سوءُ الظَّنِّ
مقالات

سوءُ الظَّنِّ سَمٌّ قاتِل!!

سوءُ الظَّنِّ سَمٌّ قاتِل!!
قَالَ الرَّبُّ يَسوعُ: “سِراجُ الجَسَدِ هو العَين” (مَتّ 6: 22) وَنَجِدُ لِهذا القَولِ تَفسيرًا يَعني نَوعِيَّةَ التَّفكير أَو الرُّوحانِيَّة الَّتي على أَساسِها يَنظُرُ الإِنسانُ إِلى شَتَّى أُمورِ حَياتِه، وَعَلَيها يَبني قَناعاتِهِ وَمَبادِئِهِ، إِلى أَن تُصاغَ أَقوالًا وَأَفعالًا وَتَصَرُّفاتٍ خُلُقِيَّة. على هذا الأَساس نَرى تَعارُضًا مَعَ القَول الشَّائِع: “العَقلُ السَّليم في الجِسم السَّليم”، فَهذا يُعَوِّل عَلى الصِحَّةِ الجَسَدِيَّة، وَعلى التَركيبَة البيولوجيَّة وَالفيزيولوجِيَّة، فيما الرَّبّ يُعطي في تَعليمِهِ الأَوَّلِيَّة لِلرّوحِ عَلى الجَسَدِ مِن دونِ أَن يُهمِلَهُ وَلا أَن يَزدَريه. فَمَن استَنارَ عَقلُهُ بِنِعمَةِ الرُّوحِ القُدُس، وَإِن كانَ جَسَدُهُ مَريضًا، عَليلًا وَمُصابًا بِالأَسقام، يَستَطيعُ أَن يُقاوِمَ كُلَّ أَشكالِ المـَوتِ فَيَحيا بِالمـَسيح.

كَما أَنَّ لِلجَسَدِ أَمراضًا تُصيبَهُ، كَذَلِكَ للذّهنِ أَمراضَهُ الخاصَّة، وَمِن بَينِها مَرَضُ سوءِ الظَّنّ، حَيثُ تَغدو النَّظرَةُ تجاهَ الآخَرينَ وَالحَياةَ قاتِمَةً وَسَوداوِيَّةً وَسَلبِيَّة، وفي هذا الفِعل انعِكاسٌ للنَّظرَة تُجاهَ اللهِ وَالذَّات. كَيفَ لَنا أَن نَتَحَرَّرَ مِن هذا المـَرَضِ اللَّعين، الَّذي يُصيبُ الإِنسانَ بِالعَمى، فَلا يَعُد يَعي ذاتَهُ وَلا يَعُد يرى حُضورَ اللهِ في حَياتِهِ؟!

قالَ يَسوعُ لِتَلاميذِه: “أَنتُم الآنَ أَطهار، بِفَضلِ الكَلامِ الَّذي قُلتُهُ لَكُم” (يو 15: 3)، إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ الَّتي هِيَ “روحٌ وَحياة”، هِيَ بِمَثابَةِ المـَسحوقِ تَستَطيعُ غَسلَ الذِّهنَ فَتُطرَدَ الأَفكارَ الرَّديئَةَ مِنهُ، لِيَحِلَّ مَكانَها أَفكارًا سَلاميَّة وَصالِحَة، تُؤَدّي إِلى عَيشِ الإِنجيلِ بِبُعدِهِ الخَلاصِيّ. يَقولُ القِدّيسُ بولُس: “نَحنُ لَنا فِكرَ المـَسيح” (1 قور 2: 16 )، وَأَيضًا “تَجَدَّدوا بِتَجَدُّدِ أَفكارَكُم وَالبَسوا المـَسيح” (أَف 4: 23).

تَتَأَتَّى ثِمارُ سوءِ الظَّنِّ مِنَ التَّشكيك وَالإِرتِياب المـَبني على روحِ الأَنانِيَّة المـُتَأَثِّرَةِ سَلبًا بِالبُعدِ التَّربَويّ، حَيثُ تَغدو الأَنا في انغِلاقِها عَلى ذاتِها مـَرجَعِيَّةَ نَفسِها، وَالَّتي تُؤَدّي إِلى العِنادِ وَالتَّصَلُّبِ بِالأَفكارِ وَالمـَواقِف، فَيُخلَقَ مَنطِقٌ غَيرَ سَليمٍ يَتَمَسَّكُ بِحُجَجِهِ الواهِيَة وَالبَعيدَة عَن المحَبَّةِ وَالحَقِّ.

سؤءُ الظَّنِّ جَعَلَ آدَمَ وَحَوَّاء يُشُكَّانِ بِوَصيَّةِ الله، سوءُ الظَّنِّ جَعَل قايين يَتَجاوَبُ مَعَ الخَطيئَةِ الواقِفَة على بابِ قَلبِهِ، إِلَخ… وسوءُ الظَّنِّ هذا نَفسُهُ يُلاحِقُ كُلٍّ مِنَّا. سوءُ الظَّنِّ يَجعَلُنا نَدينُ الآخَرينَ وَنُطلِق عَلَيهِم أَحكامًا ظالِمَة… .

كَيفَ لَنا السَّبيلُ للشِّفاءِ مِن سوءِ الظَّنّ هذا؟! يَقولُ القِدّيس فَرَنسيس الأَسّيزيّ في توصِيَتِهِ السَّابِعَة وَالعَشرين: “حَيثُ المـَحَبَّة وَالحِكمَة لا خَوفَ ولا جَهلَ… حَيثُ الرَّأفَةَ وَالتَّمييز لا انتِقادَ ولا قَسوَةَ قَلب”. في سوءِ الظَّنِّ نَجِدُ الخَوفَ مِنَ الآخَر فَيَبقى مَجهولًا لَنا، فَنَنتَقِدَهُ وَفقًا لِروحِ الأَنا المـُسَلَّطِ عَلَينا، وَنَدينَهُ بِقَساوَةِ قَلب.

يُقَدِّمُ اللهُ لَنا الدَّواءَ عَبرَ الإِنجيلِ المـُقَدَّس، حَيثُ نَنهَلُ الرَّحمَةَ وَالحِكمَةَ فَنَعرِفَ مَحَبَّةَ اللهِ لَنا في الحَقّ الَّذي يُخاطِبُنا بِكُلِّ ما قالَ وَفَعَلَ الرَّبُّ يَسوع.

تَيَقَّظ واِحتَرِس مِن أَفكارِكَ وَخَواطِرِ قَلبِكَ، وَلا تَسمَح لِسوءِ الظَّنِّ أَن يَمتَلِكَكَ، وَلا تَظُنَّنَ أَبَدًا أَنَّ اللهَ لا يُحِبُّكَ، فَهوَ يُؤمِنُ بِكَ أَنَّكَ دائِمًا تَستَطيعُ الأَفضَل.