مقالات

البارحة، خرجنا من الحَجرِ، خرجنا جميعنا!

ها هي السفينة من جديد تُعيد رحلتها وسط عاصفةِ الخوف ورياح الاضطراب؛ ها هي سفينة الرّسل تحملُ بطرس والآخرين من جديد في مشهديّةٍ إنجيليّة أبعد عن الوصف؛ وها هي قطرات الشتاء حاملة معها دموعاً وآلاماً كثيرة تلامسُ وجه خليفة بطرس، وتضع رحالها على كتفَيه ليحمل في صرخته صرخة عالمٍ يتألّم ويتخبّط ويتساءَل…
ونرفع النظرات عالياً، علّنا نراه آتياً بالمجد، بآياتٍ وعجائب تُلغي المرض وتُسكِت الألم. إلّا أنّه هناك… ها هو! في السفينة عينها، نائمٌ على صليب الخلاص، مرساة السّفينة كلّها. نائمٌ، يتألّم مع أحبّائه، ويلتقط على جسده المجرّح قطرات الشتاء، فيغمر في حلاوة قلبهِ الدافئ دموعنا الباردة، ليحوّلها إلى ينبوع ماءٍ ويُكمِل مشهديّة الرحمة المتدفّقة من جرح جنبهِ الحيّ!


شكراً كنيستي!
شكراً، لأنّكِ، وفي حينٍ يُحيط بنا الخوف من كلّ صوبٍ، عِشتُ معكِ أجمل لحظات الرّجاء!
شكراً لأنّكِ جعلتِ من كلمات الانجيل تحيا حقيقةً أمامنا، تُدخِلُنا في اللّحظة، وتجعلنا نصمتُ أمام روعة حضور المسيح!
شكراً لأنّكِ أشعلتِ في كياني مشاعر الامتنان أنّني إبنُكِ وأنّكِ إلى جانبنا، تصلّين!
شكراً كنيستي، لأنّكِ بدلَ أن تملئي ساحتكِ بالناس، جعلتِ من كلّ بيتٍ ساحة، ومن كلّ قلبٍ كنيسة!
شكراً لأنّكِ بدلَ هتافات الناس التي اعتدتِ على سماعها، أردتِ أن تحضني دموع البشريّة جمعاء، وشتاء العواصف التي تعطي قلوبنا الخوف والرعب، والشعور بعدم الأمان، واليأس، والوِحدة،… فكُنتِ مليئةً أكثر من كلّ المرّات!
شكراً لأنكِ واقفة، حاضرة، قويّة، جريئة بالمحبّة!


لقد حطّمت كنيستي بالمحبّة وقوّة القائم من الموت أبواب الخوف حيث نحتجز قلوبنا…
البارحة، خرجنا من الحَجرِ، خرجنا جميعنا! ذهبنا بالقلب إلى كلّ بيتٍ، إلى كلّ عائلة، إلى كلّ مستشفىً، عند كلّ مريض، عند كلّ عجوزٍ وعجوزة، إلى كلّ وحيدٍ، ذهبنا… ذهبنا بالقلب إلى خارج الحدود والأعراق والدين، ذهبنا للمسلم والبوذي واليهوديّ والمُلحِد، ذهبنا نصلّي بالمحبّة للجميع… وذهبنا نرى القبور ونصلّي للموتى، ونترجّى القداسة والحياة الأبديّة!
شكراً كنيستي!


“إنّكَ تدعونا لنأخذ زمن المحنة هذا كزمن اختيار. ليس هذا الزمن زمن دينونتك، بل زمن أحكامنا: زمنٌ نختار فيه ما هو مهمّ وما يزول، ونفصل الضروري عن غير الضروري. حان الوقت لإعادة توجيه مسار حياتنا تجاهك، يا ربّ، وتجاه الآخرين” (من كلمات البابا فرنسيس في البركة الرسوليّة الخاصّة، يوم الجمعة 27 آذار 2020، ساحة القدّيس بطرس – الفاتيكان).