موقع Allah Mahabba لَمْ يَرْتَكِضِ الجَنينُ وَحَسْبُ في أَحْشاءِ أَليصاباتَ، بَلِ العالَمُ كُلُّهُ!
فَوْرَ انْتِهاءِ إِعْلانِ المَلاكِ جِبْرائيلَ البِشارَةَ لِمَريَمَ، قامَتْ مُسْرِعَةً إِلى جِبالِ يَهُوذا. لَمْ يَكُنْ هذا الإِسْراعُ ناتِجًا عَنِ الشَّكِّ بِقَوْلِ المَلاكِ لَها، بَلْ مَحْمُولًا على الفَرَحِ وَالسَّلامِ اللَّذَيْنِ مَلَآ كِيانَها. نَرى مَريَمَ تُسابِقُ الزَّمانَ لِتَعيشَ فيهِ كُلَّ لَحْظَةٍ مِنْ حَياتِها طِبْقًا لِما قالَتْ: «فَلْيَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ». لَقَدْ أَدْرَكَتْ تَمامًا «أَنَّ الزَّمانَ يَتَقاصَرُ»، وَما عَلَيْها إِلَّا أَنْ تَمْلأَهُ في كُلِّ وَمْضَةٍ وَلَحْظَةٍ عَبْرَ تَتْمِيمِها لِمَشيئَةِ اللهِ. في الحَقيقَةِ، هذا ما يَنْقُصُنا في حَياتِنا الرُّوحِيَّةِ. العَلاقَةُ بِاللهِ لا تُؤَجَّلُ لِلْغَدِ، وَلا تُوضَعُ أَبَدًا في المَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَاللِّقاءُ بِهِ لَيْسَ إِعْدادًا لِلْغَدِ، وَالعَمَلُ بِمَشيئَتِهِ لَيْسَ فِعْلًا مُؤَجَّلًا، بَلْ يَعْني «هُنا وَالآن». إِنَّهُ يَعْني حَياتَنا على امْتِدادِها وَفي صَيْرورَتِها.
بَعْدَما سَمِعَتْ مَريَمُ بِشارَةَ المَلاكِ جِبْرائيلَ، وَبَعْدَما أَعْطاها عَلامَةَ حَمْلِ أَليصاباتَ الَّتي كَتَمَتْ سِرَّها عَنِ الجَميعِ، فَكُشِفَ لِمَريَمَ، أَصْبَحَتْ حَياةُ مَريَمَ فِعْلًا يُتَرْجِمُ مَشيئَةَ اللهِ، عَنْ طَريقِ كَلامِها وَحُضورِها وَخِدْمَتِها. هُنا نَرى مَريَمَ مُكَرَّسَةً بِكُلِّيَّتِها لِمَجْدِ الثَّالوثِ الأَقْدَسِ. صَحيحٌ أَنَّ المَلاكَ بَشَّرَها بِحَمْلِها الإِلَهيِّ وَبِهُوِيَّةِ المَوْلودِ مِنْها، وَلَكِنَّها لَمْ تُعِدَّ نَفْسَها لِوِلادَةِ المُخَلِّصِ عَنْ طَريقِ تَهْيِئَتِها لِلأُمورِ الخارِجِيَّةِ، وَلَمْ تَسْمَحْ لَها أَنْ تُلْهيَها عَنِ الهَدَفِ وَالجَوْهَرِ. لا، بَلْ أَصْبَحَ إِعْدادُها لِميلادِ يَسوعَ أَفْعالًا تُتَرْجِمُها بِسَلامِها وَكَلامِها وَخِدْمَتِها وَحُضورِها. لَمْ تُشْغِلْ بالَها كَيْفَ بِها أَنْ تُرْضيَ أَوْ تُقْنِعَ يُوسُفَ بِحَمْلِها الإِلَهيِّ، وَلا كَيْفَ عَلَيْها أَنْ تُسافِرَ وَمَتى إِلى بَيْتِ لَحْمَ لِتَلِدَ هُناكَ بِسَبَبِ أَمْرِ أُغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِإِحْصاءِ أَهْلِ المَعْمورَةِ. تُعَلِّمُنا مَريَمُ أَنْ يَبْقى شُغْلُنا الشّاغِلُ هُوَ اللِّقاءُ المُسْتَمِرُّ بِاللهِ، وَالعَمَلُ بِمَشيئَتِهِ، وَإِرْضاءُهُ وَحْدَهُ لا سِواهُ.
لَمْ تَدْخُلْ مَريَمُ بِمُفْرَدِها إِلى بَيْتِ نَسيبَتِها أَليصاباتَ، بَلْ قَدَّمَتْ مَنْ في أَحْشائِها أَوَّلًا، وَذلِكَ بِما عَلَيْهِ مِنْ سَلامٍ قَدِ اجْتاحَها وَمَلَأَها وَامْتَلَكَها، فَأَصْبَحَتْ هِيَ وَالسّاكِنُ في أَحْشائِها واحِدًا بِالسَّلامِ وَالحُضورِ وَالكَلامِ وَالخِدْمَةِ. لَمْ تَسْتَضِفْ أَليصاباتُ الصَّبِيَّةَ مَريَمَ وَحَسْبُ، بَلْ عَرَفَتْها كَأُمٍّ لِلَّهِ، وَلَمْ تَجِدْ نَفْسَها أَهْلًا لِاسْتِضافَتِها. مَعَ مَريَمَ نَكْتَشِفُ تَواضُعَ إِلهِنا العَظيمِ الَّذي يَأْتي إِلَيْنا، غَيْرَ مُنْتَظِرٍ ذَهابَنا إِلَيْهِ.
لَمْ يَكُنْ يَحِقُّ لِأَيِّ شَخْصٍ كانَ، وَلا حَتّى لِلْكَهَنَةِ، مِنْ دُخولِ قُدْسِ أَقْداسِ هَيْكَلِ أُورَشَليمَ، إِلَّا لِعَظيمِ الكَهَنَةِ وَحْدَهُ وَمَرَّةً واحِدَةً في السَّنَةِ. وَلَكِنْ مَعَ مَريَمَ الَّتي أَصْبَحَتْ بِمَثابَةِ «تابوتِ العَهْدِ الجَديدِ» وَأَوَّلِ بَيْتِ قُرْبانٍ مُتَنَقِّلٍ، سَمَحَ لِأَليصاباتَ وَيُوحَنَّا الجَنينِ أَنْ يَشْعُرا بِقُرْبِ الكَلِمَةِ المُتَجَسِّدِ، كَإِلهِ سَلامٍ وَفَرَحٍ وَمَحَبَّةٍ؛ إِنَّهُ إِلهُ الوَعْدِ وَالعَهْدِ المُنْتَظَرِ. في البِشارَةِ عَرَفَتْ مَريَمُ الخَوْفَ وَالِاضْطِرابَ بِناحِيَتِهِ الإِيجابِيَّةِ، وَهُنا نَرى أَليصاباتَ تَشْعُرُ بِحُضورِ مَريَمَ، وَعَنْ طَريقِ تَحَرُّكِ يُوحَنَّا في أَحْشائِها، بِهذَا الِاضْطِرابِ وَبِالرَّعْشَةِ وَالمَهابَةِ وَالهَيْبَةِ وَالقُشَعْريرَةِ. وَكَأَنَّنا نَرى يُوحَنَّا المَعْمَدانَ بِطَريقَةٍ رَمْزِيَّةٍ يُشيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلى حَمَلِ اللهِ السّاكِنِ في أَحْشاءِ العَذْراءِ. لَمْ يَكُنْ هذا الِاخْتِبارُ الرُّوحِيُّ مُجَرَّدَ حَرَكَةٍ مِنَ المَشاعِرِ أَوِ التَّواصُلِ الإِنْسانِيِّ العَميقِ، بَلْ أَبْعَدَ مِنْ ذلِكَ؛ أَصْبَحَ عَلامَةً وَرِسالَةً لِما سَيَحْدُثُ في سِياقِ التّاريخِ بِأَسْرِهِ.
لا يَسْري التّاريخُ بِلا بَوْصَلَةٍ وَلا هَدَفٍ، فَهُوَ لَيْسَ بِلا قِيادَةٍ وَلا مَعْنًى، بَلْ على العَكْسِ مِنْ ذلِكَ تَمامًا: فَالكَلِمَةُ الَّذي بِهِ كانَ كُلُّ شَيْءٍ، وَبِدونِهِ ما كانَ شَيْءٌ مِمَّا كانَ، باتَ هُنا وَالآنَ حَيًّا وَحاضِرًا وَفاعِلًا، يَقودُ العالَمَ إِلى الخَلاصِ وَفْقًا لِتَدبيرِهِ الأَزَلِيِّ. لَقَدْ سَقَطَتْ لَعْنَةُ حَوّاءَ إِلى الأَبَدِ، لِأَنَّ مَريَمَ المُبارَكَةَ بَيْنَ النِّساءِ أَعادَتِ الكَرامَةَ لِكُلِّ الجِنْسِ البَشَرِيِّ. لَقَدْ أُزيلَ طَعْمُ ثَمَرَةِ الخَطيئَةِ وَالمَوْتِ الَّتي تَناوَلَها آدَمُ وَحَوّاءُ، لِأَنَّ ثَمَرَةَ أَحْشاءِ مَريَمَ هِيَ الحَياةُ الأَبَدِيَّةُ في ذاتِهِ، فَكُلُّ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهُ لا يَعْرِفُ المَوْتَ أَبَدًا. هكَذا أَصْبَحَ ارْتِكاضُ الجَنينِ في أَحْشاءِ أَليصاباتَ أَوَّلَ عَلامَةٍ عَمَّا سَيَحْدُثُ في العالَمِ كُلِّهِ. لَقَدِ اخْتَرَقَ اللهُ عالَمَنا وَتاريخَنا وَإِنْسانِيَّتَنا، وَأَصْبَحَ مَعَ مَريَمَ في مَكانٍ وَزَمانٍ مُحَدَّدَيْنِ، وَبَعْدَها سَيَشْمَلُ العالَمَ بِأَسْرِهِ.
حُضورُهُ يُصْلِحُ خَلَلَ وُجودِنا، وَالَّذي يُحْدِثُهُ في حَياتِنا يُعيدُنا إِلى الجَوْهَرِ وَإِلى الأَصْلِ. في حُضورِ مَريَمَ العَذْراءِ، لَسْنا بِحاجَةٍ لِمَنْ يُخْبِرُنا عَنِ الرَّبِّ، فَمُجَرَّدُ الحُضورِ يُحْدِثُ فينا التَّحَوُّلَ المَطْلوبَ، وَيُشْعِرُنا بِقُرْبِ اللهِ مِنّا، وَبِمَحَبَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَسَلامِهِ الَّذي يَسْكُبُهُ عَلَيْنا. لَقَدِ اخْتَبَرَتْ أَليصاباتُ ثِمارَ ميلادِ المُخَلِّصِ قَبْلَ أَنْ تُعايِنَها، وَأَدْرَكَتْ عَظَمَةَ رَحْمَتِهِ الَّتي أَسْبَغَها عَلَيْها، إِذْ جَعَلَها حامِلًا بِمَنْ سَيُعِدُّ لَهُ الطَّريقَ. فَأَدْرَكَتْ وَأَعْلَنَتْ أَنَّهُ مَعَ مَريَمَ العَذْراءِ الحامِلَةِ بِالإِلَهِ المُتَجَسِّدِ، أَزالَ اللهُ عَنْها وَعَنِ العالَمِ بِأَسْرِهِ الخَطيئَةَ وَالعَارَ. آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام





