موقع Allah Mahabba أَيُعقَلُ أَن يولَد اللهُ في الجَسَد وَيوضَعَ في مِذوَدِ البَهائِم؟!
أَدَبِيَّاتُ الحَياةِ الإِجتِماعيَّةِ تُعطي مَكانَةً مُهِمَّةً لِكِبارِ المُؤَسِّسينَ وَالمُفَكِّرينَ وَالعُظَماءِ في شَتَّى المَجالاتِ الدِّينيَّةِ وَالمَدَنِيَّةِ وَالسِّياسِيَّةِ وَالإِجتِماعيَّةِ وَالفَنِّيَّةِ. نُلاحِظُ هذا الأَمرَ بِشَكلٍ واضِحٍ عَنْ طَريقِ وَسائِلِ التَّواصُلِ الإِجتِماعيِّ، إِذْ نَرى كُلَّ مَجموعَةٍ تَحتَفِلُ بِذِكرى ميلادِ مُؤَسِّسِها الَّتي تَنْتَمي إِلَيْهِ. الإِحتِفالُ بِذِكرى ميلادِ هَؤلاءِ العُظَماءِ يَعني الكَثيرَ لِأَتباعِهِم، إِذْ يَرَونَ بِوُجودِهِمْ في التَّاريخِ أَنَّهُمْ قَدْ شَكَّلوا تَحَوُّلًا، وَهوَ بِمَثابَةِ نِعمَةٍ وَإِلهامٍ كَبيرٍ، ولا بُدَّ مِنَ الشُّكرِ عَلَيها وَالتَّوَقُّفِ عِندَها. هَلْ يَنسَحِبُ هذا الأَمرُ عَلَينا نَحنُ أَيضًا كَمَسيحيِّينَ عِندَما نَحتَفِلُ بِعيدِ ميلادِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيح؟ هَلْ إِحتِفالُنا بِعيدِ الميلادِ هوَ مُجَرَّدُ ذِكرى لِحَدَثٍ حَصَلَ في التَّاريخ، أَمْ لَدَيهِ أَبعادٌ أُخرى أَكبَرُ وَأَوسَعُ وَأَعمَقُ مِن سِواها؟
صَحيحٌ أَنَّ الرَّبَّ يَسوعَ المَسيحَ يُعتَبَرُ أَشهَرَ شَخصِيَّةٍ تاريخيَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ على المُستَوى العامِّ وَالعالَمِ وَالتَّاريخ، يَكفي أَنَّهُ قَدْ قَسَمَ التَّاريخَ إِلى شَطرَينِ: قَبلَهُ وَبَعدَهُ، وَأَصبَحَ هوَ المِحوَرَ وَالمَركَزَ. صَحيحٌ أَنَّهُ شَخصِيَّةٌ جَدَلِيَّةٌ؛ بَعضُهُمْ يَرى فيهِ نَبِيًّا عَظيمًا، وَبَعضُهُم يَرى فيهِ مُصلِحًا وَفَيلَسوفًا وَمُفَكِّرًا كَبيرًا، وَبَعضُهُم يَرى فيهِ قائِدًا وَثائِرًا مُحَرِّرًا، وَنَحنُ كَمَسيحيِّينَ نُؤمِنُ أَنَّهُ المَسيحُ، إِبنُ اللهِ الحَيِّ. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، إِحتِفالُنا بِعيدِ الميلادِ قَدْ يَكونُ لِلبَعضِ إِحتفالًا بِذِكرى مُهِمَّةٍ، وَلَكِنَّهُ في جَوهَرِهِ أَصبَحَ حَدَثًا مُحَوِّلًا وَمُلهِمًا لِكُلِّ مَنْ يَحتَفِلُ بِهِ على مُستَوى الإِيمانِ وَالإِنتِماءِ لِلمَسيح.
لَيسَ عيدُ الميلادِ زينَةً لِلبُيوتِ وَالشَّوارِعِ وَالسّاحاتِ. لَيسَ عيدُ الميلادِ مُناسَبَةً سَنَوِيَّةً روتينيَّةً تَحَوَّلَتْ مِنْ بُعدِها الدِّينيِّ وَجوهَرِها الرُّوحيِّ إِلى مُناسَبَةٍ إِجتِماعِيَّةٍ فَرِحَةٍ تُحدِثُ حَرَكَةً في العَجَلَةِ الإِقتِصادِيَّةِ وَرَونَقًا مُمَيَّزًا لِلمَنحى السِّياحيِّ. لَيسَ عيدُ الميلادِ تَقليدًا مُتَّبَعًا لَهُ مُمَيِّزاتُهُ الخاصَّةُ على مُستَوى العائِلَةِ وَالأَفرادِ وَالمُجتَمَع؛ وَهذا ما أَصبَحَ عَلَيهِ، لِلأَسَفِ، على المُستَوى الخارِجيِّ. يَبقى عيدُ ميلادِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ هوَ الفاصِلَ وَالقاطِعَ النِّهائيَّ بَينَ ما قَبلَهُ وَما بَعدَهُ. فيهِ كُلُّ مِلءِ الوَحيِ الإِلَهيِّ، وَهوَ الحَدَثُ التَّاريخيُّ الَّذي يُحدِثُ تَحَوُّلًا روحِيًّا في المُؤمِنينَ، لأَنَّ مَنْ نَحتَفِلُ بِهِ لَيسَ مُجَرَّدَ إِنسانٍ مُميَّزٍ، بَلْ هوَ اللهُ المُتَجَسِّدُ، وَبِالتَّالي نَحنُ نَحتَفِلُ بِحُضورِ عِمَّانوئيلَ، أَيِ اللهِ الكَلِمَةِ الَّذي صارَ مَعَنا في الجَسَدِ. هذا الحُضورُ الَّذي كانَ مَنوطًا بِأَحداثٍ تاريخيَّةٍ نَتَذَكَّرُها اليَومَ مِنْ خِلالِ رُجوعِنا إِلَيها وَتَأَمُّلِنا في واقِعِيَّتِها الحِسِّيَّةِ وَالرُّوحيَّةِ، قَدْ تَمَدَّدَ مِنْ مَغارَةِ بَيتِ لَحمَ، وَتَوَسَّعَ كَثيرًا لِيَصِلَ إِلى كُلِّ مَكانٍ وَزَمانٍ وَظَرفٍ، لِيَبلُغَ إِلى كُلِّ إِنسانٍ.
الهَدَفُ مِنَ الإِحتِفالِ بِعيدِ الميلادِ لَيسَ تَذَكُّرَ الأَحداثِ الخارجيَّةِ لِوِلادَةِ المُخَلِّصِ، وَإِنْ كانَتْ تُساعِدُنا لِنَفهَمَ عَظَمةَ سِرِّ التَّجَسُّدِ، إِنَّما الهَدَفُ يَكمُنُ بِالفِعلِ وَالقيمَةِ الَّتي حَقَّقَها اللهُ في إِنسانِيَّتِنا. قَبلَ الميلادِ، مَفهومُنا لإِنسانِيَّتِنا كانَ يَحتَوي على فِكرَةٍ وَعَقيدَةٍ روحِيَّةٍ مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ، أَنَّ الإِنسانَ مَخلوقٌ على صورَةِ اللهِ وَمِثالِهِ، أَمَّا في التَّجَسُّدِ فما عادَ الأَمرُ فِكرَةً وَاعتِقادًا وَتَصَوُّرًا وَاجتِهادًا فِكرِيًّا، بَلْ حَقيقَةً فِعلِيَّةً. قَبلَ الميلادِ كانَ مَصيرُ الإِنسانِ وَسَبَبُ وَأَصلُ وُجودِهِ مَوضوعَ بَحثٍ مَفتوحٍ، أَمَّا بَعدَ الميلادِ فَأَصبَحَ واضِحًا، لَيسَ فَقَطِ انتِماءُ الإِنسانِ للهِ، بَلْ إِنتِماءُ اللهِ الكَلِمَةِ المُتَجَسِّدِ لِلإِنسانِيَّةِ.
إِذًا، في عيدِ الميلادِ نَحتَفِلُ بِأَصلِ كَرامَتِنا الإِنسانِيَّةِ، وَبِمَعنى وُجودِنا وَغايَتِنا القُصوى. قَبلَ الميلادِ كانَتْ عِبادَةُ الإِنسانِ للهِ تَحمِلُ طابِعَ الإِبهامِ وَاللُّغزِ وَالسَّعيِ وَالشَّوقِ، أَمَّا بَعدَ الميلادِ فَأَصبَحَتِ العِبادَةُ للهِ بِالرُّوحِ وَالحَقِّ وَالجَسَدِ، لِشَخصٍ عَرَفناهُ وَلَمَسناهُ وَرأَيناهُ، وَاسمُهُ يَسوعُ النَّاصِريُّ، إِبنُ مَريَمَ وَيوسُفَ النَّجَّارِ، المَولودُ في بَيتِ لَحمَ. في الميلادِ نُعلِنُ وَنَهتِفُ جَهرًا، وَتَسبيحًا وَحَمدًا، أَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ، مَحَبَّةٌ، مَحَبَّةٌ لا مُتَناهِيَةٌ، لا تَحُدُّها طَبيعَتُنا الضَّعيفَةُ، بَلْ تَحتَويها رُغمَ فَقرِها وَنَقصِها وَعَجزِها وَحِرمانِها وَبُؤسِها. في الميلادِ نَحتَفِلُ بِولادَةِ إِنسانِيَّتِنا في مَلَكوتِ اللهِ، لأَنَّ اللهَ صارَ إِنسانًا لِنَصيرَ آلِهَةً. في الميلادِ أَصبَحَ حُضورُ اللهِ الإِبنِ المُتَجَسِّدِ، الَّذي أَخَذَ كامِلَ طَبيعَتِنا الإِنسانِيَّةِ، هوَ الهَدَفَ وَالمَركَزَ، فَما عادَ باستِطاعَتِنا أَنْ نَنظُرَ إِلى إِنسانِيَّتِنا خارِجًا عَنْ حَقيقَةِ التَّجَسُّدِ. كُلُّ إِنسانٍ فينا يَعني اللهَ، وَاللهُ يَهُمُّ كُلَّ شَخصٍ وَفَردٍ مِنَّا.
لَقَدْ وُلِدَ يَسوعُ في بَيتِ لَحمَ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَكانٌ في المَضافَةِ، بَلْ وُضِعَ في مِذوَدٍ، وَلُفَّ بِالأَقمِطَةِ. وَلِأَنَّهُ عِمَّانوئيلُ — اللهُ المَحَبَّةُ مَعَنا — فَفيهِ وَبِهِ وَمَعَهُ عَرَفَتِ الأَرضُ مَجدَ السَّماءِ، وَبَلَغَ سَلامُهُ أَقصى الأَرضِ، وَأَصبَحَ رَجاؤُهُ حَياةً أَبَدِيَّةً، وَنَحنُ أَصبَحْنا بِميلادِهِ أَبناءً، فيهِ وَمَعَهُ، للهِ الآبِ، بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ. آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام





