مقالات

تذكار عماد المسيح وعيد الظهور الإلهيّ

منذ ثلاث سنين زرتُ موقع المغطس في الأردنّ، ذلك المكان الّذي كان فيه يعمّد يوحنّا المعمدان، وقد تعمّد على يده يسوع المسيح. جلستُ في المكان الهادئ، الخالي من السيّاح تقريبًا، أتذكّر خبر عماد المسيح. على أقلّ من عشرة أمتار، على الضفّة المقابلة، ليس المكان هادئًا ولا خاليًا من السيّاح. بل عدد كبير من الناس يغطسون في الماء، يتعمّدون ويعمّدون. وسألتُ نفسي لو كان أمنيًّا يجوز أن يغطس في الماء أحدٌ من ضفّتنا. لأنّ أهل هذه الضفّة لا يخالطون زوار الضفّة الأخرى. فساح تفكيري نحو سؤال رسم ابتسامة عريضة على وجهي: أيّ ضفّة هي تلك الّتي عمّد عليها يوحنّا؟ ابتسمتُ لأنّي لا أبالي كثيرًا بأن أشرّف ضفّة على أخرى والأردنّ رسم الإثنين، ولا أن أقدّس شعبًا على آخر والله خلق الشعبين.

إلاّ أنّ السؤال ألحّ على بالي. كان يوحنّا يعمّد “في عِبْرِ الأردنّ”. أي على الضفّة المقابلة من حيث أتى. أي كان يعمّد من جهتنا. ولكن لماذا عَبَرَ الأردنّ؟ طبعًا! كيف لم أرَ ذلك من قبل! حين دخل شعب العهد إلى أرض العهد مرّ في وسط الاردنّ. قبل دخوله كلّم الله موسى وأعطاه توجيهات الإقامة في الأرض، وحذّره: إن استخفّ الشعب بكلمة الله استخفّت كلمة الله به وفقد الأرض، أمّا إن حفظ الشعب كلمة الله، حفظته كلمة الله وثبت في الأرض. فالمعموديّة هي اعتراف الشعب بأنّه أخطأ الدخول إلى الأرض، بأنّه اعتبرها حقًّا مُكتسبًا وأمرًا حاصلاً، ولم يحفظ كلمة الربّ. لهذا فهو يخرج من الأرض ثمّ يدخلها ثانية، معتزمًا هذه المرّة أن يحفظ كلمة الربّ ويعمل بها. فكان على يوحنّا أن يعمّد في عبر الأردنّ.

ما معنى “أن يحفظ كلمة الربّ”؟ يلفتني أنّ للشريعة كما تلقّاها موسى في عبر الأردنّ، كما ترد في كتاب تثنية الاشتراع، منحىً أخلاقيًّا يركّز على حبّ القريب أكثر منه على الطقوس والعبادات. فكلمة الربّ تقيم وزنًا للقريب وبفضلها يجتمع الشعب معًا. الكلمة هي الأرض الحقّة الّتي يقوم عليها الشعب أكثر من الأرض نفسها. وحين تضيع الأرض في زمن السبي إلى بابل، كلمة الله تجمع الشعب الّذي في الشتات. وبحسب كلمة الله، القريب هو الأرض الحقّة. الأرض هي الصورة المنظورة للتضامن الّذي يجعل الآخر قريبًا وأخًا. القدرة على إقامة الأخوّة هي الّتي تصنع الأرض. فلو ضاعت الأرض وما ضاعت القدرة على الأخوّة تعود الأرض. وأمّا إن ضاعت الأخوّة فما من أرض تعوّضها. ويسوع ابن العهد، خرج مع الشعب كلّه ليعتمد. ليُكمل المسيرة حيث تركها موسى الّذي لم يدخل الأرض. هو الّذي سيعلّم الناس طريق الأخوّة الحقيقيّة، الّتي تجعلهم يرثون ملكوت السماوات. سيكون الأخ إلى الحدّ الفاصل بين قاين وهابيل. سيأخذ مكان هابيل ليعطي أخيرًا الغفران الّذي انتظره قاين راجيًا على غير رجاء. جسده يصير لنا الأرض والمدينة والهيكل، الكاهن والمذبح والذبيحة، مسكن الله مع البشر.

ومعموديّة الروح الّتي افتتحها يسوع بموته على الصليب دخول جديد، لا إلى أرض ميعاد قديم، بل إلى حياة جديدة. منذ الآن لي وطن. وطني هو المسيح.

تسجّل على قناتنا على يوتيوب

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لقراءة مقالة “تذكار عماد المسيح وعيد الظهور الإلهيّ” ندعوك لمشاركة هذا المقال مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وأن يعطيك نعمة تذكار عماد المسيح وعيد الظهور الإلهيّ