تابعونا على صفحاتنا

مقالات

يسوع لَم يقُم بواجبات إجتماعيّة وحسب، بل شارَك في إِحياءِ الفَرَحِ فيها إذ قدّسها!

تَقصَّدَ يوحنّا الرسول أن يتكلّم عن أولى آياتِ يسوع الّتي أحدثها في عُرسِ قانا الجليل. كانت هذه الآية الأُولى من الآياتِ السبعة الّتي أتى على ذكرها في إنجيلهِ. يوحنّا هو أصغرُ الإثني عشرَ رسولًا، وكان أوّل من تَبِعَ الرّبّ بعدما كان تلميذًا ليوحنّا المعمدان. تَعرّف على يسوع من خلال الكُتُب المُقدَّسة ومن خلال شهادة المعمدان على أنّهُ “حَمَلُ الله”، ومن خلال طلب مكوثه معهُ، لَكنّهُ أعلنَ عن إيمانهِ وإيمان الرسل الباقين أنّهُ “المَشيحا” على وقعِ آيةِ عُرسِ قانا.

لماذا كانت الآية الأولى ليسوع في عُرسٍ؟ لماذا قامت على تحويل مياه أجرانِ التنقية والتطهير إلى خمر، وهل لها إرتِباطٌ ما بهويّتهِ كحملٍ لله؟

لكي نفهم المعنى الذي يُريدُنا يوحنّا أن نعرِفَهُ علينا بالعودةِ معهُ إلى سفر الخروج. إلى مفهوم “الحمل الفصحي” وإلى الضربة الأولى التي أحدثها الله على يدِ عبدِهِ موسى، حيثُ حوَّل ماء نهرِ النّيل إلى دمٍ، ليفتَتِحَ من خلالها مشروع تحرير شعبه من قبضة فِرعون. في عُرسِ قانا نرى يسوع يُجري أوّلُ آيةٍ بتحويلِ الماء إلى خمرٍ، ليُقدِّمَ ذاتهُ بصورةٍ إستباقيّة عمّا سيصنعهُ في العشاءِ الأَخير ويُتمِّمَهُ على الصليب. مع يسوع نكتشف صورة العهد الجديد الذي يفتتحهُ ضمن تأسيس العائلة في إحتفال العُرس. يريدُ يسوع أن يَفتَتِحَ عهدهُ الجديد مع العائلة البشريّة ومع كنيستهِ من خلال الإحتفال الإفخارستيّ.

صحيحٌ أنّ يسوع شاركَ مع أُمّهِ وتلاميذه بعُرسِ أحدِ أَقاربِهِ من ناحيةِ أُمِّهِ مريم، ولَكِن لكونِهِ إبنُ الله “الكلمة المُتجّسد” وعلى وقعِ طَلَبِ أُمِّهِ منهُ أَصبحَت مُشاركتهُ ذاتَ غايةٍ روحيّة وهي إفتتاح ملكوتِه السماويّ على الأرضِ بينَ البشر، عن طريق تقديم الخمرة الطيّبة، والتي تُضفي الفرح والغبطة على الحدث. لو لم يَكُن يسوعُ حاضِرًا في العُرسِ لما اكتمل الفرح؛ حضوره وعملهُ الّذي أتمّهُ على الصليب يُؤدّي فينا إلى الإِتّحادِ بالآب السماوي.

لا يُمكِنُنا فصل وتجزِئة تحويل الماءِ إلى خمرٍ في عُرسِ قانا عمّا صنعهُ يسوع في عشائهِ الأخير، حيث قال: “خذوا اشربوا منه جميعكم، هذا هو دمي دم العهد الجديد، الذي يُراقُ من أجلِكُم ومن أجلِ الكثيرين لمغفرة الخطايا وللحياة الأبديّة”. إِنطِلاقًا من هُنا، يُخطِئ من يجعل من آيةِ عُرسِ قانا مُجرّد مُعجِزة خارقة، وكأنّها بمثابةِ سِحْرٍ قام بهِ يسوع. مُخطِئٌ أَيضًا كُلّ من يَفصِل هذهِ الآية عن إرتِباطِها الوثيق في تأسيس سرّ الإفخارستيّا وفي ذبيحةِ الصليب. يوحنّا الرسول نفسُهُ يعود ويقول في سفر الرؤيا: “طوبى للمدعوّين إلى وليمة عُرس الحَمَل”، فيَنقُلنا إلى بُعد المشاركة في الحياةِ الأبديّة.

تأكيدًا على إرتباط آيةِ عُرسِ قانا بتأسيس سرّ الإفخارستيّا، طلب يسوع من الخدم تعبئة الأجرار الستّة الخاصّة بطقوس العبادة والتطهير. فهو لم يَطلُب أن يأتوهُ بأيّ ماءٍ، ولكن تمامًا كما صنع في العشاء الأخير، أخذَ كامِل الرموز الطقسيّة والمعاني الروحيّة المُتّصلة بالحمل الفصحيّ، وقدّسها لِيكون لها المعنى الكامل والمُطلَق.

هكذا افتتح يسوع آياتهِ، وما زال يصنَعُها في كُلِّ قدّاسٍ إِلهيّ. إنطِلاقًا من هُنا، علينا أن نسألَ أنفُسنا كيف نستعدّ وكيف نُشارِكُ في القُدّاس؟ يسوع أخرجَ عُرسَ قانا من سياقهِ الروتينيّ العادي، كمُجرّد إحتفالٍ إجتماعيّ وإنسانيّ، ليجعلَ منهُ إحتِفالًا سماويًّا لا يشوبَهُ النّقص، فهل نحنُ نُشارِكُ في القدّاس ونحنُ مُدرِكون عطيّةَ اللهِ لنا؟ فلنَطلُب من يسوع أن يُحوِّل قلوبنا الّتي امتلأت ماءً عكِرًا بسببِ خطايانا، لتكونَ لهُ إناءً مُقدَّسًا بالتوبة الصادقة، فنستضيف حضورهُ فينا من خلالِ المُناولة المُقدَّسة. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!