مقالات

طموح الرغبة

طموح الرغبة

موقع Allah Mahabba – طموح الرغبة

كَيفَ لنا أَن نَحلُمَ إِن لَم نَطمَح! وَكَيفَ لنا أَن نَطمَحَ إِن لَم نَرغَب! كَيف لَنا أَن نَكسِرَ قُيودَ الأَسرِ، وَجمودَ الواقِعِ، وَتصَلُّبَ الفِكرِ وَانغلاقَ القلبِ، مَا لم نَكُن أَحرارًا؟! وَحدَها الحُريَّةُ تُولِّدُ الطُمّوح، لِأَنَّ الحُرّيَّة هي رَغبَةُ الحياة، وَالرَّغبَةُ بِالحُرّيَّة هِي عَيشُ الحَياةِ بِملئِها، هِيَ حَقّاً أُولى ثمارِ الرّوح القدُسِ، هيَ مِن جَوهَرِ الله الحَيّ القُدُّوس. كُلٌّ مِنَّا يَحمِلُ في حشا قَلبِهِ رَغبَةً دَفينَةً مِنَ اللهِ، هِيَ كالبَذورِ إِذا وُضِعَت في الأَرضِ المـُعَدَّةِ لَها، أَنبَتَت وَأَعطَت ثَمَراً كَثيرًا. الطُّوبى لِمَن يَجِد كَنزَهُ الدَّفينَ هَذا وَيُعِدَّ قَلبَهُ حَقلاً لَهُ، فَيَعرِفَ تَوازِيًا: عَطِيَّةَ الرُّوحِ وَالحُرِّيَّةَ الَّتي مَعَها يَصيرُ وَيَنمو، وَفقًا لِرَغبَةِ الله.

جَميلَةٌ وَمُدهِشَةٌ الحَياةُ، بِطَبيعَتِها وَفُصولِها، بِأَجناسِ البَشَرِ وَتَنَوُّعِ ثقافاتِهِم وَاختِلافِ عَقائِدِهِم وَتَطَلُّعاتِهِم الخاصَّة وَالمـُشتَرَكَة، وَلَكِن كُلُّها يَصفَرُّ وَرَقُها وَيَزبُلُ كَوَرَقِ الخَريفِ، وَأَمامَ شِتاءِ سِرِّ المـَوتِ يَسقُطُ وَيَندَثِرُ، مُخَلِّفَةً وَراءَها صَرخَةَ سُؤالٍ مُدَوٍّ كقَصفِ الرَّعدِ وَالبَرقِ في عُمقِ ضَبابِ الغَيمِ وَالعَتمَة: لِماذا؟ هوَّذا السُّؤالُ الَّذي بِهِ نَكتَشِفُ أَنَّ لِكُلِّ الأَشياءِ حُدودَها، وَكَأَنَّها لَم توجَد إِلَّا لِحينٍ. الجُمودُ يَبقى جُمودًا، أَمَّا الحُرِّيَّةُ تَستَمِرُّ لِأَنَّها الحياة، هي كالرّيحِ روحاً. كُلُّنا بِالرَّغبَةِ الَّتي فينا، نُريدُ أَن نَبقى لا لِحينٍ، بَل لِلأَبَد. الطُّوبى لِمَن يَجِدُ في رَغبَةِ قَلبِهِ طُموحاً يَؤولُ بِهِ إِلى مَجدِ اللهِ وَمَلَكوتِهِ، يَكونُ قَد وَجَدَ الرَّغبَةَ في عَيشِ القَداسَة، الَّتي يَبدَأُ سُلَّمَها مِن قَبولِ مَحَبَّةِ اللهِ وَحَجَرُ زاوِيَتِها التَّوبَةُ واتِّباع آثارِ الرَّبَّ يَسوع الّذي هوَ طَريقُ حُرِّيَتِنا.

الرَّغبَةُ في القَداسَةِ لا تَخافُ المـَوتَ أَبَدًا وَلا تَخشى مِن أَشكالِهِ المـُتَنَوِّعَة، هيَ رافِعَةَ مَواهِبَ الرُّوحِ القُدُسِ مِن قَعرِ بِئرِ القَلبِ المـُنكَسِرِ وَالمنُسَحِقِ، لِتَحفُرَ بِصَخرِ الإِرادَةِ الصّلبَة مَنحوتَةَ الحُرِّيَّةَ في الشَّخص مِثلَما حَدَثَ مَعَ سِمعان بُطرس، حَيثُ الإِنسانُ يَجِدُ خَيرَهُ وَكَمالَهُ في وَجهِ الكَلِمَة المـُتَجَسِّدِ يَسوع؛ إِنَّهُ أَيقونَةُ حَياتِنا، وَقُبلَةُ وجودِنا.

في صَميمِ الواقِعِ نَكتَشِفُ المـُعاكَساتِ وَالتَّحَدِّياتِ وَالصُّعوباتِ الَّتي تَرسُمُ لَنا حُدودًا، فَنَجِدُ أَنَّ حُرِّيَّتَنا مَشروطَةٌ بِالواقِعِ، وَأَيضًا بِما يَتَحَرَّكُ في باطِنِنا مِن أَفكارٍ وَمَشاعِرَ وَبِخاصَّةٍ مِن أَهواء، لَكِنَّ جُموحَ رَغبَةَ اللهِ فينا، لا مُستَحيلَ عِندَها، فَهيَ طامِحَةٌ فيها من جنونِ المـَحَبَّةِ الإِلَهِيَّةِ وَسَكرَتِها قُوَّةً وَشَجاعَةً تَجَعلُنا كَأَبناءٍ لله نَرفُضُ أَن نَكونَ عَبيدًا لِلخَطيئَةِ الَّتي فينا، أَو حَتَّى لِكُلِّ أَشكالِ الإِستِعبادِ الإِجتِماعيّ وَالسِّياسِيّ حَيثُ تَنتَنفي العَدالَةُ وَمَعَها الرَّحمَة. لَم نُخلَق لِنَكونَ راضِخينَ لِأَسرِ الزَمانِ وَالمـَكانِ بِما يَتَضَمَّنانَ مِن ظُروفٍ وَأَحداث. المـَحَبَّةُ تَؤَدّي بِنا لِنَكونَ ثائِرينَ بِحِكمَةِ وَوَداعَةِ الرَّبَّ يَسوع.

الرَّغبَةُ في القداسَة لا تُؤآلِفُ شُروطَ الواقِع، وَإِن هيَ مُتَصالِحَةٌ مَعَهُ، إِنَّما تَصبو لِتَكونَ أَرضُنا سَماءً، لِأَنَّ عِمَّانوئيلَ في وَسَطِنا. هَذِهِ هيَ رَغبَةُ اللهِ فينا، إِنَّها تَدفَعُنا لِنَكونَ في صَميمِ العالَمِ حَيثُ الشَّرُّ نَزرَعُ الخَيرَ، وَحَيثُ الظُّلمُ نُعلي العَدالَةَ، وَحَيثُ الفَقرُ وَالجوعُ نَنشُدُ غِنى اللهَ بِعَيشِنا للرَّحمَةِ وَالمـَحَبَّة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/allahmahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة “طموح الرغبة”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضىء بوجهه عليك ويرحمك وليمنحكم السّلام!