من أجل بلوغ الفرح
مقالات

من أجل بلوغ الفرح

من أجل بلوغ الفرح – حول إنجيل الأحد الثالث من الصوم بحسب الطقس البيزنطي

مرقس 8: 34-38 و 9: 1

34ودَعا الجَمعَ وتَلاميذَه وقالَ لهم: “مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني. 35 لِأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذِي يَفقِدُ حَياتَه في سبيلي وسبيلِ البِشارَة فإِنَّه يُخَلِّصُها. 36فماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفْسَه؟ 37وماذا يُعطي الإِنسانُ بدلاً لِنَفسِه؟ 38لأَنَّ مَن يَسْتَحْيِي بي وبِكَلامي في هذا الجيلِ الفاسِقِ الخاطِئ يَسْتَحْيِي بِه ابنُ الإِنسان، متى جاءَ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه المَلائِكَةُ الأَطهار”. 9 1وقالَ لَهم: “الحَقَّ أَقولُ لَكُم: في جُملَةِ الحاضِرينَ ههُنا مَن لا يَذوقونَ المَوت، حتَّى يُشاهِدوا مَلكوتَ اللهِ آتِياً بِقُوَّة”.

كلّما خاض الإنسان تحدّياً صعباً، يتعزّى كثيراً متى عرف أنّه وصل الى منتصف الطريق، ويتشدّد ليواصل جهاده ويصل الى هدفه المنشود. ها هو الأسبوع الثالث من الصوم يطلّ علينا، فتختار الكنيسة المقدّسة أن توجّه انتباهنا اليوم إلى رمز النصر العظيم، علامة الرجاء المثلى، فينتصب صليب ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح وسط ميدان الصوم… تلك الأداة التي لطالما كانت مصدر خزي وعار، والتي باتت رمز خلاصنا ورجاء قيامتنا يوم صُلب عليها ربّ المجد.

ما وفّر يسوع فرصة إلا وأخبر فيها تلاميذه أنه سيتم رفضه، وسوف يحاكَم، ويموت، ولكنّه يقوم في اليوم الثالث، وأكثر من ذلك قال الرب لهم ما لا يريد أحدٌ سماعه، وهو أنّهم هم أيضاً يجب أن يحملوا صلبانهم ويبذلوا حياتهم؛ موضحاً أنّها الطريقة الوحيدة لولوج الملكوت.

وهذه هي الحقيقة الصعبة التي يجب أن نقبلها بطاعة وتواضع وبهجة، وهي أننا لا نستطيع القفز إلى فرح القبر الفارغ من دون المرور بدرب الجلجلة. يجب أن نذهب أولاً مع ربنا إلى الصليب؛ نحن أيضا يجب أن نموت من أجل النهوض مرة أخرى. نحتاج إلى الموت عن خطايانا، لنعيد الصورة الإلهيّة لأنفسنا، وعلاقاتنا، وعالمنا. قدّم ابن الله نفسه في طاعة حرّة للثالوث القدوس، آخذاً بنفسه العواقب الكاملة للخطيئة والموت إلى حد الموت، موت الصليب، وهذا هو التواضع الأقصى، هذه هي المحبّة القصوى “لأنه هكذا أحبَّ اللهُ العالمَ حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلُّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو16:3)؛ وهكذا فُتح الطريق لملكوت السموات، للحياة الأبدية، للخليقة كلّها.

من هنا نتعلّم أنّه لبلوغ الفرح الذي لا يُنزَع منّا، يجب علينا أولاً أن نشترك في الجهاد والألم والتضحية بالصلب. يجب أن نصلب عاداتنا السيّئة وأفكارنا الرديئة وشهواتنا المميتة. يجب علينا أن نقتل كبريائنا وأنانيتنا وعبوديتنا للملذّات الدنيويّة. إذا لم نصلب هذه الأهواء، فإنّنا سنبقى في أسقامنا، في ظلمتنا، في ضعفاتنا، ولن نعاين مجد القيامة ولن نشترك بفرح الانتصار والظفر.

يا أحباء، نحن لا نعلِّقُ صليبًا على صدورنا هكذا عبثًا أو زينة، إنَّما نعلِّقُه لكي نتذكَّرَ أننا دائمًا يجب أن نكون معلَّقين عليه ببذل الذات، واليوم أكثر من أي يوم، تتربّص بنا صلبان عديدة، من أمراضٍ وأوبئة ومشاكل مادّية واقتصاديّة، ناهيك عمّا نتخبّط به في داخلنا، لذا يستحيل التحدّي أكبر، والجلجلة أصعب، والجهاد أضنى… ولكن بالوقت عينه، هذا يضاعف فرح الوصول، يوقد لذّة الفصح، ويؤجّج نور القيامة… فلنتّضع، ونحتمل، ونطع، ونصبر، والأهم من كلّ ذلك، فلنحبّ بحقّ، لأنّ المحبَّة موت… وبعد الموت قيامة، آمين.

تسجّل على قناتنا على يوتيوب

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

seraphim makhoul

الخوري سيرافيم مخّول

كاهن في أبرشيّة زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس
دكتور في علم الكيمياء