مقالات

صَدَفَة الحياة

Provided by: gia123x /unsplash

موقع Allah Mahabba  – صَدَفَة الحياة

أراها واقِفَةً، في ذاكَ الغُروبِ، عِندَ الصَليبِ، لا بَتَفَجُّعِ النِهاياتِ بَل بِصَمتِها، صَمتِ البِداياتِ كُلِّها.
أمامَ صَليبِ المَولودِ مِن دَمِها، هوَ رِضى حُبِّها، أدرَكَت حِكمَةَ الكَلِمَةِ… وَهيَ غَيرُ غَيرُ كُلِّ حِكَمِ هَذا العالَمِ، وإن إجتَمَعَت.
صَمتُها يُكَلِّلُ ذَبيحَةَ حِكمَةِ الكَلِمَةِ.
صَمتُها، أمامَ الصَلبِ وَتَقاسُمِ ثيابِ إبنِها، وَقَد حاكَتها بِحَنانِها، يَغفِرُ، حينَ أوَّلُ كَلِمَةٍ سَمِعَتها مِنهُ مَصلوباً، كَفَّارَةً عن خَطايا البَشَرِ: “إغفِر لَهُمُ، يا أبي، لأنَّهم لا يَدرونَ ما يَفعَلونَ.”
صَمتُها، هيَ الحامِلَةُ الأولى لِسِماتِ المَسيحِ، يُحَرِّرُ.
بَلى! هيَ تَمتَمَت في سِرِّها: قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ!
تَحوَّلَ الرَمزُ الى الحَقيقَةِ: مَريَمُ المُتألِّمَةُ مَعَ وَحيدِها، المُعانِيَةُ في قَلبِها ما يُعانيهِ في جَسَدِهِ، المُشتَرِكَةُ الأولى في ذَبيحَتِهِ، هوَ رِضى حُبِّها، بانَت صَدَفَةَ الحَياةِ، المُعطِيَةَ الحَياةِ أبَداً.
هيَ المُختارَةُ مِن بَينِ جَميعِ النِساءِ،
وَهيَ التي الى عُمقِ أعماقِها نَفَذَ سَيفُ الأحزانِ،
الآنَ! الآنَ! لَن يَقولَ لَها :”ما لي وَلَكِ، يا إمرأة، ما أتَت ساعَتي بَعدُ!”
ها هي ساعَتُهُ. والآبُ، ظاهِرِيَّاً تَنَحَّى عَن نَظَرِهِ كإنسانٍ. بَقِيَت هيَ!
“إنتَظِروا وإسهَروا مَعي!” تَفَرَّقوا. بَقِيَت هيَ!
وَجهُهُ المُتَدَلِّي عَلى الصَليبِ وَوَجهُها المُرتَفِعُ إلَيهِ، مُتعانِقانِ. كَلَّلَها أمَّ البَشَرِيَّةِ.
فَيا أيَّتُها الصَدَفَةُ التي مِنها بَزَغَ، بِثُلاثِيَّةِ كَلِماتِها: “أنا أمَةُ الرَبِّ”، خالِقَ الأكوانِ كُلِّها، في إستِباقٍ لِبُزوغِهِ مِنَ القَبرِ في اليَومِ الثالِثِ، بَينَ يَدَيكِ هوَ إستَودَعَنا، فإحمِلينا الى فَيضِ الحَياة الطالِعِ مِنكِ.
وَيا حَياةَ المَرمِيِّينَ على جُلجُلاتِ الدُموعِ، المُعَرِّينَ حتَّى مِن حَقيقَتِهِم، المَطعونِينَ بِقلوبِهِم، المَرذولينَ كَحِجارِ عَثرَةٍ، دَعينا، الى جانِبِكِ، نَقِفُ عِندَ صَليبِ يَسوعَ وَقَد إنتَصَبنا كَما التِلميذُ الذي كانَ يُحِبُّهُ، لِنَسمَعَهُ يُتَمتِمُ لَنا: أنتِ أمُّنا.
أيَّتُها البُرهانُ لِحِكمَةِ القائِمِ مِنَ المَوتِ، أجعَلينا مِثلَكِ، نَسيرُ بِصَمتِ البِداياتِ التي بِها نَطوي كُلَّ غُروبٍ، حامِلينَ صَليبَنا وَراءَهُ، لِنَغلِبَ بَهِ سُلطانَ هَذا العالَمِ المُستَهزءِ بِنا: “إن كُنتُم أبناءَ اللهِ…”