مقالات

سَلَّةُ المـُهمَلات: كُرسيّ الإعتِراف!

Provided by: Josh Applegate - Unsplash

موقع Allah Mahabba  سَلَّةُ المـُهمَلات: كُرسيّ الإعتِراف!

                كَثُرَت الدُّوَلُ المـُتَقَدِّمَة الَّتي تَتَّبِع سِياسَةً بيئيَّةً فَتَستَفيدُ مِن تَدويرِ نِفاياتِها. فَما كانَ يُعتَبَرُ شَيئًا لا فائِدَةَ البَتَّة مِنْهُ، وَأَمراً مُعَدًّا للتَّلفِ وَللنَّارِ، باتَ مادَّةً مُفيدَةً وَصالِحَةً في عالَمِ التِّجارَة وَالإِقتِصاد وَالزِّراعَةِ وَالصِّناعَة. لَم يَعُد هذا الأَمرُ شَيئاً غَريباً وَدَخيلاً على عالَمِنا القائِمِ على البَحثِ وَالإِستِكشافِ وَالتَّطَوُّر، فَهو دافِعٌ إِضافيّ لِمَزيدٍ مِنَ التَّقَدُّم وَالإِنفِتاح. لِهذا الدَّرس المـَلموسِ، عِبرَةً روحِيَّةً عَميقَة لا نَستَطيعُ سَبرَها إِلَّا عِندَ تَقَدُّمِنا مِن سِرّ المـُصالَحَة، الَّذي ما عَلَيْنا أَنْ نُهمِلَهُ، فَهُناكَ فَقَط لَحظَةَ جُثوِّنا في كُرسِيّ الإِعتِراف، نَفهَمُ على قَدرِ استِطاعَتِنا كَيفَ أَنَّ الرَّبَّ يُحَوِّلُ عاجِلًا ما كُنَّا نُعِدَّهُ أَزِيَّةً لَنا وَخُسرانًا، إِلى ما يُفيدُنا وَيَنفَعُنا، فَهوَ الَّذي يُدَوِّرُ في مَعامِلِ مَراحِمِهِ اللَّامُتَناهِيَةِ ضُعُفاتَنا وَنَقائِصَنا وَخَطايانا، إِلى تُربَةٍ تَقبَلُ زَرعَ نِعمَة المـَحَبَّة الإِلَهِيَّةِ في قُلوبِنا.

                كَيفَ يَكونُ هذا؟! لِلأَسَفِ الشَّديدِ وَلأَسبابٍ عَديدَةٍ مِنها تَربَويّ وَثَقافيّ وَاجتِماعيّ، وَمِنها نَفسيّ وَروحيّ…، كُثُرٌ مِنَ القِلَّةِ القَليلَةِ الباقِيَة يَتَقَدَّمونَ مِن سِرّ المـُصالَحَة، ناظِرينَ إِلى أَنفُسِهِم نَظرَةَ احتِقارٍ مُقَزَّزَةٍ، وَكَأَنَّهم يَشمُّونَ رائِحَةَ خَطاياهُم، كَرائِحَةِ النّفاياتِ المـُعَفَّنَة، وَمَعَ هَذِهِ الحال لا يَستَطيعونَ البَتَّة أَن يَرَوا جَمالَ صورَةِ اللهِ فيهِم. يَجِدونَ أَنفُسَهُم مَسجونَةً وَمُقَيَّدَةً بِسَلاسِلِ الشُّعورِ بِالذَّنبِ الثَّقيلَة، إِلى حَدٍّ تَعجَزُ بِهِ عَنْ الإِيمانِ بِمَراحِمِ الرَّبِّ المـُحَرِّرَة، فَتُصبِحُ فَريسَةً لعَدُوّ الطّبيعَةِ البَشَرِيَّة، وَلِوساوِسِهِ السّوداوِيَّةِ المـُقلِقَة.

يَستَخدِمُ اللهُ في سِرّ المـُصالَحَةِ كَلِماتِ وَكيلهِ الكاهِنِ، لِكَيْ يَشفِي مِن خِلالِها النُّفوس الجَريحَة وَيُعيدَ حُرّيَّةَ الأَبناءِ المـَسلوبَة، لِهذا السَّبَب تَقع على الكاهِنِ مَسؤولِيَّةً كَبيرَةً وَعَظيمَة، فَما عَلَيْهِ أَن يَكونَ سَيِّدَ كَلامِهِ وَرأيِهِ وَقَناعاتِهِ الذَّاتِيَّة، وَلا أَن يَلعَبَ دَورَ الطّبيب النّفسيّ، بَلْ عَلَيْهِ أَن يَبقى خادِمًا أَمينًا وَمِطواعًا لِلرَّحمَةِ الإِلَهِيَّة، فَهوَ مُلزَمٌ مِن بابِ دَعوَتِهِ المـُقَدَّسَة أَن يَكونَ رَجُلَ إِصغاءٍ لِروحِ الله القُدُّوس، فَيُبعِدَ عَنْهُ وَجهَ القاضي الدَّيَّان، لِيُظهِرَ وَجهَ الأُبُوَّةِ في اللُّطفِ وَالرِّقَّةِ وَالوَداعَةِ وَالحَنان. على خادِمِ اللهِ أَن يَكونَ بِمَثابَةِ عامِلِ التَّنظيفات، وَفي الوَقتِ عَيْنِهِ العالِم وَالعارِف بِقوَّةِ النِّعمَةِ الإِلَهِيَّة، وفقًا لأَيقونَةِ الرّبّ غاسِل الأَرجُل. هوَ يُشَجِّعُ التَّائِب في وقوفِهِ أَمامَ مِرآةِ ذاتِهِ وَالله مِن خِلالِ صَليبِ يَسوع بِهَدَفِ المـُصالَحَة، وَيُسانِدُهُ في عَيشِهِ لإِيمانِهِ بِالرَّجاء، لِئَلَّا يَعودَ يَنظُرَ إِلى ذاتِهِ نَظَرَةً تَحُطُّ مِنْ صورَةِ اللهِ الَّتي تَعني تَأَلُّهَهُ، كَيما يَرفَعَ عَيْنَي قَلبِهِ لِيُنشِدَ تَسبِحَةَ مَجد الفِداء.

في عالَمِ العدالَةِ المـَدَنِيَّة، يُستَجوَبُ المـُتَهَم وَالمـَحكوم عَلَيْهِ بِأَلفِ طَريقَةٍ وَطَريقَة، مِنها اللَّطيفُ وَمِنها العَنيف، بَيْنَما في سِرّ المـُصالَحَة يَتَقَدَّمُ المـُؤمِنُ بِمِلءِ حُرِّيَّتِهِ لا لِيَشكو ذاتَهُ المـُذنِبَة وَحَسب، بَلْ لِيُقِرَّ مُعتَرِفًا بِعَظَمَةِ وَقُدرَةِ رَحمَةِ اللهِ الَّتي تَلِدَهُ مِن جَديد بِقُوَّةِ استِحقاقاتِ الرَّبّ يَسوع الخَلاصِيَّة. وَحدَهُ الإِيمان بِغُفرانِ الرَّبّ يَجعَلُ الإِنسانَ يَرى في ظُلُماتِ قَلبِهِ أَنوارَ المـَسيحِ المـُحييَة، فَيَقوى على اليَأسِ وَالسَّأَمِ وَالشَّرّ وَإِن هوَ بِطَبيعَتِهِ ضَعيفٌ وَخاطِئ. وَحدَهُ الإِيمان بِمَحَبَّةِ اللهِ الَّتي تَعلو كُلَّ آثام وَخَطايا وَسَقَطاتِ وَزَلّاتِ الإِنسان، يَجعَلُ مِنْهُ خَلقاً جَديدًا، بِالماءِ وَالرُّوحِ.

في سِرِّ المـُصالَحَةِ لا نَقِفُ عِندَ إِزالَةِ أَقذارِ الجَسَدِ لِنَكونَ أَطهارًا لِنُفوسِنا، بَل عِندَ مُعاهَدَةِ اللهِ بِضَميرٍ صالِحٍ وَنَقِيّ، كَيما يَنمو فينا الإِنسانَ الباطِنِ على صورَةِ خالِقِهِ في المـَحَبَّة، فَنَقوى بِفَضلِ نِعمَةِ اللهِ وَبِالتَّوبَة على الصّعوباتِ وَالتّجارِب وَالرّذائِل، فَنَسيرَ سيرَةَ الَّذينَ أُسِرَت قُلوبَهُم بِمَحَبَّةِ المـَسيحِ المـُحَرِّرَة فَنُثمِرَ فَرَحًا وَسَلاماً وَحياة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة: ” سَلَّةُ المـُهمَلات: كُرسيّ الإعتِراف!” لمشاركته مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!