مقالات

علامة فرح

علامة فرح

موقع Allah Mahabba  – علامة فرح

          في وَسَطِ أَزَماتٍ حادَّة على جَميعِ المـُستَوَيات، تَغدو كَلَيلٍ حالِكٍ وَضَبابٍ كَثيفٍ، يَبحَثُ كُلٌّ مِنَّا عَمَّا يَمُدُّهُ بِالرَّجاء، وَعَمَّا يُعطيهِ وَلَو جُرعَةَ فَرَحٍ وَبَصيصَ أَمَلٍ وَتَنَهُّدَ سَلام، لِكَي يَجِدَ شَجاعَةً وَقُوَّةً وَصَبرًا على التَّحَمُّلِ وَعلى اكتِشافِ مَعنًى لِما يَعيشُهُ. كَثيرًا ما نَعتَمِدُ عَلى العَقلِ وَالمـَنطِقِ لِنَستَمِدَّ مَعنًى لِما نَحنُ عَلَيهِ بِخاصَّةٍ في أَوقاتِ الشِّدَّةِ وَالضِّيق، وَلَكِن أَكثَر ما يُؤلِمُنا وَيُخَيِّبُ آمالَنا، هو عِندَما نَجِدُ أَنَّ العَقلَ بِمَنطِقِهِ لَيسَ بِمَقدورِهِ أَن يُعطِيَنا أَيَّ جَوابٍ يُسَكِّنُ مَرارَةَ قَلبِنا المـَجروح.

إِذا عُدنا إِلى مَن عاشوا خِبرَةَ الإِيمانِ في الكِتابِ المـُقَدَّس وَفي تاريخِ الكَنيسَة، نَكتَشِفُ أَنَّهُم أَيضًا عَرَفوا الشَّدائِدَ وَالمـَضايِقَ لا بَل قاسوا المـِحَن وَالإِضطِهادات، وَعَرَفوا الصِّراعَ الرُّوحيَّ وفقَ تَعريفِ القِدّيسِ بولُس: “حروبٌ مِنَ الخارِجِ وَمَخاوِفٌ مِنَ الدَّاخِل” (2 قور 7: 5).

إِذا كانَ واقِعُ الحَياةِ هذا بِوَجهِهِ المـُؤلِم يَفرِضُ عَلَينا ذاتَهُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ وَثِقلِهِ، إِن لِمَرحَلَةٍ ما أَو طوالَ تاريخِنا، كَيفَ لَنا أَن نَكونَ عَلامَةَ فَرَحٍ لِأَنفُسِنا وَلِلآخَرين، إِن كانَ المـُؤمِنُ نَفسُهُ يَرجو التَّعزِيَةَ وَالسِّلوان؟!؛ يَكمُنُ مَدخَلُ الفَرَحِ الحَقيقيّ في تَجَنُّبِنا لانقِسامِ قَلبِنا وَفي التِماسِنا الرَّبَّ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ.

          كُلُّ عالَمٍ وَمَكانٍ وَزَمانٍ خالٍ مِن حُضورِ الله، هُوَ عَدَمٌ وَمَوتٌ، وَبِما أَنَّ اللهَ حَيٌّ وَهوَ إِلَهُ المـُستَحيل إِلَهُ الفَرَحِ وَالمـَحَبَّة، فَغَيرُ المـُستَطاعِ عِندَ البَشَر، هوَ مُمكِنٌ وَحَتمِيٌّ وفقًا لِتَدبيرِ الله وَعِنايَتِهِ الحَكيمَة، وَهذا ما يُمَيِّزُ المـُؤمِنَ عَن سِواهُ الَّذي رُغمَ كُلِّ المـُعاكَساتِ وَالمـُضايَقاتِ يَجِدُّ وَيُجاهِدُ لِيَرى يَدَ الله في عالَمِهِ وَمَكانِهِ وَزَمانِهِ تَمُدُّهُ بِالتَّعزِيَة، وَالَّتي تَجعَلُ مِنهُ عَلامَةَ فَرَحٍ لِعالَمٍ يَتَوَسَّلُ سامِرِيًّا صالِحًا يَلتَفِتُ إِلَيهِ كَحُنُوِّ الإِبنِ الوَحيدِ عَلى البَشَرِيَّةِ في سِرِّ تَجَسُّدِهِ وَمَوتِهِ وَقِيامَتِهِ.

          عَرَفَ زَكَرِيَّا رُغمَ بَرارَتِهِ اليَأسَ إِذ قالَ لِلمَلاكِ: “بِمَ أَعرِفُ هذا وَأَنا شَيخٌ كَبيرٌ وَامرَأتي طاعِنَةٌ في السِّنّ؟” (لو 1: 18)، لَكِنَّ الكَلِمَة الَّتي سَمِعَها تَغَلَّبَت على مَوقِفِهِ وَكانَت لَهُ مَصدَرَ حَياةٍ جَديدَة، لِيَكونَ بَعدَئِذٍ بِما اعتَراهُ مِن ذُهولٍ وَصَمتٍ وَاندِهاشٍ عَلامَةَ فَرَحٍ تَفتَتِحُ نُبُؤَةَ العَهدِ الجَديدِ بَعدَ انقِطاعِ النُّبُؤَةِ عَن إِسرائيل لِمُدَّة 400 سنَةٍ.

          لِكَي نَكونَ أَنتَ وَأَنا عَلامَةَ فَرَحٍ في عالَمٍ يَعرِفُ الأَلَمَ وَالحُزنَ، عَلَينا أَن نُقدِمَ عَلى تَسليمِ ما فينا مِن يَأسٍ وَمَوتٍ لِمَن هُوَ القادِرُ بِمَحَبَّتِهِ وَرَحمَتِهِ وَعِنايَتِهِ عَلى مَدِّ العاقِرِ بِالحَمْلِ، وَالعَذراءَ بِمِلءِ النِّعمَة، وَعَلى أَن يَجعَلَ مِنَ المـَوتِ الجَسَديّ جِسرَ عُبورٍ إِلى الحَياةِ الأَبَدِيَّة. عَلَينا مَعَ الرُّعاةِ وَالمـَجوس، وَمَعَ المـِجدَلِيَّةِ وَالرُّسُلِ أَن نَشخَصَ بِمَن يَمُدُّنا بِالفَرَحِ إِذ شابَهَنا في كُلِّ شَيءٍ وَعَرَفَ كُلَّ تَحَدِّياتِنا وَصُعوباتِنا وَشَدائِدِنا على شَتَّى المـُستَوَيات.

          بَعدَ تَسليمِ ضُعفِنا وَيَأسِنا لِسَيِّدِ المـُستَحيل، وَتَطَلُّعِنا في وَجهِهِ الفَرِحِ المـُشِعِّ قِيامَةً في إِنسانِيَّتِنا، عَلَينا أَن نَقتَفِيَ آثارَهُ تارِكينَ نُفوسَنا تَتَعَلَّقُ بِهِ وَحدَهُ هو الَّذي أَحَبَّنا أَوَّلًا حَتَّى الغايَة، فَلا نَعودُ نَحيا لِأَنفُسِنا، عِندَئِذٍ تُصبِحُ كَلِماتُنا كَلِماتِ تَعزِيَةٍ وَفَرَحٍ لِأَنَّها تَؤولُ إِلى البُنيانِ في المـَحَبَّة، وَخَدَماتُنا شَهادَةَ رَجاءٍ وَفَرَحٍ لِأَنَّها تَعني المـُشارَكَةَ السَّخِيَّةَ مَعَ الآخَرين، وَحُضورُنا وَصَمتُنا وَنَظرَتُنا وَابتِسامَتُنا… كُلُّها تُصبِحُ عَلاماتِ فَرَحٍ، حَتَّى قبولُنا للإِضطِهادِ، حَيثُ نُصبِحُ العَلامَةَ الفارِقَةَ الَّتي تَؤولُ إِلى تَمجيدِ الآبَ بِالأَعمالِ الصَّالِحَة، حينَها نُضيءُ “ضِياءَ النَّيِّراتِ في الكَونِ مُتَمَسِّكينَ بِكَلِمَةِ الحَياة” (فل 2: 16).

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالَة “علامة فرح”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!