مقالات

لا تخافوا من الصليب…”أنا معكم”

لغة الصليب حماقة عند الّذين يسلكون سبيل الهلاك” (1قور 1 / 18). إشارة الصليب الّتي نرسمها في بداية النهار على أجسادنا، تذكّرنا أنّ يسوع القائم من بين الأموات سيُعاوننا في حمل الصليب. الصليب لا يُزيل دائمًا المخاطر، ونادرًا ما يقضي على المرض ولا يَحُولُ عائقًا أمام موت الجسد. لكننّا نجده يمنح الشجاعة في عيش المرض، والحكمة عند الخطر، والقوّة في مواجهة الموت. الصليب ليس عصًا سحريّةً، بل وسيطًا لحبّ الله إذ به يتّحد بكلّ خاطئٍ ومريضٍ ومتألّمٍ ومصلوبٍ في هذا العالم. يسوع المصلوب حاضر مع كلّ وحيدٍ، وكلّ فقيرٍ، وكلّ مريضٍ، وكلّ مسجونٍ. ألم يقُل لنا “لأنّي جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فزرتموني، وسجينًا فجئتم إليّ” (متى 25/ 35-36).

يسوع، نزعَ عن المرض والموت خاصّتهما، إذ جرّدهما من قوّتهما وجرّدهما من سلاح الوِحدَة القاتل. يسوع، من خلال الصليب حاضرٌ حضورًا فعليًّا وقربانيًّا مع كلّ إنسان متألّم، معنويًّا كان أم جسديًّا. ألم تأخذه “الشفقة” على أرملة نايين الّتي خسرت ابنها الوحيد (لوقا 7/ 13)؟ وما المقصود بعبارة “أشفق عليها” غير أنَّ يسوع اتّحد بآلام هذه الأمّ المفجوعة؟ يسوع يتألّم معنا، هذه العبارة تعني أنّه يتّحد بنا نحن الخطأة وبآلامنا، ويُشاركنا خوفنا، فيزيل وحدتنا ويمنحنا فضيلة الرجاء. يسوع حاضر، وبواسطة صليبه هو مُتّحدٌ بكلّ مريضٍ دون تمييز بين شرّيرٍ أو بارّ، لأنّه يفيض خيره ويشرق شمسه على الأشرار والأبرار.

أوَليست ذبيحة الصليب الّتي تُقام في الرعايا ويرفع بها الكاهن الشعب كلّه إلى الله علامة رجاء لحبّ الله غير المتناهي الحاضر في وَسط شَعبِه المَسبيّ في صحراء هذا العالم؟ صليب يسوع، أزال إمكانيّة نسب الشرور من مرضٍ، وعنفٍ وحروبٍ إلى الله. فكيف نتّهم المحبّة بأنّها تلقي علينا الأحمال الثقيلة، وهو من قال لنا “تعالوا إليّ جميعًا أيها المرهقون المثقلون، وأنا أريحكم”؟ (متى11 /28) كيف ننسى نشيد المحبّة ” المحبّة تصبر، المحبّة تخدم … وهي تعذر كلّ شيء وتصدّق كلّ شيء وترجو كلّ شيء وتتحمّل كلّ شيء” (1قور13 / 4-8)؟ وها أنتم من لبستم المسيح، أَوَباءٌ أعادكم وثنيّين، فنَسبتُم الشرَّ إلى المحبّة التي اتّحدت بصليبنا بواسطة إنسانيّة يسوع المسيح؟ ما الجديد في هذا الوباء إلى حدّ أنّ الخوف جعلكم تتّهمون حينًا خطايا البشر وعدالة الله حينًا آخر؟ ما الجديد تحت الشمس؟ الأوبئة، والأمراض، والعنف، والحروب والشرور والخطايا مجبولٌ بها هذا العالم. أنسينا أنّ العالم يئنّ ويتألّم؟ (روم 8 / 22) أغاب عن بالنا أنّنا بانتظار سماءٍ جديدة وأرضٍ جديدة؟

ما من جديد في هذا الوباء... الجديد الوحيد منذ سبت اليوم السابع الّذي فيه الله استراح، هو صليب يسوع المسيح الّذي به خُلِق الكون من جديد. الجديد في العالم أنّ الله صار جسدًا واتّحد بآلامنا. الجديد أنّ الكلمة صار جسدًا، والكلمة عانقَنا، نحن الخطأة، على الصليب. الجديد أنّه معنا على الصليب لنعبر به إلى الله، فنصرخ معه بقوّة الروح القدس “أبانا”.