مقالات

إنّها نهاية الأزمنة… والقصاص قريب!!

منذ بداية انتشار وباء الكورونا، وتعاقب الأزمات الحاليّة التي نعيشها في بلادنا، لا أنفكّ أسمع وأقرأ من أبناء الكنيسة من يناشدون بنهاية الأزمنة على الأبواب، وبأنّ الله سيضرب العالم بالنار، وصور أخرى غريبة عن الإله الحقيقي، تزرع الخوف في النفوس وتشوّه صورة الله الآب فيها!

أتذكّر جيّداً، منذ حوالي ثماني سنوات، عندما شاع خبر نهاية العالم سنة 2012، يومها كنت لا أزال طالباً اكليريكيًّا، توجّهنا لدى قدس الأب ساسين زيدان، أحد أعمدة جمعيّتنا (جمعيّة المرسلين اللّبنانيين الموارنة) والكنيسة المارونيّة عامّة، وسألناه: “أبونا ساسين شو قولك رح يخلص العالم؟”، فأجابنا: “هلق المسيح، إبن الله، تجسّد وإجا عالأرض وفدانا بدمّو كرمال بسّ ألفين سنة؟ هلقد دمّ المسيح مفعولو صغير؟ لا لا، مطولة، مطولة كثير”…

إنّ مسألة توقيت نهاية العالم أو نهاية الأزمنة ليست بجديدة! فهي رافقت الانسان منذ وجوده على الأرض، وهي مرتبطة بخوفه من الموت وفقدان الوجود.
حتّى تلاميذ المسيح سألوه عن الموضوع، فلنتذكّر كلامه جيّداً:“السماء والأرض تزولان، وكلامي لا يزول. فأمّا ذلك اليوم وتلك السّاعة، فما من أحد يعلمها، لا ملائكة السّموات ولا الإبن إلا الآب وحده” (متّى 24: 35-36).أمام التعاليم الخاطئة والإشاعات حول نهاية الأزمنة، علينا أن نحمي أنفسنا من الانجرار في تيّاراتها أوّلاً بقراءة كلام المسيح في الكتاب المقدّس.

هذا نتيجة الضعف في التثقيف اللاهوتي والكتابي لدى المؤمنين وإعطاء تفاسير خاطئة خاصّة لسفر الرؤيا وربطه بالأحداث الحالية، وعدم التعمّق بالمعنى المسيحي لنهاية الأزمنة.

لو اقتصرت نهاية الأزمنة على انتشار الأوبئة والأمراض، لكان العالم انتهى منذ زمن بعيد. لماذا لم تنتهِ الأزمنة عند انتشار الطاعون، أو الكوليرا، أو غيرها من الأمراض؟
لماذا لم تنتهِ الأزمنة في خضم مآسي الحروب العالميّة التي اندلعت، أو في الحروب التي مرّت على بلادنا، حيث انتشرت كلّ أنواع الموت والمرض والألم؟
لماذا لم تنتهِ الأزمنة يوم علّق الانسان ابن الله على الصليب… هل من شرّ أعظم من ذلك يمكن للانسان أن يقوم به؟

لا يمكننا فهم كلّ ذلك إلا من خلال الإيمان وربط موضوع نهاية الأزمنة بخلاص الله للبشريّة:
لا شيء، لا شيء عليه أن يزيل عن إيماننا وتفكيرنا المسيحي بأنّ الله هو إله الرحمة قبل كلّ شيء،
هو إله الحبّ وأنّ الحبّ هو اسمه وصفته وتدبيره،
وأنّه يريد خلاص الانسان قبل كلّ شيء، كلّ شيء يؤول إلى خير الانسان وخلاصه،
وأنّه نزل وتألّم ومات وقام من أجل أن يخلّص الانسان من الموت،
وأنّ الله ليس إله الموت بل إله الحياة،
وأنّه جعل كلّ شيء حسناً من أجل الانسان وخير الانسان،
وأنّه جاء لا ليدين العالم بل ليخلّص العالم (يوحنّا 12: 47).

نعم، إنّه زمن توبة!
لا أحد ينكر أنّ الأمور التي تدور حولنا توقظ ضمائرنا وتدعونا إلى التوبة. ولكن التوبة ليست عملاً نقوم به عند الخطر، إنّها دعوة يوميّة يعيشها المسيحيّ في علاقته مع الربّ.
نعم، علينا أن نتوب؛ أن نتوب عن خطايانا التي لا ننفكّ نرتكبها دون تأنيب للضمير؛ أن نتوب عن عبادتنا لأصنام موجودة فينا؛ أن نتوب عن دمارنا نحن للعالم وللطبيعة ولقوانينها، فكانت الكورونا والأمراض والحروب والآلام كلّها التي نحن سببها، خطيئتنا سببها، وليس الله يا أحبّاء!

الإنسان يقاصص نفسه وليس الله من ينزل به القصاصات!
علّنا ندرك القوّة الموجودة في جسد ودم المسيح التي نحصل عليها في المناولة المقدّسة، ونؤمن أنّ المسيح فدى العالم بدمه الثمين، فنتحرّر من الخوف تجاه نهاية الأزمنة، ويحضّر كلّ منّا نهاية أزمنته الخاصّة التي لا بدّ منها عند الموت، مزوّداً بالجسد والدمّ الأقدسَين، مستعدًّا كلّ يوم لملاقاة وجه الحبيب، وجه الله الرحوم.

أيّها الدمّ والماء اللذان تدفّقا من قلب يسوع كنبع رحمة لنا، إنّنا نثق بكما!