تابعونا على صفحاتنا

مقالات

سَهَرٌ يقومُ على اليقَظَةِ والتَّرَقُّبِ والإيمانِ!

في البَدءِ تَرَقَّبَ وبَحَثَ الإنسانُ عن وَجهِ اللهِ ورَغِبَ بِمَعرِفَتِهِ واللِّقاءِ بِهِ. وبَعدَما لَمَسَ حُضورَهُ في قَلبِ التَّاريخِ، انتَظَرَ وُعودَهُ بِالإيمانِ والرَّجاءِ وتَرَقَّبَ مَجيئَهُ وِفقًا لِما شَهِدَت عليهِ الكُتُبُ المُقَدَّسَةُ وما قالَهُ الأنبِياءُ. الجَميعُ انتَظَرَ مَجيءَ المَسيحِ، لِأنَّهُ مَتى أتى جَلَبَ النِّعمَةَ والخَلاصَ مُعطِيًا لِلحياةِ مَعناها الأقصى. وبَعدَما تَمَّ مِلءُ الزَّمَنِ وتَحَقَّقَتِ المَواعِيدُ في تَجَسُّدِ الكَلِمَةِ مُقيمًا عَهدًا جَديدًا، وها نَحنُ اليَومَ ما زِلنا نعيشُ الانتِظارَ نَفسَهُ ونَتَرَقَّبُ مَجيئَهُ الثّاني كما نُعلِنُ في قانونِ الإيمانِ.
يُعرَفُ زَمَنُ الإعدادِ والتَّهَيُّئَةِ لِعيدِ المِيلادِ بِزَمَنِ المَجيءِ الَّذي يقومُ على فَضيلَةِ الرَّجاءِ وأُولى أفعالِهِ الرُّوحِيَّةِ “السَّهَرِ” القائِمِ على الإيمانِ بِوُعودِ اللهِ وبِقُوَّةِ كَلِمَتِهِ الخَلاصِيَّةِ. عِندما نَتَأمَّلُ في الإنجيلِ المُقَدَّسِ نَجِد أنَّ يَسوعَ لَطالَما دَعانا وحَثَّنا لِنَسهَرَ ولِنَبقى مُتَيَقِّظينَ لِمَجيئِهِ. يُؤَكِّدُ لَنا الرَّبُّ يَسوعُ في تَعليمِهِ أنَّهُ لا يُمكِنُنا مَعرِفَةُ مَتَى تَكونُ السّاعَةُ، ولكِن بِإمكانِنا أن نَبقى في حالَةِ الاستِعدادِ واليَقَظَةِ والسَّهَرِ كما كانَ نُوحٌ في أيّامِهِ. فَهَل نَبني في حَياتِنا سَفينَةَ خَلاصِنا، أم نَغرَقُ يومًا بَعدَ يومٍ في مُستَنقَعِ ضَوضاءِ العالَمِ وهَيَجانِهِ المُستَعِرِ؟
كيفَ لَنا أن نَبقى ساهِرِينَ يَقِظِينَ، وكُلُّ شَيءٍ مِن حَولِنا يَدفعُنا لِنكونَ مادِّيّينَ وعَقليّينَ وتُرابِيّينَ، عِدا ما فينا مِن أهواءٍ ورَذائِلَ تَسدِلُ عَلَينا سِتارَ الظُّلمَةِ؟ لِكَي نُواجِهَ واقِعَنا هذا بِما هو عليهِ، عَلَينا أن نَعودَ إلى واقِعِ حياةِ الرَّبِّ يَسوعَ لِنَتَعَلَّمَ مِنهُ السَّهَرَ، فَنَنتَصِرَ على كُلِّ المَعوِّقاتِ والتَّجارِب الَّتي تُحيطُ بِنَا.
مِنَ الحِكمَةِ أن نَتَعَلَّمَ أنَّ حَياتَنا بِأحداثِها لَيسَت مُسَطَّحَةً، وهذا يَعني أنَّها لَيسَت حالَةً مِن الرُّوتينِ، بَل في حَركَةِ صَيرورَتِها تَقومُ على عُنصُرِ المُفاجَأَةِ. وهذا الأمرُ في حَدِّ ذاتِهِ وإن كانَ يَحُثُّنا على الاستِكشافِ، فَهُو يَدفعُنا أوّلًا إلى الانتِباهِ وإلى اليَقَظَةِ. في أيّامِ نُوحٍ لَم يَكُن أحَدٌ يَتَوَقَّعُ حُدوثَ الطُّوفانِ، تَمامًا مِثلَما حَدَثَ مُنذُ أيّامٍ قَليلَةٍ في أثيوبيا؛ فَلَم يَكُن أحَدٌ يَعلَمُ أو يَتَوَقَّعُ أنَّ بُركانًا قد يَنفَجِرُ بَعدَ اثنَتَي عَشرَةَ الف سَنَةً مِنَ الرُّقادِ. وَحدَهُ كانَ نُوحٌ يَعلَمُ لِأنَّ قَلبَهُ كانَ للهِ. في أيّامِ هيرودوسَ الكَبيرِ، لَم يَكُن أحَدٌ مُدرِكًا أنَّ الزَّمانَ قدِ اكتَمَلَ وأنَّ مَجيءَ الرَّبِّ باتَ قَريبًا؛ وَحدَها مَريمُ عَلِمَت، وبعدَها يُوسُفُ، كما زَكَرِيّا وألِيصاباتُ، لِأنَّهُم كانوا حَقًّا أبرارًا وكانوا يَتَلَهَّفونَ حُبًّا وشَوقًا لِمَجيءِ المَسيحِ المُخَلِّصِ.
لِكَي نُدرِكَ مَجيءَ الرَّبِّ وَلِكَي نَكونَ حَقًّا مُستَعِدّينَ ويَقِظِينَ وساهِرِينَ، عَلَينا أن نَسألَ أنفُسَنا إن كُنّا نُؤمِنُ حَقًّا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، وبِأنَّهُ حَيٌّ وفَاعِلٌ وحاضِرٌ حَقًّا في حَياتِنا وتَاريخِنا. عَلَينا أن نَسألَ أنفُسَنا إذا كانَ لَدَينا الرَّغبَةُ الصّادِقَةُ بِمَعرِفَتِهِ والاستِعدادُ المُستَقِيمُ لاتِّباعِهِ. مِثالُ القُدّيسينَ يُعَلِّمُنا ما مَعنى السَّهَرِ واليَقَظَةِ والاستِعدادِ، والهِدفُ مِنها جميعًا. مِن هُنا عَلَينا أن نَعلَمَ أيضًا ما هي الأمورُ المُناقِضَةُ لِلسَّهَرِ ولليَقَظَةِ وللاستِعدادِ، وهي العيشُ في الضّياعِ عَبرَ مُلازَمَةِ الأهواءِ وصُنعِ الشَّرِّ والمُثابَرَةِ على فِعلِ الخَطايا. رُبَّ قائِلٍ يَسألُ: مَن قالَ إنَّ الرَّذائِلَ والخَطايا نَقيضٌ لِلسَّهَرِ واليَقَظَةِ؟ إنَّ الِاختِبارَ الإنسانيَّ والنَّفسِيَّ يُؤَكِّدانِ على ذلك قبلَ الرُّوحِيِّ، لِأنَّهُما وَسائِلُ هُروبٍ مِن مُواجَهَةِ الذاتِ الحَقيقيَّةِ والواقِعِ، ومُخالِفانِ لِهُوِيَّةِ الإنسانِ المَدعوِّ إلى صُنعِ الخَيرِ. وعليهِ نَفهَمُ ما مَعنى خُلِقنا على صُورَةِ اللهِ كَمِثالِهِ.
مِن مُميِّزاتِ تَعليمِ الرَّبِّ يَسوعَ حولَ مَجيءِ ابنِ الإنسانِ أنَّهُ لَم يَتَناوَلهُ دائمًا كحَدَثٍ جَماعيٍّ، بَل شَخصِيٍّ يَعني كُلَّ إنسانٍ. فمِن هُنا على كُلِّ إنسانٍ أن يَكونَ مُستَعِدًّا بِمِلءِ حُرِّيَّتِهِ لِمُلاقاةِ المَسيحِ، وألّا يَربِطَ استِعدادَهُ بِما تَفعَلُهُ الأغلَبِيَّةُ. لا أحَدَ مِنّا يَعلَمُ مَتَى يَموتُ ولا حتّى كيفَ وأينَ يَموتُ، ولكِن نَعلَمُ أنَّنا يومًا ما سَنَموتُ. صَحيحٌ أنَّنا نَعلَمُ أنَّنا سَنَموتُ، ولكِن قِلَّةً مِنّا مُدرِكَةً ومُتَيَقِّظَةً لِهذِهِ الحَقيقَةِ، والقِلَّةُ القَليلَةُ جِدًّا المُستَعِدَّةُ لِمُواجَهَةِ المَوتِ.
نَصِلُ لِنَقولَ إنَّ السَّهَرَ الَّذي يقومُ على شَوقِ الاِنتِظارِ لِمَجيءِ الرَّبِّ المُخَلِّصِ، يَعني أن نكونَ مُؤمِنِينَ ومُتيقِّظِينَ ومُدرِكِينَ لِلحَقيقَةِ الَّتي سَنُواجِهُها، وبِالتَّالي عَلينا ألّا نَغرَقَ في النُّعاسِ والنَّومِ، أي في اتِّباعِ أهوائِنَا وخَطايانَا ورَذائِلِنَا، بَل أن نُواجِهَها بِرُوحِ التَّوبَةِ وبِنِعمَةِ الإيمانِ والرَّجاءِ الَّذَينِ يَتَطَلَّعانِ دائِمًا إلى رَحمَةِ اللهِ ومَحبَّتِهِ ويَتَوقانِ إلَيهِما، لا قَولًا، بَل صَلاةً وتَوبَةً واستِعدادًا. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام