مقالات

كتاب “حزام الإيمان” الفصل السابع

إعصارٌ جديد

سنة 1997 كانت سنة الإعصار،  فأثناء وجودي في مخيم صيفي خاص بمركزنا وصلني الخبر بأن أبي تعرض لحادث عمل وهو موجود في المستشفى معلقٌ بين الحياة والموت.

في غرفة العناية الفائقة كان ممدداً تحيط به أجهزة المراقبة والأنابيب في حالة غيبوبة تامة، هو الذي لم اعرفه إلاّ رجلاً لم يرضخ ولم يرزح يوماً تحت ضغوطات الحياة، أذكره يحملني على اكتافه متحدّياً الأدراج حتى بعد أن صرت في العشرين. لم يترك مهنة الاّ واحترفها في سبيل تأمين حياة كريمة لعائلته: في وقت السلم امتهن صناعة الشوكولا وأصبح له اسماً معروفاً في الاسواق اللبنانية وفي اوقات الحرب تجوّل في المناطق اللبنانية وباع الثياب في سيارته، من الآت المنزل الكهربائية اخترع آلةً لصنع الأقنعة الخاصة بالحفلات التنكرية حفر قوالبها بنفسه. بنى منزلنا بيديه حجراً فوق حجر، طوّع الصخر ونحت منه لوحات مبدعة،  ولم يرضَ إلّا أن تكون محطته الأخيرة من فوق صليبٍ كان يبنيه فوقع واصطدم رأسه بالصخر. بعد اسبوع فارق أبي الحياة تاركاً فيَّ روح لا تقبل الانهزام.

وفاة والدي حتّم علي أخذ تدابير جديدة، فكل شيء تغيّر،  أمي أصبحت وحيدة في القرية، ورفيقتي في السكن عارضت فكرة أن تكون أمي معنا على الرغم من أن شقتنا لم تكن تخلو يوماً من اقاربها الذين يمضون لياليهم عندنا، فكان الحل الوحيد ان اترك لها الشقة وابحث عن مكان جديد اسكن فيه مع والدتي، وهذا ما حصل.

كانت هذه الخطوة محطة مهمة في حياتي، فقد منحتني الثقة بالنفس أكثر ودربتني على الاستقلالية بشكل كبير، فأمي في البداية لم تكن دائماً معي، فاضطررت ان اتعوّد على الاهتمام بشؤون المنزل من نظافة وترتيب وتحضير الطعام.

أما التحدي الأكبر فكان بمتابعة الدروس الخصوصية حيث أن “سميرة” كانت تعلّمهم معي دروسهم الفرنسية، والآن اصبحت وحدي ومعرفتي باللغة الفرنسية لا تكاد توازي ما يعرفه الأولاد في المدرسة الابتدائية، ولكن لم ادع أحداً يعلم ذلك، فتابعت تدريس الاولاد دون أن اصرّح بمعرفتي القليلة للفرنسية، واخفاء هذه المعلومة عن الأهل هي شيء لا افتخر به الآن، ولكن ما افتخر به بأن من علّمتهم كانوا ينالون علامات لا بأس بها، فلقد اعتمدت معهم طريقة السمع حيث كنت اطلب منهم قرآءة درسهم عدة مرات الى ان أتيقن بأنهم لا يتلعثمون في القراءة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!