مقالات

الطّفل يَسوع عَلامَةُ وَحدَة العائلة المـُقَدَّسَة!

تَحتَفِلُ الكَنيسَةُ الكاثوليكيَّة في الأَحَدِ الأَوَّل بَعدَ عيدِ الميلاد بِعيدِ العائِلَة المـُقَدَّسَة، وَبَهذا التَّوَجُّه اللّيتورجيّ تُعطي المَقامَ الأَوَّل لِلعائِلَة كَرَكيزَة أَساسِيَّة لِبِناءِ مُجتَمَعٍ صالِح في خِدمَةِ مَلَكوتِ الله. نَعَم في البَدءِ خَلَقَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ، وَفي البَدءِ خَلَقَ اللهُ الرَّجُلَ وَالمَرأَة لِيكونا جَسدًا واحِدًا أَيْ عائِلَة واحِدَة. نَعَم في البَدءِ كانَ اللهُ يَتَمَشّى في وَسَطِ الجَنَّة مَع آدَمَ وَحَوَّاء، لِيَكونَ رِباطَ الوَحدَةِ بَينَهُما، وَهَكَذا يَسوعُ بِتَجَسُّدِهِ كانَ رِباطَ الوَحدَةِ بَينَ مَريَم أُمِّهِ وَيوسُفَ والِدَهُ في التَّاريخ. نَعَم مُنذُ البَدءِ أُعطِيَ لِوَصِيَّةِ أَكرِم أَباكَ وَأُمَّكَ المـَكانَة الأُولى بَعدَ عِبادَةِ اللهِ وإِكرامِهِ، لِتَكونَ الثَّمَرَة الأُولى لِكُلِّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ وَيَخشاهُ بِالرُّوحِ وَالحَقّ. نَعَم ما زالَت الكَنيسَة الكاثوليكيَّة تُجاهِرُ عَلَنًا: لا عائِلَة مُقَدَّسَة مِنْ دونِ سِرّ الزَّواج المـُقَدَّس الَّذي يَجمَع الرَّجُل وَالمـَرأَة لِيَكونا واحِدًا. الكَنيسَةُ وَعلى رأسِها البابا فرنَسيس، لا وَلَم وَلَن تُشَرِّعَ لِأَيّ ارتِباطٍ إِنحِرافيّ “مُثليّ” أَو “سُحاقيّ” يُسَمّيهِ العالَم عَقدَ زَواج. تَبقى عائِلَةُ النَّاصِرَة الأَيقونَة الأَسمى وَالأَجمَل لِكُلّ عائِلَةٍ تُريدُ أَن تَحيا القَداسَة وَفقًا لِمَشيئَةِ الله.

لَقَدْ أَخبَرَنا الإِنجيليّ لوقا في بِشارَتِهِ عَنْ الإِطار التَّاريخيّ لِولادَة الرَّبَّ يَسوع، وَيُتابِع أَيضًا شَهادَتَهُ بِإِخبارِنا عَنْ الإِطار العائِليّ الَّذي تَرَعرَعَ فيهِ يَسوع “بِالنِّعمَةِ والحِكمَةِ وَالقامَة”. مِنْ خِلالِ الإِطار العائِليّ نَكتَشِفُ أَنَّ الهَدَفَ الأَوَّل الَّذي عَمِلا عَلَيهِ مَريَم وَيوسف مُنذُ اللَّحظَةِ الأُولى، كانَ إِعطاءَ الأَوَّلِيَّة للهِ وَتَقديمِ إِبنِهِما لِأَبيهِ السَّماويّ وَهُم شاكِرينَ لِكَونِهِ عَطِيَّتَهُ الثَّمينَة لَهُما وَلِكُلِّ البَشَرِيَّة. يُشَكِّلُ هذا الهَدَف حَجَر الزَّاوِيَة الأَساسيّ لِبناءِ عائِلَةٍ صالِحَة وَمُقَدَّسَة في عالَمٍ أَصبَحت فيهِ العائِلَة مُهَدَّدَة بِالإِنفِصالِ وَالإِنشِقاق. مَنْ يُعايِنُ خِبرَةَ العائِلات اليَوم بِشَكلٍ إِجماليّ لا مُطلَق، يَكتَشِفُ أَنَّ الأَوَّلِيَّة لَيسَت لِله، بَل هيَ لِأَمرَينِ في آنٍ واحِد: أَوَّلًا، أَن يَكونَ الطّفل لِلأَبِ أَو لِلِأُمّ بِشَكلٍ حَصريّ، لا لِلهِ وَلا لِكِلاهِما مَعًا. ثانِيًا، أَن يُؤَمَّن لِلطّفل كُلّ النَّشاطات المُسَلّيَّة لِئَلَّا يَتَكَلَّفا بِتَربِيَتِهِ الصّالِحَة الَّتي تَستَدعي تَضحِيَةً وَوَقتًا وَإِصغاءً وَحوارًا وَقَبولًا وَتَفَهُّمًا. لِلأَسَفِ الشَّديد أَصبَحَ طِفلُ اليَوم يُشبِهُ الآلَة، عَقلُهُ مُبَرمَج وَمَشاعِرَهُ تَعمَلُ مِثلَ الرَّدار سَعيًا وَراءَ تَلبِيَة حاجاتِ الجَسَدِ وَمُتَطَلَبِّاتِ المـُجتَمَع وَليسَ الحَياةَ بِمَعناها الوجوديّ العَميق.

عَلى عَتَبَةِ الهَيكَل سَمِعت عائِلَةُ النَّاصِرَة شَهادَتَينِ بِالطّفلِ يَسوع، شَهادَةُ سِمعانَ الشَّيخ وَحَنَّةُ النَّبِيَّة. هَكَذا هوَ الأَمرُ مَعَ كُلِّ عائِلَةٍ مُؤمِنَة تَأتي إِلى الكَنيسَة لِتَسمَعَ شَهادَةَ كَلِمَةَ اللهِ، فَتَعرِفَ حَقيقةَ هُوِيَّتَها وَدَعوَتَها إِلى القَدَاسَة. عاشَت عائِلَةُ النَّاصِرَة العادات الطَّقسيَّة التَّقليديَّة لِكُلِّ مُؤمِنٍ يَهوديّ، فيما كانَ بإِمكانِها أَن تَقولَ عِمَّانوئيلَ مَعَنا، فَلَيسَ لَدَينا أَيّ حاجَة لِنَمضي إِلى الهَيكَل وَنَقومَ بِشَعائِر وطُقوس لا فائِدَةَ مِنها، فَنَحنُ أَصلًا قَدْ اختَبَرنا وَعايَنَّا اللهَ مَعَنا. عَلى العَكسِ مِن ذَلِكَ بِتَوَجُّهِ العائِلَة المـُقَدَّسَة إِلى الهَيكَل وَاتِّباعِها للطّقوسِ اللّيتورجيَّة، جَعَلَت مِنْهُما مَنبَرًا لإِظهارِ حُضورَ اللهِ المـُتَجَسِّد في وَسَطِها. الكَنيسَةُ أُمُّنا هيَ دائِمًا في خِدمَتِنا لِنَكتَشِفَ أَكثَر هُوِيَّتَنا في يَسوع المـَسيح، وَإِن اختَبرناهُ عَلى المـُستَوى الشَّخصيّ تَأتي هيَ لِتُؤَكِّد وَتَشَهدَ على اختِبارِنا مِنْ خِلالِ خِبرَتِها وَإِرثِها المـُقَدَّس في التَّاريخ. لا نَستَطيعُ أَن نَختَبِرَ الرَّبَّ يَسوع وَأَن نَبقى خارِجَ كَنيسَتَهُ الَّتي أَرادَها لنا أُمًّا وَحِصنًا في هذا العالَم.

لَطالَما الإِنسانُ رَغِبَ أَن تَكونَ حَياتَهُ هَناءً وَراحَةً، خالِيَةً مِنَ العَزابِ وَالهُمومِ وَالتَّعبِ وَالمـَشاكِل، وَلَكِنْ الحَقيقَة الّتي نَعرِفُها على مُستَوى التَّاريخ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ تُرافِق مَسيرَتَنا الإِنسانِيَّة. مِنْ خِلالِ تَقدِمَةِ يَسوع لله في الهَيكَل، بَعدَ خِتانَتِهِ كَعَلامَةِ انتماءٍ لِشَعبِ الله، نَكتَشِفُ أَنَّهُ كَرَبٍّ دَخَلَ في صُلبِ مُعاناتِنا مُنذُ اللَّحظَةِ الأُولى لِتَجَسُّدِهِ، وَصارَ مَعنا لِيُحَرِّرَنا مِنْ سُلطَتِها عَلَينا وَإِن ما زالَت مَوجودَةً. مِنْ خِلالِ نُبُؤةِ سِمعان الشَّيخ المـُؤلِمَة لِمَريَم نَكتَشِفُ أَيضًا أَنَّ التَّعزِيَة الَّتي نَنالُها لَيسَت مِمّا نُعانيهِ أَو سَنُعانيهِ، بَلْ مِنْ أَجلِ مَنْ وَحُبًّا بِمَنْ نَقبَل المـُعاناة، إِنَّهُ يَسوع المـُخَلِّص النَّور الَّذي سَيَتَجَلَّى لِلوَثَنيّين وَهوَ مَجدُ إِسرائيل، إِنَّهُ الآيَة المـُعَرَّضَة للرَّفض الَّذي جُعِلَ لِسُقوطٍ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وَقِيامِ كَثيرٍ مِنْهُم.

نَحنُ اليَوم بِأَمَسِّ الحاجَة لِنُرَمِّمَ بُيوتَنا وَنُحَصِّنَ عائِلاتَنا لِتَكونَ مُقَدَّسَةً، لِذَلِكَ عَلَينا أَن نُعيدَ المـَكانَةَ الأُولى للرَّبّ، لِيَكونَ يَسوع هوَ رِباطُ الوَحدَة في عائِلاتِنا. عَلَينا أَن نُجَدِّدَ التِزامَنا كَأَشخاصٍ وَجَماعاتٍ وَعائِلاتٍ في عَيشِنا لإِيمانِنا المـَسيحيّ في كَنَفِ الكَنيسَة المـُقَدَّسَة. كُلُّ إِنسانٍ يَمرَض يُعَرَّض إِلى المـَوت إِنْ لَم يُعالَج، وَنَحنُ كَذَلِكَ عائِلاتُنا تَبقى مُهَدَّدَة بِالإنقِسام وَالإِنشِقاق إِنْ لَمْ تَتَّخِذ مِن عائِلَةِ النَّاصرَة مِثلًا لَها، وَإِنْ لَمْ تَجعَل مِنَ الكَنيسَة بَيتَها الَّذي يَحميها مِنْ روحِ الشرّير الَّذي يُلقي سُمومَهُ دائِمًا في العالَم.

نُصَلّي اليَومَ مِنْ أَجلِ كُلّ عائِلاتِنا، لِتَجِدَ فَرَحَ دَعوَتِها وَقداسَتَها بالمـَحَبَّة وَالأَمانَة، فَتَتَجَدَّد بِنِعمَةِ الرّوحِ القُدُس.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!