مقالات

المناولة باليدّ: دراسة مفصّلة بحسب التقليد السّرياني

دراسة للأب روجيه يوسف أخرس – أستاذ محاضر مادّة آباء الكنيسة في جامعة الروح القدس، الكسليك

إنّ مسألة المناولة باليد أو بالفم مطروحة في هذه الأيام، بالتزامن مع انتشار وباء كورونا. وبغضّ النظر عن السبب الذي أدّى إلى إعادتها إلى بساط البحث، فإنّ واجب المحبّة يلزمني أن أن أقدّم للقرّاء الأحبّاء الذين سألوني عرضًا تاريخيًّا مفصّلاً للمسألة، بحسب التقليد السرياني، أتبعه بخلاصة لاهوتية. وكلّ ما سيرد، موثّق بمراجعه.
ومن دون إطالة، يمكن التأكيد أنّ عادة تناول القربان في اليدين، لا في الفم مباشرة، هي الأقدم في التقليد السرياني، حيث كان المؤمن يأخذ القربان ويلمس به عينيه كمن يقبّله بعينيه، قبل أن يتناوله بفمه، أو يأخذه “زادًا في السفر”. وكانت هذه الطريقة في التناول منتشرة في المدن الكبرى كأنطاكية وأورشليم، كما في باقي المدن والقرى السريانية على السواء، على ما يتبيّن من الشهادات التي نوردها أدناه.

1- أفراهاط
أوّل من يذكر التناول باليد بين الآباء السريان هو أفراهاط الحكيم، في مقالته السابعة التي وضعها سنة 336-337م، وفيها استوحى صورةً من قصّة لعازر الذي كانت الكلاب تلحس قروحه فيقول عن المؤمنين: “ܘܪܚܡܝܢ ܠܡܪܢ ܘܡܠܰܚܟܝ̣ܢ ܫܘܡ̈ܬܗ ܟܕ ܦܓܪܗ ܢܳܣܒܝ̣ܢ ܘܣܳܝܡܝ̣ܢ ܠܗ ܥܠ ܥܝܢܝ̈ܗܘܢ ܘܠܳܚܟܝ̣ܢ ܠܗ ܒܠܶܫܳܢܰܝ̈ܗܘܢ ܐܝܟ ܕܡܠܰܚܶܟ ܟܠܒܐ ܠܡܪܗ.”
“يحبّون ربّنا ويلحسون جروحه عندما يأخذون جسده ويطبقونه على عيونهم ويلحسونه بألسنتهم كما يلحس الكلب سيّده” (أفراهاط، المقالة السابعة، مقطع 21)

2- القدّيس كيرلّس الأورشليمي (386+)
الشهادة الثانية تأتينا من القدّيس كيرلّس الأورشليميّ الذي يعلّم في عظاته التي ألقاها في سنة 348م، فيقول: “وعندما تقترب، لا تتقدّم باسط اليدين والأصابع منفردة، ولكن اجعل من يدك اليُسرى عرشًا ليدك اليمنى، لأن هذه ستتقبّل الملك، وفي راحة يدك تقبّل جسد المسيح قائلاً: آمين. وبعد أن تلمس عينيك بهذا الجسد المقدّس لتقديسهما، تناول…
وبعد تناول جسد المسيح، اقترب من كأس دمه. لا تمدّ يديك، بل احنِ رأسَكَ دلالةً على العبادة والإجلال، قائلاً: آمين. وتقدَّسْ بتناولك دم المسيح. وبينما شفتاك رطبةً المسها بأصابعك وقدِّسْ عينيك وجبينك وسائر حواسّك.” (كيرلس الأورشليمي، العظة 23 /الخامسة في الأسرار/، 21-22).

3- مار أفرام السرياني (373+)
يشير مار أفرام إلى التناول باليد في معرض ردّه على سؤال سليمان: من جمع الريح في راحتيه؟ (أم 30: 4)، فيقول:
“ܪܘܚܐ ܒܚܘ̈ܦܢܰܘܗܝ ܠܡ ܡܢܘ ܐܶܚܰܕ. ܬܐ ܘܰܚܙܺܝ ܐܘ ܫܠܝܡܘܢ ܡܕܡ ܕܰܥܒܰܕ ܡܪܗ ܕܐܒܘܟ. ܕܢܘܪܐ ܘܪܘܚܐ ܕܠܐ ܒܟܝܢܐ ܡܙܰܓ ܘܢܰܣܰܟ ܒܚܽܘ̈ܦܢܐ ܕܬܠܡܝ̈ܕܘܗܝ.”
“من أمسك الريح في يديه؟ تعال وانظر يا سليمان، ما فعله ربُّ أبيك (مز 110/ 1)
مزج النار والروح على خلاف طبعهما، وصبّهما في حفنات التلاميذ.” (أناشيد في الإيمان 10/ 14)
وفي الردّ على سؤال سليمان الثاني، المتعلّق بالمياه، قال:
“ܡܢܘ ܨܪ ܡܝ̈ܐ ܒܫܘܫܦܐ܆ ܡܫܰܐܳܠܘ ܫܰܐܶܠ ܗܘܐ. ܗܐ ܒܫܘܫܦܐ ܡܒܘܥܐ ܟܢܦܗ̇ ܕܡܪܝܡ. ܡܢ ܟܣ ܚܝ̈ܐ ܢܘܛܦܬ ܚܝ̈ܐ ܒܓܰܘ ܫܘܫܦܐ ܢܳܣ̈ܒܳܢ ܐܰܡ̈ܗܬܟ”
“أيضًا سأل سليمان سؤالاً آخر: من صرّ المياه في حجاب؟
هوذا ينبوعٌ في الحجاب، أي في كنف مريم.
وفي الحجاب، تأخذ إماؤكَ قطرةَ الحياة من كأس الحياة.” (أناشيد في الإيمان 10/ 14-15(
إنّ لفظ ܫܘܫܦܐ يعني أربعة أمور مختلفة: 1) حجاب قدس الأقداس 2) حشا مريم الذي شبّهه مار أفرام بالسحاب الذي يحتبس المطر، وفقًا لصورة مأخوذة من سفر أيوب “يَصُرُّ الْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ فَلاَ يَتَمَزَّقُ الْغَيْمُ تَحْتَهَا.” (أي 26/ 8). فمريم هي الحجاب – السحابة التي نضحت مياه الحياة والخلاص أي المسيح للعالم. 3) شرشف المذبح الذي يُوضع عليه الجسد والدم. 4) الحجاب الذي يحجب أيدي النساء حين يقتربن من التناول. تحدّث مار أفرام هنا عن النساء اللواتي يتقبّلن في أيديهنّ المخفيّة بالحجاب (ܫܘܫܦܐ) الخبز المقدّس المنضوح بالدم الذي يسمّيه قطرة الحياة.
ففي زمن مار أفرام كان رشم الجسد بالدم أمرًا معمولاً به كما يُفهم من هذا المقطع الأفرامي:
“ܗܳܐ ܨܺܝܪ ܨܰܠܡܳܟ܆ ܒܰܕܡܳܐ ܕܥܶܢ̈ܒܶܐ܆ ܠܥܶܠ ܡܶܢ ܠܰܚܡܳܐ܆ ܘܨܺܝܪ ܥܰܠ ܠܶܒܳܐ܆ ܒܨܶܒܥܳܐ ܕܚܽܘܒܳܐ܆ ܡܶܢ ܣܰܡ̈ܡܳܢܶܐ܆ ܕܗܰܝܡܳܢܽܘܬܳܐ܆ ܒܪܺܝܟ ܗܽܘ ܕܰܐܥܒܰܪ܆ ܨܰܠ̈ܡܶܐ ܓܠܺܝ̈ܦܶܐ܆ ܒܰܨܠܶܡ ܩܽܘܫܬܶܗ܀”
“ها إنّ صورتَكَ مُصوَّرة ٌ بدمِ العنبِ فوقَ الخبز،
ومُصوَّرةٌ على القلب، بإصبعِ الحبّ، بألوانِ الإيمان.
تبارَكَ الذي أبطَلَ التماثيلَ المنحوتةَ، بصورتِهِ الحقّ.” (أناشيد الميلاد 16/ 7).

4- القديس يوحنّا الذهبي الفم (407+)
يُشير الذهبي الفم إلى عادة أخذ جسد المسيح باليد وإلصاقه على العينين إذ يقول في حديثه الثالث عن الكهنوت (بحسب النسخة السريانية)، إنّ المسيح الحاضر على المذبح “يهب ذاته للذين يريدون أن يحتضنوه ويقبّلوه، والجميع يفعلون ذلك بالعيون” .
وفي أكثر من موضع يتحدّث عن تناول الجسد باليد، فيقول على سبيل المثال في خطابه الثاني إلى الموعوظين:
“فكّروا بما تمسكه يدكم ولا تدعوها تضرب أيًّا من إخوتكم؛ بما أنّها كُرِّمَت بعطيّة سامية، لا تجعلوها تتدنّس بإحداث ندوبٍ جارحة. أجل! فكّروا بما تمسكه، واحفظوها من كل طمع وسلب. وليس يدكم فقط من تمسك، بل فمكم أيضًا ينال عطايا السماء. فامنعوا لسانكم عن كل شتيمة وكلامٍ نابٍ وتجديف وقَسَم، وما إلى ذلك من الآثام. يا للإهانة عندما يتحوّل اللسان الذي يلمس الأسرار الرهيبة، اللسان المضمّخ بدم الله والذي أصبح أثمن من الذهب، يتحوّل إلى سيفٍ قاتل، وأداةٍ للشتائم والإهانات والسخرية! قدِّروا الكرامة التي أحاطه الله بها ولا تسمحوا بأن يصير خادمًا للخطية. ولاحظوا أنّه بعد اليد واللسان، ينال القلب الأسرار العظيمة…” (PG 49: 223)
والكلام نفسه يتكرّر في تفسيره لرسالة مار بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، لا سيّما في تعليقه على موضوع الإفخارستيا في الفصل 11:
“طهّرْ يدَكَ ولسانَك وشفاهَكَ التي هي المدخل لمجيء المسيح إليك” (تفسير رسالة كورنثوس، العظة 27، المقطع 5)

5- مار يعقوب السروجي (521+)
يستمرّ تقليد التناول باليد في القرنين الخامس والسادس، ولدينا أقوال واضحة عنه لدى مار يعقوب السروجي الذي يقارن بين الملائكة الذين لا يجسرون على التطلّع إلى الرب والبشر الذين يمسكونه بأيديهم:
“ܛܟ̈ܣܐ ܙܗ̈ܝܐ ܠܘܥܕܐ ܕܐܬܪܗ ܠܐ ܡܬܩܪܒܝܢ܆ ܘܒܢ̈ܝ ܥܦܪܐ ܗܐ ܫܩܝܠܝܢ ܠܗ ܥܠ ܐܝ̈ܕܝܗܘܢ.
ܗ̇ܘ ܥܙܝܙܐ ܕܐܢ ܚܳܐܰܪ ܒܗ ܒܥܠܡܐ ܝܳܩܶܕ܆ ܐܚܝܕܝܢ ܠܗ ܙܘܳܪ̈ܐ ܓܒܝ̈ܠܝ ܡܢ ܕܚܝܚܐ.
ܥܛܝ̈ܦܝ ܒܪ̈ܩܐ ܐܢ ܚܳܝܪܝܢ ܒܗ ܡܶܚܕܐ ܝܳܩܕܝܢ܆ ܘܰܡܛܰܦܝܢ ܠܗ ܒܢ̈ܝ ܕܚܝܚܐ ܥܠ ܐܦ̈ܝܗܘܢ.
ܘܐܠܘ ܐܝܬ ܗܘܐ ܚܣܳܡܐ ܒܥܝܪ̈ܐ ܐܘ ܒܣܪ̈ܦܐ܆ ܟܪ̈ܘܒܐ ܠܡܶܚܣܰܡ ܒܒܢܝ̈ܢܫܐ ܩܪ̈ܝܒܝܢ ܗܘܘ.
ܕܛܥܝܢܝܢ ܠܗ ܗ̇ܠܝܢ ܒܙܘܥܐ ܥܠ ܚܨ̈ܝܗܘܢ܆ ܘܠܒܝܟܝܢ ܠܗ ܗܠܝܢ ܒܚܘ̈ܦܢܐ ܥܠ ܐܝܕ̈ܝܗܘܢ.
105 المراتب الزهية لا تقترب من ميعاد مكانه، وهوذا أبناء التراب يحملونه بأيديهم.
106 ذاك العزيز الذي لو نظر إلى العالم لاحترق، تقبض عليه الحفنات المجبولة من الغبار.
107 لابسو البروق لو نظروا إليه لاحترقوا حالاً، وبنو التراب يلصقونه على أوجههم.
108 ولو كان يوجد حسد بي المستيقظين أو السارافيم، لكاد الكاروبيم أن يحسدوا البشر.
109 هؤلاء يحملونه بخوف على ظهورهم، وهؤلاء يمسكونه بالحفنات على أياديهم.” (الميمر 42، ص 219)
ويتابع مخاطبًا المقترب إلى التناول:
“ܓܳܣܶܐ ܦܘܡܟ ܬܶܛܪܐ ܣܰܪܝܐ ܕܟܠ ܒܝ̈ܫܬܐ܆ ܘܥܒܝܕ ܢܶܒܥܐ ܕܢܕܝܕܘܬܐ ܘܕܣܰܪܝܘܬܐ.
ܘܠܐ ܡܶܣܬܰܪܕܰܬ ܟܕ ܒܳܥܶܐ ܐܢܬ ܬܶܩܪܘܒ ܬܶܠܒܘܟ܆ ܠܐܪܳܙܐ ܕܡܙܝܥ ܠܫܡܝ̈ܢܐ ܐܢ ܚܳܝܪܝܢ ܒܗ܀”
115 يتقيّأ فمُكَ عكرَ كل الشرور النتن وقد جُعل منبع القبح والنتانة.
116 أفلا تخاف عندما تقترب وتمسك السر الذي يُرجف السماويين لو نظروا إليه؟” (الميمر 42، ص 220)

6- مار فيلكسينوس المنبجي (523+)
نجد في كتابات مار فيلكسينوس إشارات إلى هذه الممارسة الليترجية القديمة في تناول المؤمن القربان في راحتيه ومناجاته وإطباقه على عينيه وتقبيله قبل تناوله. نقرأ في رسالته العقيدية العامّة إلى الرهبان قوله عن الكلمة المتجسد:
“ܠܠܐ ܡܶܬܚܰܙܝܳܢܐ ܚܳܙܶܝܢ ܚܢܰܢ. ܠܠܐ ܡܶܬܓܰܫܫܳܢܳܐ ܓܳܫܺܝܢ ܚܢܢ ܠܠܐ ܡܶܬܰܐܟܠܳܢܳܐ ܐܳܟܠܺܝܢ ܚܢܰܢ. ܠܠܐܳ ܡܶܬܛܰܥܡܳܢܳܐ ܫܳܬܶܝܢ ܚܢܰܢ. ܠܐܰܚܺܝܕ ܟܽܠ ܥܦܝܩܝܢ ܐܢܚܢܢ. ܠܠܐ ܡܣܰܝܟܳܐ ܡܢܰܫܩܺܝܢ ܚܢܢ.
نحن نشاهد غير المنظور، ونلمس غير الملموس، ونأكل غير المأكول، ونشرب الذي لا يُذاق، ونحتضن الضابط الكلّ، ونقبّل غير المحدود” (“الرسالة العقيدية إلى الرهبان”، في الرسائل العقيدية ج1، ترجمة روجيه أخرس، ص 48)
وفي موضع آخر، يشير مار فيلكسينوس أيضًا إلى هذا التقليد الذي كان لا يزال شائعًا في زمانه على ما يبدو، فيقول: “ܗܐ ܓܶܝܪ ܛܥܺܝܢܰܬ ܥܰܠ ܐܺܝܕ̈ܰܝܟ ܓܡܽܘܪܬܐ ܕܐܪ̈ܳܙܶܐ܆ ܗܳܝ ܕܒܰܟܝܳܢܳܗ̇ ܠܰܚܡܳܐ ܗ̣ܝ ܫܚܺܝܡܐ. ܘܚܳܝܪܐ ܒܗ̇ ܗܰܝܡܳܢܽܘܬܐ ܦܰܓܪܶܗ ܕܺܝܚܺܝܕܳܝܐ܇ ها إنّك تحمل على يديك جمرةَ الأسرار التي هي، بطبيعتها، مجرّدُ خبزٍ بسيطٍ. أمّا الإيمانُ فيرى فيها جسدَ (الابن) الوحيد” (طريق الكمال، طبعة بادج، الميمر الثالث، ص 56).
وتجدر الإشارة إلى صلاة محفوظة في مخطوطة في المتحف البريطاني، منسوبة إلى مار فيلكسينوس، فيها ذكرٌ لهذه الممارسة التقوية:
“ܘܡܐ ܕܰܦܫܰܛܬ ܐܺܝܕ̈ܰܝܟ ܘܰܫܩܰܠܬ ܦܰܓܪܐ܆ ܐܶܬܓܗܰܢ ܘܣܺܝܡ ܐܺܝܕ̈ܰܝܟ ܠܽܘܩܒܰܠ ܐܰܦ̈ܰܝܟ ܘܰܣܓܽܘܕ ܠܦܰܓܪܐ ܚܰܝܐ ܕܰܐܚܺܝܕ ܐܰܢܬ. ܘܬܽܘܒ ܠܚܰܫ ܥܰܡܶܗ. ܘܟܰܕ ܡܶܬܬܢܺܝܚ ܚܝܳܪܳܟ ܠܘܳܬܶܗ ܐܶܡܰܪ ܠܶܗ:
ܠܳܟ ܛܥܺܝܢ ܐܢܐ ܐܰܠܳܗܐ ܚܰܝܳܐ ܕܰܡܓܰܫܰܡ ܒܠܰܚܡܐ. ܠܳܟ ܒܙܘܪ̈ܝ ܥܰܦܺܝܩ ܐܢܐ. ܡܳܪܶܐ ܥܳܠ̈ܡܶܐ ܕܠܐ ܐܳܚܶܕ ܠܶܗ ܥܳܠܡܐ. ܣܰܝܶܟܬ ܢܰܦܫܳܟ ܒܰܓܡܽܘܪܬܐ ܒܓܰܘ ܙܘܪܐ ܕܒܶܣܪܐ. ܐܰܢܬ ܡܳܪܝܐ ܕܒܙܘܳܪܳܟ ܐܰܟܺܝܠܬ ܥܰܦܪܳܗ̇ ܕܰܐܪܥܐ. ܩܰܕܺܝܫ ܐܰܢܬ ܐܰܠܳܗܐ ܕܰܡܓܰܫܰܡ ܒܺܐܝܕ̈ܰܝ. ܒܰܓܡܽܘܪܬܐ ܕܦܰܓܪܐ ܗܐ ܐܰܚܺܝܕ ܐܢܐ ܠܳܟ. ܟܰܕ ܠܰܝܬ ܕܰܐܚܺܝܕ ܠܳܟ. ܘܥܰܦܺܝܩܐ ܠܳܟ ܐܺܝܕܐ ܕܦܰܓܪܐ܆ ܠܳܟ ܡܳܪܶܐ ܟܝ̈ܳܢܶܐ ܕܥܰܦܶܩܬܶܗ ܟܰܪܣܐ ܕܒܶܣܪܐ. ܒܓܰܘ ܟܰܪܣܐ ܗܘܰܝܬ ܓܽܘܫܡܐ ܡܣܰܝܟܐ. ܘܗܳܫܐ ܒܓܰܘ ܐܺܝܕܐ ܗܐ ܡܶܬܚܙܶܝܬ ܠܺܝ ܦܶܬܬܐ ܙܥܽܘܪܬܐ. ܐܰܝܟ ܕܰܐܫܘܺܝܬܳܢܝ ܕܶܐܩܪܽܘܒ ܠܳܟ ܘܶܐܩܰܒܠܳܟ܆ ܘܗܐ ܥܰܦܺܝ̈ܩܳܢ ܐܺܝܕ̈ܰܝ ܒܓܠܐ. ܐܰܫܘܳܢܝ ܡܳܪܝ ܕܶܐܟܠܳܟ ܩܰܕܺܝܫܳܐܺܝܬ. ܘܶܐܛܥܰܡ ܒܡܶܐܟܽܘܠܬܶܗ ܕܦܰܓܪܳܟ ܛܥܳܡܬܐ ܕܚܰܝ̈ܰܝܟ.
وإذا بسطتَ يديك وأخذتَ الجسد، انحنِ وَضَعْ يديك على وجهك، واسجد للجسد الحي الذي تمسك، وتكلّمْ معه، وعندما يستقرّ نظرك عليه، قُلْ له:
أحملك أيّها الإله الحي المتجسّد في الخبز. أحضنك في راحتيّ يا إله العوالم، يا من لا يضبطه عالم. لقد حدّدتَ نفسك في جمرة في كفّ جسديّ، أنت السيد الذي يمسح بقبضته تراب الأرض. قدّوس أنت اللهمّ يا من تجسّدتَ في يديّ في جمرة الجسد … وكما أنّك أهّلتني للاقتراب منك وتناولك، ويداي تحتضنانك سرًّا، كذلك اجعلني أهلاً يا رب، أن آكلك بقداسة وأذوق طعام جسدك، طعمَ الحياة.” (London (British Museum), Add 17,125, f. 78r (IXe – Xe s.); Add 14,529, f. 16va-17rb (VIIe – VIIIe s))

7- مار يعقوب الرهاوي (+708)
لم تتوقّف عادة التناول باليد في الشرق بعد القرن السادس، بل أصبحتْ هناك طريقتان: التناول باليد أو بالفم مباشرة. نستشف ذلك من السؤال والجواب الثالث بين يوحنا العامودي ويعقوب الرهاوي:
“ܝܘܚܢܢ. ܡܪܓܢܝܬܐ ܕܦܓܪܐ ܩܕܝܫܐ. ܐܝܕܐ ܕܒܝܕ ܓܒܪܐ ܥܠܡܝܐ ܐܘ ܒܝܕ ܐܢܬܬܐ ܡܫܬܕܪܐ ܠܟܪܝܗܐ. ܐܝܟܢܐ ܙܳܕܩ ܠܗ ܕܢܣܒܝܗ̇ ܠܗ̇ܘ ܕܐܫܬܕܪܰܬ ܠܗ.
ܝܥܩܘܒ. ܗܐ ܡܢ ܟܕܘ ܐܡܝܪܐ ܗܘܬ ܠܝ ܐܦ ܒܕܘܟ ܐܚܪܝܢ ܘܠܘܬ ܐܚܪܢܐ. ܕܠܐ ܐܢ ܒܦܘܡܗ ܫܳܩܠ ܠܗ̇ ܠܡܪܓܢܝܬܐ ܘܠܘ ܒܐܝܕܗ. ܐܝܟܢܐ ܕܡܢ ܟܕܘ ܐܝܬ ܥܝܕܐ ܠܣܓܝ̈ܐܐ ܠܡܥܒܕ. ܐܝܩܪܐ ܝܬܝܪܐ ܦܳܠܓ ܠܗ ܠܩܘܪܒܢܐ ܒܝܕ ܗܕܐ. ܘܠܐ ܐܢ ܒܐܝܕܗ ܫܳܩܠ ܠܗ̇ ܠܡܪܓܢܝܬܐ ܘܣܳܐܡ ܠܗ̇ ܒܦܘܡܗ. ܫܝܛܘܬܐ ܒܝܕ ܗܕܐ ܥܳܒܕ ܠܗ̇. ܘܐܦ ܗ̇ܘ ܬܘܒ ܕܡܰܘܒܠ ܠܗ̇. ܐܢܗܘ ܕܗܕܐ ܐܠܨܐ. ܘܫܳܩܠ ܠܗ̇ ܒܐܝܕܗ ܘܣܳܐܶܡ ܠܗ̇ ܒܦܘܡܗ ܕܟܪܝܗܐ. ܘܠܘ ܡܢ ܗܕܐ ܗܠܝܢ ܕܟܗܢܘܬܐ ܡܬܚܙܶܐ ܕܰܣܥܰܪ.
يوحنا: جمرة الجسد المقدّس التي تُرسَل إلى المريض بواسطة رجل علماني أو امرأة، كيف ينبغي أن يتناولها من تُرسَل إليه؟
يعقوب: سبق لي الكلام عن ذلك في مكان آخر، إلى سائل آخر. لو أخذ الجمرة بفمه، وليس بيده كما يفعل الكثيرون على جري العادة، فذلك لا يعني أنّه يُكرم القربان إكرامًا أكبر. وإن أخذ الجمرة بيده ووضعها في فمه، فليس في ذلك إهانة لها. وكذلك الذي ينقلها، إذا أخذها في حال الضرورة ووضعها في فم المريض، فإنّ ذلك لا يعني أنّه يقوم بما هو خاصّ بالكهنوت.” (CSCO 367, p. 247)
يُفهم من كلام مار يعقوب الرهاوي أنّ العادة كانت المناولة باليد، وأن التناول بالفم هو أمرٌ جديدٌ ينظر إليه البعض كأنّه زيادة في الإكرام، وأنّ التناول باليد فيه قلّة احترام للقربان وتعدٍّ على دور الكاهن، وهو ما ينفيه مار يعقوب بكلّ وضوح.

جرجس أسقف العرب (724+) وموسى ابن كيفا (903+)
في تفسيره للقداس الإلهي، في القرن الثامن، يقول جرجس أسقف العرب ما يلي:
ܝܡܝܢܐ ܕܝܢ ܕܡܬܦܫܛܐ ܟܕ ܛܥܝܢܐ ܠܗ̇ ܣܡܠܐ ܠܘܬ ܡܣܒܐ ܕܪ̈ܐܙܐ܆ ܐܬܐ ܗܝ ܕܐܝܩܪܐ ܕܝܠܗ̇ ܕܡܘܗܒܬܐ ܕܡܬܝܗܒܐ܇ ܗ̇ܝ ܕܐܝܬܝܗ̇ ܪܗܒܘܢܐ ܕܚܝ̈ܐ ܠܐ ܡܝܘ̈ܬܐ
“أمّا اليد اليمنى التي تُبسط محمولةً من اليد اليسرى، لتناول الأسرار، فعلامة على كرامة الموهبة التي تُمنَح وهي عربون الحياة التي لا تموت” (تفسير القدّاس، طبعة كونولي، ص 11)
والكلام نفسه يُعيد نقله مار سويريوس ابن كيفا، في القرن التاسع، في تفسير القداس الإلهي (المرجع نفسه، ص 84) وهذا دليل أنّه في زمانه، كانت المناولة باليد لا تزال جاريةً ومقبولةً إلى حدّ ما.

يحيى ابن جرير التكريتي (1058-1104)
للتأكيد على استمرار عادة التناول باليد لدينا ما جاء في كتاب المرشد لأبي نصر يحيى ابن جرير التكريتي السرياني الأرثوذكسي الذي كتب في الفصل 54 من كتابه “المرشد” عن تعدّد طرق المناولة، في زمانه: “فأمّا من أخذ القربان بمعلقة فهذا على المثال الذي رآه أشعيا النبي من تناوله القربان بالكلبتين النارية. وأمّا من أخذه بيده فهذا على مثال ما أخذوه السليحين (الرسل) من يد المسيح بأيديهم. وأمّا من أخذه بفمه فلأجل إكرامه وجلالة قدره” (مجلة المشرق 50، 1956، ص 616).
من الواضح أنّه في القرن الحادي عشر، على الرغم من تعدد طرق التناول، يفضّل يحيى ابن جرير المناولة بالفم على المناولة باليد، بحجّة الإكرام، وهو تفكير رفضه مار يعقوب الرهاوي في القرن السابع. ولكنّه يُفسّر لنا امتناع ابن الصليبي عن ذكر طرق المناولة، باليد أم بالفم، في تفسيره للقدّاس الإلهي الذي يعتمد فيه بشكل كبير على تفسير موسى ابن كيفا.

غريغوريوس ابن العبري (1286+)
في كتاب القوانين الكنسية الذي وضعه العلاّمة ابن العبري، ووسمه الهدايات، استعاد الملفان ما كتبه مار يعقوب الرهاوي عن مناولة المريض، بواسطة علماني تقيّ، في غياب الكاهن، فيقول:
“ܘܟܪܝܗܐ ܕܡܫܬܘܬܦ ܐܢ ܨܳܒܐ ܒܦܘܡܗ ܢܩܒܠܝܘܗܝ܆ ܘܐܢ ܨܳܒܐ ܒܐܝܕܗ ܢܶܣܒܝܘܗܝ ܘܢܣܝܡܝܘܗܝ ܒܦܘܡܗ. ܘܐܢ ܠܐ ܡܨܐ ܗ̇ܘ ܕܡܘܒܠ ܒܐܝܕܗ ܢܐܚܕܝܘܗܝ ܘܢܫܰܘܬܦܝܘܗܝ܆ ܘܐܦܢ ܥܠܡܝܐ ܗ̄ܝ܆ ܒܕ ܠܰܘ ܡܛܠ ܗܕܐ ܗܳܠܝܢ ܕܟܗܢܘܬܐ ܣܳܥܐ ܠܡܣܥܪ. ܟܕ ܠܐ ܩܪܝܒ ܟܗܢܐ܆ ܘܫܟܝܚܝܢ ܐܪ̈ܙܐ܆ ܫܠܝܛܝܢ ܡܗܝ̈ܡܢܐ ܘܡܗܝ̈ܡܢܬܐ ܕܒܐܝ̈ܕܝܗܘܢ ܢܣܒܘܢ ܘܢܣܝܡܘܢ ܒܦܘܡܗܘܢ.”
“والمريض الذي يتناول، فلينله بفمه إن شاء، أو فليأخذه بيده ويضعه في فمه إن أراد. وإن لم يكن قادرًا، فالذي ينقله، ليمسكه بيده ويناوله، حتّى وإن كان علمانيًا، لأنّ ذلك لا يعني أنّه يتعدّى على خصوصية الكهنوت. وعندما لا يكون الكاهن حاضرًا بينما الأسرار موجودة، يُسمَح للمؤمنين والمؤمنات أن يأخذوه بأيديهم ويضعوه في فمهم” (الهدايات، 4، 4، طبعة هولندا، 1986، ص 27)
نفهم من اقتباس ابن العبري أنّه لم يكن يرى مانعًا من تناول المؤمن بيده. ولكن ما يهمّه بالأكثر هو التناول من الشكلين. فبحسب ابن العبري، ممنوع مناولة الجسد وحده بدون الدم. وهناك ثلاث طرق للمناولة:
1- يناول الكاهن الجسد، فيما الشماس يحمل الكأس ويُعطي للمؤمنين كي يشربوا.
2- يحمل الشماس الكأس ويقف عن يمين الكاهن، فيغمس الكاهن الجسد في الكأس ويناوله. وهذا ما يفعله المغاربة.
3- يغمس الجسد بأكمله في الدم قبل أن يقطعه ويقسمه، وهذا ما يفعله المشارقة.
وهوذا نصّه الحرفي:
“ܘܟܗܢܐ ܠܐ ܫܰܠܝܛ ܕܒܠܥܕ ܟܣܐ ܒܦܓܪܐ ܒܠܚܘܕ ܢܫܰܘܬܦ܆ ܐܠܐ ܐܢ ܡܨܝܐ܆ ܕܟܕ ܗܘ ܦܓܪܐ ܝܳܗܒ܆ ܡܫܡܫܢܐ ܟܳܣܐ ܢܰܫܩܐ. ܗܝ ܙܳܕܩܐ ܘܩܳܢܘܢܝܐ܆ ܒܕܰܐܟܘܠܘ ܡܶܢ ܦܓܪܝ܆ ܘܐܫܬܰܘ ܡܢ ܕܡܝ܆ ܐܶܡܪ ܡܪܝܐ. ܘܶܐܢ ܠܐ ܡܨܝܐ܆ ܠܦܓܪܐ ܢܶܛܡܘܫ ܟܳܗܢܐ ܒܟܣܐ ܕܛܥܝܢ ܡܫܡܫܢܐ ܥܠ ܝܡܝܢܗ ܘܢܫܰܘܬܦ܆ ܐܟܡܐ ܕܥܳܒܕܝܢ ܒܡܥܪܒܐ. ܘܐܢ ܐܦܠܐ ܗܕܐ ܡܨܝܐ܆ ܡܛܠ ܣܓܝܐܘܬܗ ܕܥܡܐ܆ ܠܛܒ̈ܥܐ ܡܢܩܕܡ ܕܢܦܪܫ ܡܪ̈ܓܢܝܬܐ܆ ܢܛܡܘܫ ܟܗܢܐ ܒܟܣܐ ܒܙܒܢ ܩܨܝܐ܆ ܘܟܢ ܢܫܰܘܬܦ܆ ܐܟܡܐ ܕܥܳܒܕܝܢ ܡܕܢܚܝ̈ܐ” (راجع المرجع نفسه، الهدايات 4: 5، ص 28)
لا يحدّد ابن العبري إن كانت المناولة تتمّ بالفم أم باليد، لكن الملفت أنّ التعدّدية في طرق المناولة ما زالت ممكنة كما كانت قبله، لأنّ ذلك تدبير كنسي لا يمسّ جوهر الإيمان بالسرّ.

الطقس الكنسيّ
في الطقس الكنسي كثيرٌ من الصلوات التي تُشير إلى عادة تناول المؤمنين باليد، نكتفي بثلاثة منها. نقرأ في إحدى حسايات القدّاس: “ܐܠܗܐ ܡܠܬܐ ܡܥܠܝܐ ܕܒܚܘܦܢܗ ܚܒܝܫܐ ܫܡܝܐ. ܘܡܫܬܩܠ ܒܚܘ̈ܦܢܐ ܕܐܪ̈ܥܢܝܐ ܠܚܘܣܝܐ أيّها الإلهُ الكلمة السّامي الماسِكُ السَّماءَ بقَبْضَتِه، ويَحْمِلُه للغُفرانِ الأرضِيّونَ في أكُفِّهِم” (خبز الحياة، 2002، ص 102) وفي حساية أخرى: “ܥܙܝܙ ܒܝܬ ܥܠܝ̈ܐ ܘܡܬܗܦܟ ܒܐܝ̈ܕܝ ܬܚ̈ܬܝܐ قويّ بين العلويّين ويُقلَّب على أيدي السفليّين” (خبز الحياة، 2002، ص 99)
وفي إحدى التراتيل الختامية التي يتلوها الشمامسة، وهي مقتبسة من ميامر السروجي، يُقال: “ܥܠ ܦܬܘܪܐ ܗܐ ܣܝܡ ܦܓܪܗ ܕܒܪ ܐܠܗܐ ܘܡܙܝܚܝܢ ܠܗ ܝܠܕ̈ܘܗܝ ܕܐܕܡ ܥܠ ܐܝ̈ܕܝܗܘܢ. فَهَا قَدْ وُضِعَ عَلى المائِدةِ جَسَدُ ابنِ اللهِ وَأَبْناءُ آدَمَ يُزَيِّحونَهُ عَلى أَيْديهِمْ ” (المرجع نفسه ص 390)
وفي التراتيل التي يختم بها الكاهن، يقول: “ܐܺܝܕ̈ܶܐ ܕܰܦܪ̈ܰܣܝ ܚܽܘ̣ܦܢ̈ܰܝܗܶܝܢ ܘܩܰܒ̈ܶܠܝ ܡܶܢܳܟ ܪܰܗܒܽܘܢܳܐ ܒܪܳܐ ܕܐܠܰܗܳܐ. ܠܐ ܢܶܬܩܰܦܣ̈ܳܢ ܒܶܝܬ ܕܺܝ̣ܢܳܐ. ܒܝܰܘܡܳܐ ܐ̱ܚܪܳܝܳܐ. ܡ̣ܶܢ ܥܽܘ̣ܙܳܐ ܕܫܰܠܗܶܒܺܝܬܳܐ ܗ̄ ܕܦܰܓܪܳܟ ܙܰܝܰܚ̈ܝ܀ لا تسمح يا ابن الله للأيادي التي بسطت راحاتها واقتبلتْ منك عربونًا، أن تنكمش من وهج اللهيب في الدينونة، في اليوم الأخير، لأنّها زيّحتْ جسدَك” (المرجع نفسه، ص 76)

خلاصة لاهوتيّة
أوّلاً: لقد رأينا تعدّدًا في ممارسة التناول عبر التاريخ، سواءٌ باليد أو بالفم، وفقًا لما كانت الكنيسة تراه موافقًا بحسب الظروف. هذا التعدّد دليلٌ على أنّ الطريقة المعتمدة هي تدبير كنسيّ وليست بندًا من بنود العقيدة التي لا تتبدّل. وقد انتقد مار يعقوب الرهاوي ما ذهب إليه البعض من أنّ المناولة بالفم تُكرم المسيح أكثر من اليد، وكأنّ الفم أقدس من اليد. وهذا مردود.
ثانيًا: الإيمان نورٌ، والعقل نورٌ، وكلاهما من نور الله الذي منحه للخليقة. ولا ينبغي أن يكون من تناقضٍ بينهما. فالمؤمن الأرثوذكسي هو المؤمن المتعقّل، وليس “المؤمن الأعمى” لأنّ الإيمان نور، ولا يوجد “إيمان أعمى”.
ثالثًا: بإلإيمان نقبل ونعترف أنّ الخبز يصير جسد المسيح، دون أن يفقد طبيعته وخصائص الخبز الطبيعية. فمار بولس لا يزال يسمّيه “خبزًا” حتّى بعد أن صار جسد المسيح، حيث يقول في رسالته إلى أهل كورنثوس: “الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح؟ فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد” (1كو 10/ 16-17).
بحسب طبيعته، وفي الحالة الطبيعية، يمكن للخبز أن يصبح معرّضًا لحمل فيروس إذا مسّه. تمامًا مثلما كان جسد يسوع المسيح معرّضًا للأمراض في حياته بل وللموت، مع أنّه كان الشافي لمرضى كثيرين والمانح الحياة للكلّ. فالعلم الاختباري والعقل يُثبتان إمكانية نقل الفيروس عن طريقة المناولة بالفم، في حالات الوباء. وهذا لا ينافي الإيمان بالقربان المقدّس.
رابعًا: اعتبار أنّ انتقال الفيروس بالمناولة بالفم غير ممكن إطلاقًا لا يندرج في خانة الإيمان، بل هو نوع من المراهنة على معجزة يجريها الرب ويحمي فيها المتناول من الإمكانية الطبيعية للعدوى، وبتعبير آخر هو تجربة للربّ. طبعًا، يمكن للمسيح أن يجري معجزة ويمنع المرض من الانتقال. ولكن المعجزة معلّقة بإرادة الرب، وليست حتميّة. ونحن لا ينبغي لنا أن نراهن عليها أو أن نطلبها، لأنّ ذلك من عمل المجرّب “ولا نجرّب المسيح كما جرّب أيضًا أناس منهم فأهلكتهم الحيات.” (1كو 10/ 9). والكتاب المقدّس يعلّم أنّ الرب كان يرفض دائمًا إجراء المعجزة عندما يرى فيها تجربة.
خامسًا: لم يَعِدِ السيد المسيح من يتناولوا جسده ودمه، بمناعة ضدّ الأمراض. بل الوعد الذي أعطاه هو ما تردّده الكنيسة عند المناولة “جسد المسيح لمغفرة الخطايا والحياة الأبدية”. أجل! إنّ جسد المسيح يهب المغفرة والحياة الأبدية، وليس المناعة للأمراض الجسدية. الذي يتناول جسد الرب ويتّحد به، يبقى في الجسد، تحت الآلام، معرّضًا للمرض والموت، ولكنّه ينال عربون عدم الفساد وعدم الموت.

في المحصّلة، من المحزن لنا أن يكون هذا الموضوع قد شكّل عثرةً للكثيرين وأن يُوضع في خانة الإيمان، في أنّه موضوع تدبيريّ في الكنيسة، لا يبدّل إيماننا بسرّ القربان أو بفاعليّته الخلاصيّة. من المحزن ذلك، لأنّ أبناء الكنيسة أظهروا أنفسهم وكأنّهم منقسمون حول القربان المقدّس الذي هو سرّ الوحدة الأكبر في الكنيسة. ليُنرْ الرب العقول ويليّن القلوب ويزرع فيها المحبّة والسلام، وليحمِنا أجمعين من كافّة الأمراض والأوبئة. له المجد إلى الأبد.