَبانا السَّماويّ، لا الآب بِشَكلٍ مُطلَق، بَل أَبانا نَحنُ، يُشرِقُ شَمسَهُ على الأَخيارِ وَالفُجَّار، يُعَلِّمُنا أَن نَغفِرَ سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرَّاتٍ. هُو مِن جِهَةٍ يَمُدُّ لَنا يَدَ الرَّحمَة في كُلِّ لَحظَةٍ مِنْ لَحَظاتِ يَومِنا، وَمِنْ جِهَةٍ أُخرى يَدعونا لِنَكونَ أَشباهَهُ، نَرحَم وَنَغفِر وَنُسامِح، إِنطِلاقاً مِمَّا صَنَعَهُ هوَ مِنْ أَجلِنا، وَعلى أَساسِ إِعتِرافِنا أَنَّنا خَطَأَة وَنَحتاجُ إِلى الرَّحمَة. عِندَما نَعي هَذِهِ الحَقيقَة في صَميمِ قُلوبِنا، يُصبِحُ بِإِمكانِنا عَيشَ الغُفران في حَياتِنا.

       نَحنُ أَيضاً على مِثالِ بُطرُس، نُقِرُّ أَنَّنا لا نَستَطيعُ احتِمالَ نَقائِص الآخرين، وَلا أَن نَبقى ثابِتينَ في التَّسامُحِ وَالغُفران، وَلَكِن عِندَما يُصبِح غُفرانَ الرَّبِّ لَنا وَرَحمَتَهُ الدَّائِمَة نُصبَ عُيونِنا في كُلِّ لَحظَةٍ، عِندَئِذٍ نَستَطيعُ ما يَطلُبُهُ مِنَّا. أَينَ نَحنُ اليَوم مِنْ تَأَمُّلِنا في وَجهِ يَسوع المـَصلوب وَآلامِهِ الخَلاصِيَّة؟ إِنَّهُ مَدرَسَةُ الحُبِّ وَالرَّحمَة وَالغُفران. لِنَتَذَكَّر تَصَرُّف بُطرُس مَع الرَّبّ قَبلَ الصَّليب، وَبَعدَهُ. عِندَما اكتَشَفَ ضُعفَهُ وَخَطيئَتَهُ عَلى ضَوءِ مَحَبَّةِ يَسوع المَصلوب، أَصبَحَ بإِمكانِهِ أَن يَغفِر لا سَبعَ مَرَّاتٍ بَل سَبعينَ مَرَّةٍ سَبعَ مَرَّاتٍ، وَهذا عِندَما قَبِلَ أَن يَكونَ راعِياً لِلخِرافِ وَالنِّعاجِ وَالحِملان، بَعدَما أَجابَ: “نَعَم يا رَبّ أُحِبُّكَ،… وَأَنتَ تَعرِفُ كُلَّ شَيء”.

       إِنَّ الفِكرَ البَشَريّ يُريدُ تَحقيق العَدالَة على المـُستَوى الإِجتِماعيّ، بَعيدًا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ، وَهذا لا يُمكِن أَن يَتَحَقَّق على الإِطلاق. مَبدَأُ العَدالَة الصَّحيح يَقومُ على مَحَبَّةِ الحَقّ الَّذي هوَ في الخَير. إِنَّ رَحمَةَ اللهِ هيَ دائِمَة، لا كَعَجزٍ أَمامَ الشَّرِّ المـَوجودِ في العالَم، إِنَّما كَبابِ رَجاءٍ مُحَقَّق يُدخِل مَنْ يَقبَلُها فَرَحَ المـَلَكوتِ الأَبَديّ مِنَ اليَوم، مِن خِلالِ قَبول وَعَيش التَّسامُح وَالغُفران. انطِلاقاً مِنْ هُنا يُصبِح إِنتِصارُ المُؤمِن على الشَّرِّ وَالخَطيئَة، لا على إِساسِ إِلغائِهِما، بَل مِن خِلالِ قُبول غُفرانِ الرَّبِّ لَهُ، الَّذي يَجعَلَهُ يَعيشُ الحَياة بِإِيمانٍ وَرَجاءٍ وَمَحَبَّة.

       فَلنَطلُب مِنْ يَسوع نِعمَةَ أَن نُدرِك في صَميمِ قُلوبِنا عَطِيَّةَ غُفرانِهِ لَنا، وَأَن نَغفِرَ لِمَن خَطِئَ إِلَينا، كَما هوَ غَفَرَ لَنا نَحنُ الَّذينَ دائِماً نُخطِئ إِلَيهِ أَوَّلاً، وَهو لا يَنزَعُ رَحمَتَهُ اللَّامُتَناهيَة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!