تابعونا على صفحاتنا

مقالات

مِنَ الجُمَّيزَة إِلى البَيت مَسيرَةُ تَوبَةٍ بِرِفقَةِ يَسوع!

لَمْ يَكُنْ الكَلامُ وَالحَديثُ عَنْ يَسوع مُجَرَّدَ خَبَرٍ يَوميٍّ عابِر مِثلَما نَرى وَنَسمَع في الجَرائِدِ وَعلى شاشاتِ التلفَزَة وَمِن خِلالِ وَسائِل التواصُل الإِجتِماعيّ، بَلْ كانَ كَلامًا يُثيرُ الإِهتِمام وَيُحَرِّك المـَشاعِر، وَيَجعَل النَّاس تَتَساءَل إِن كانَ هوَ المـَسيحُ المـُنتَظَر أَو أَحَدَ الأَنبِياء. كُلُّ مَنْ سَمِعَ عَنْهُ وَكانَ لَدَيهِ الإِمكانِيَّة اللِّقاءَ بِهِ كانَ يُجهِد نَفسَهُ وَيُسرِعْ لِكَيْ يَراه. مِنْ هُنا نَفهَمْ لِماذا كانَتْ الجُموعُ تَزحَمُهُ بِكَثافَةٍ وَبِخاصَّةٍ عِندَما كانَ صاعِدًا لِآخِرِ مَرَّةٍ إِلى أُورَشَليم. كانَتْ جُموعٌ غَفيرَة تَصحَبُهُ مِنَ الجَليلِ، عُبورًا بالسَّامِرَة وَأَريحا المـَدينَةُ القَديمَة وصولًا إِلى بيتَ عَنيا وَمِن ثَمَّ إِلى أُورَشَليم.
زَكَّا العَشَّار كانَ إِحدى الشَّخصِيَّاتِ المـَعروفَةِ في مَدينَةِ أَريحا، وَهوَ أَيضًا قَدْ سَمِعَ بِيَسوع، وَلَمْ يَشَأ أَن تَفوتَهُ فُرصَةَ اللِّقاء بِهِ. زَكَّا مَعروفٌ عَنْهُ أَنَّهُ رَئيسٌ للعَشَّارين، وَهوَ رَجُلٌ غَنيٌّ لَكِنَّهُ قَصيرَ القامَة. عَلى الرُّغمِ مِنْ نُفوذِهِ لَدى الرومانِيّين، فَهوَ بِالنِّسبَةِ لِشَعبِهِ فَهوَ عَميلٌ وَخائِنٌ، وَقِصرَ قامَتِهِ جَعَلَهُ عَرَّضَهُ للتَّنَمُّرِ وَللرَّفضِ. لَمْ يَكُنْ زَكَّا مُتَصالِحًا مَعْ ذاتِهِ، فَمالُهُ وَغِناهُ أَصبَحوا عِبئًا عَلَيهِ، لِأَنَّهُ يَعلَم في عُمقِ وجدانِهِ أَنَّهُ خائِنٌ لِشَعبِه. لَمْ يَكُنْ زَكَّا مُتَصالِحًا مَعَ مُجتَمَعِهِ، لِأَنَّهُ مَجروحٌ مِنْهُ بِسَبَبِ التَّنَمُّرِ اللَّاحِقِ بِهِ. لَمْ يَكُنْ زَكَّا مُتَصالِحًا مَعَ ذاتِهِ لِأَنَّهُ قَصيرُ القامَة، في مُجتَمَعٍ يُقَيِّمُ الإِنسانَ عَلى شَكلِهِ وَقامَتِهِ الخارِجيَّة. زَكَّا سَجينُ عِقدَةُ نَقصِه، الَّتي قَدْ يَكونُ لَها الدَّورَ الأَساس في سَعيِهِ لِيَكونَ غَنِيًّا وَإِن بِطَريقَةٍ مُلتَوِيَّة جَعَلَتْهُ يُصبِح رَئيسًا لِلعَشَّارين. رُغمَ ذَلِكَ لَمْ يَستَطِع الهُروبَ مِنْ مُواجَهَةِ ذاتِهِ.
زَكَّا الَّذي يَخجَلُ بِذاتِهِ، وَالَّذي يَعرِف تَمامًا رَفضَ النَّاسِ لَهُ، ظَنَّ أَنَّ يَسوعَ أَيضًا لَنْ يَقبَلَ أَن يَلتَقي بِهِ، فَحاوَلَ أن يَجِدَ وَسيلَةً لِكَيْ يَراهُ بِطَريقَةٍ تَحفَظَ خَجَلَهُ وَتُغَطِّي عُريَهُ وَتُحَصِّن ضِعفَهُ، وَفي الوَقتِ نَفسِه تَسْمَح لَهُ أَن يَرى يَسوع، فَوَجَدَ الجُمَّيزَةَ بِكَثافَةِ أَوراقِها هيَ الوَسيلَة الأَفضَل أَمامَ زَحمَةِ الجُموع وَحالَتِهِ الإِجتِماعِيَّة، فاختارَ الصُّعودَ إِلَيها. مِن دونِ إِدراكٍ مِنْهُ سَمَحَتْ شَجَرَةُ الجُمَّيزَة لِزَكَّا أَن يَرى مَشهَدَ حَياتِهِ مِنْ زاوِيَةٍ جَديَدة وَمُختَلِفَة. سَمَحَتْ لَهُ أَن يَرى يَسوع في وَسَطِ الجُموع، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَوَّقَع أَنَّ يَسوع سَيَلتَفِت إِلَيهِ هوَ المـُختَبِئ كَآدَمَ وَراءَ أَوراقِ الشَّجَرَةِ بِخَوفٍ وَخَجَلٍ وَصَمْت. كانَ زَكَّا بِحاجَةٍ ماسَّة لِيَصعَدَ إِلى الجُمَّيزَة لِكَيْ يَخلُقَ مَسافَةً بَينَهُ وَبَينَ تاريخِهِ وَواقِعِهِ وَمُجتَمِعِه. في وَسَطِ فَراغِ هَذِهِ المـَسافَة تَمَّ اللِّقاءُ بِمَنْ هوَ المِلء، تَمَّ اللِّقاءُ بِيَسوع. رُغمَ زَحمَةِ النَّاسِ وَضَجيجِهِمْ سَمِعَ يَسوع يُناديهِ باسمِهِ: “يا زَكَّا، إِنزِل عَلى عَجَلٍ، يَجِبُ عَلَيَّ اليَومَ أَن أُقيمَ في بَيتِكَ”.
ميزَةُ اللِّقاء بِيَسوع أَنَّهُ يُفاجِئُنا تَمامًا وَيُدهِشُنا، لا بَلْ يُحَرِّرُنا مِنْ عِقَدِنا النَّفسِيَّة وَمَخاوِفَنا الباطِنِيَّة وأَحكامنا المـُسبَقَة، وَيَشفي روحَنا، فَنَحيا. نَظرَةُ يَسوع في عَينَيْ زَكَّا جَعَلَتْهُ يَكتَشِف الحُبَّ الإِلَهيّ، وَجَعَلَتْهُ يَخرُجُ مِنْ مَوتِهِ الدَّاخِلي. كَلِمَةُ يَسوع أَحْيَتْ زَكَّا، فَيَسوع يُريدُ أَن يَلتَقي بِهِ حَيثُ يَعيش بِكُلّ ما يَحمِل مِنْ عاداتٍ وَتاريخ. فَهوَ لَمْ يَفصِلْهُ عَنْ تاريخِهِ وَعَنْ أَعمالِهِ، بَل أَظهَرَ لَهُ مَحَبَّتَهُ فاكتَشَفَ حَقيقَةَ ذاتِهِ، والزَّيفَ الَّذي كانَ مَسجونًا فيه. كَلِمَةُ يَسوع المـُوَجَّهَة لِزَكَّا، سَلَّطَتِ الأَضواءَ عَلَيهِ، فَفي اللَّحظَةِ الَّتي ظَهَرَ تَنَمُّرَ الجُموعِ على زَكَّا أَظهَرَ يَسوعُ رَحمَتَهُ تُجاهَهُ، أَنَّ هَذا الرَّجُلِ الخاطِئ ذاتُ القامَةِ القَصيرَة، المـَنبوذ، بِالنِّسبَةِ لِيَسوع ذاتُ شَأنٍ لا لِأَعمالِه، وَيَستَحِقُّ أَن يَنالَ الرَّحمَةَ وَالخَلاص.
لَقَدْ جَعَلَ الرَّبَّ يَسوع مِنْ حَيثِيَّةِ هذا الحَدَثْ تَعليمًا روحِيًّا نَتَعَلَّم مِنْ خِلالِهِ مَعنى اللِّقاءَ بِمَحَبَّةِ اللهِ، وثِمارَ الحُرِّيَّة الرُّوحِيَّة الَّتي تُصالِح الإِنسانَ مَعَ ذاتِهِ وَمَعَ تاريخِهِ وَمُجتَمِعهِ بِفَضَلِ المُصالَحَة مَعَ الله. لَقَدْ سارا يَسوعُ وَزَكّا مَعًا مِنَ الجُمَّيزَةِ إِلى البَيت في وَسَطِ الجُموعِ الحاضِرَة. كُلُّ الأَنظارِ مُوجَّهَة عَلى هَذَينِ الرَّجُلَين أَحَدُهُمْا عُرِفَ بِرَئيسِ العَشَّارين وَهوَ إِنسانٌ خاطِئ، وَالآخَر يَحمِلُ في شَخصِهِ سِماتَ المـَسيحِ المـُنتَظَر وَالكُلُّ يَهابَهُ. لَقَدْ مَشى يَسوع بِرِفقَةِ زَكَّا، تَمامًا مِثلَما يُريدُ وَيرغَبُ أَن يَمشي مَعَنا في وَسَطِ حَياتِنا وَتاريخِنا مَهما حَمِلَ مِنْ جِراحٍ وَآلام، لِنَستَطيعَ مواجَهَةَ كُلَّ تَنَمُّرِ العالَم وَكُلَّ الضّوضاءِ اللَّاواعيّ الَّذي يَضُجُّ فينا: نَقصًا وَرَفضًا وَخَوفًا وذَنبًا.
لَمْ يَخجَل يَسوع مِنَ الدُّخولِ إِلى بَيتِ زَكَّا، وَلَمْ يَخَف أَن يُشَكِّكَ النَّاسَ بِرِسالَتِه، لِأَنَّهُ ما جاءَ مِن أَجلِ الأَصِحَّاءِ بَل المـَرضى، وما جاءَ مِنْ أَجلِ الأَبرارِ بَل الخَطَأَة، وما جاءَ لِيُخدَم بَلْ لِيَخدُم. فَمَهما كُبَرَتْ وَكَثُرَتْ خَطايانا، فَيَسوع جاءَ مِنْ أَجلِنا، وَحَيثُ نَحنُ يَأتي إِلَينا، تَمامًا مِثلَما فَعَلَ مَعَ زَكَّا، يُريدُ أَن يَفعَلَ مَعَنا. يُريدُنا أَن نَسيرَ مَعَهُ مِنَ الجُمَّيزَةِ إِلى أَعماقِ بُيوتِنا. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا تُصبِحُ الجُمَّيزَةَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا المـَكانَ بَل الحالَة الَّتي مِنْ خِلالِها نَخلُق مَسافَةً لِعَمَلِ الرُّوحِ القُدُسِ فينا، وَالَّتي مِنْ خِلالِها نَنْظُر إِلى حَياتِنا انطِلاقًا مِنْ حُضورِ يَسوع في وَسَطِها، حَيثُ نَستَطيع أَن نُعايِنَ نَظرَتَهُ لَنا، وَنَسمَع صَوتَهُ في داخِلِنا، فَيُعيدُنا إِلى الطُّرُقِ الَّتي نَسلُكُها يَومِيًّا وَإِلى الأَماكِن الَّتي نَعيشُ فيها، وَإِلى الأَشخاصِ الَّذينَ نَلتَقيهِم، وَلَكِنْ بِأُسلوبٍ آخَر، فَنَخرُجَ مِنَ رَذائِلِنا كَما خَرَجَ زَكَّا مِنْ رَذيلَةِ الطَّمَعِ وَالبُخلِ، لِيُصبِحَ كَريمًا وَسَخِيًّا في العَطاءِ عَلى مِثالِ مَنْ أَكرَمَهُ بِالرَّحمَةِ وَالمـَحَبَّة. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام