تابعونا على صفحاتنا

مقالات

دَرسٌ آخَر مِن دروسِ يَسوع في الصّلاة!

كُلُّنا نَرغَبْ أَن نَبني عَلاقَة حَقيقيّة وَثابِتَة وَمَتينَة مَع الرَّبّ، وَلَكِنْ إِختِبارُنا للصّلاةِ وَمُمارَسَتُنا لَها تَحمِل الكَثير مِنَ الصُعوبات وَالمـَشاكِل. كَيفَ لَنا أَن نَدخُلَ في خِبرَةِ صَلاةٍ حَقيقيّة، مَبنِيَّة عَلى عَمَل الرُّوحِ القُدُسِ في حَياتِنا؟ كَيفَ باستِطاعَتِنا تَمييز عَمَلَ الرُّوحِ القُدُسِ فيها عَن طَريقِ الفَضائِل الَّتي نَعيشُها؟ مِنْ بَينِ التعاليم الَّتي أَلقاها الرَّبَّ يَسوع حَولَ الصَلاة، كَان مَثَل القاضي الظالِم، حَيثُ يَعرِض أَمامَنا شَخصِيَّتَينِ مُتَباعِدَتَينِ في الحالَة وَالواقِع، مِنْ جِهَةٍ نَرى قاضٍ لا يَخافُ اللهَ وَلا يَهابُ النّاس، وَمِن جِهَةٍ أُخرى أَرمَلَة لا حَولَ وَلا قُوَّةَ لَها، تُطالِبُ بِإِلحاحٍ وَبِغَيرِ مَلَلٍ أَن تُنصَفَ مِنْ أَعدائِها.
رُبَّما قَدْ تَنقُل إِلَينا صورَةَ القاضي الظالِم، صورَةَ اللهِ المـَطبوعَة في لاواعي كُلِّ واحِدٍ مِنَّا، إِذْ نَنْظُر إِلى اللهِ عَلى أَنَّهُ الخالِق العَظيم، والَّذي يَعلو جِدًّا عَنَّا، وَالبَعيدُ عَنَّا وَلا يَكتَرِث وَلا يُبالي لِحاجاتِنا وَلِهُمومِنا وَلِطِلباتِنا؛ إِنَّهُ في عالَمِهِ الخاصّ، جالِسٌ عَلى عَرْشِهِ. هَذِهِ الصورَة الصَّنَمِيَّة الَّتي حَطَّمَها الرَّبَّ يَسوع عِندَما دَعانا لِنُنادي اللهَ أَبانا الَّذي في السَّموات، هوَ الَّذي لَطالَما نَاداهُ “أَبّا، أَيُّها الآب”. عَلى الرُّغمِ مِنْ هَذِهِ الصُّورَة الخاطِئَة الَّتي قَدْ تَكون مُوَجِّهَة لِنَظرَتِنا إِلى الله، فَيَسوعُ يَدعونا لِنَتَّجِه إِلى اللهِ عَلى مِثالِ الأَرمَلَة، المـُؤمِنَة وَالواثِقَة وَالصّابِرَة وَالمـُلِحَّة. هَكَذا يَدعونا الرَّبّ لِنَسأَل أَنفُسَنا إِذا كُنَّا نَتَمَتَّع بِهَذِهِ الفَضائِل، أَمْ أَنَّ تَصَوُّرَنا حَولَ اللهِ يَحولُ بِنا لِئَلَّا نَلجَأَ إِلَيهِ أَبَدًا؟
إِنَّ حالَةَ الأَرمَلَة الوَحيدَة وَالمـُلِحَّة عَلى طَلَبِها يُبَيِّنُ لَنا أَمرَيْن أَساسِيَّين يُساعِدانِنا لِنَتَعَلَّم كَيفَ نُصَلِّي. الأَوَّل، يَكمُنُ في واقِعِها، لِكَونِها أَرمَلَة، فَهيَ لَمْ تَضَع رَجاءَها وَلا ثِقَتَها وَلَمْ تَعتَمِد لا عَلى نَفسِها وَلا عَلى أَحَدٍ آخَر، بَلْ أَقَّرَتْ بِضِعفِها وَضِعَتِها وَفَقرِها. هذا الأَمَر جَعَلَها تَتَّجِه نَحوَ مَنْ بِيَدِهِ السُلطانَ وَحدَهُ في مَدينَتِها وَلا أَحَدَ آخَر سِواه. هَلْ نَتَّجِهْ في صَلاتِنا إِلى الرَّبّ عَلى أَنَّهُ مَلجانا الوَحيد وَلا أَحَدَ سِواه حَتَّى أَنفُسَنا؟! الثّاني، يَكْمُنُ في صِدقِ رَغبَتِها وَحاجاتِها، وَالَّذي عَبَّرَتْ عَنْهُ في صَبرِها وَإِلحاحِها المـُستَمِرّ. هذا الفِعل يُعَلِّمُنا أَن نَختَبِر إِذا كانَتْ رَغَباتنا حَقيقيَّة وَصادِقَة أَم لا. مِنْ مُمَيِّزات عَدَم الإِستِجابَة السَّريعَة هيَ أَنَّها تُعيدُنا إِلى أَنفُسِنا لِنَسأَل أَنفُسَنا بِعِمقٍ إِذا كُنَّا حَقًّا نَعلَمْ وَنُدرِك ماذا نَطلُب وَلِماذا، وَهَلْ يَصُبُّ في مَشيئَةِ اللهِ وَلِخَيرِنا وَلِخَلاصِنا أَم لا؟ ما تَوَصَّلَتْ إِلَيهِ الأَرمِلَة في آخِرَ الأَمر، هوَ أَنَّ الضَعيفَ انتَصَرَ عَلى القَويّ، وَالفَقيرَ عَلى الغَنيّ، وَذَلِكَ مِنْ جانِب الإِرادَة وَالحَقيقَة، هذا الأَمر يُشَجِّعُنا بِالمـُثابَرَة عَلى صَلاةِ الطَّلَب وَالإِستِغاثَة.
إِذا عُدنا وَتَأَمَّلنا في تَعاليمِ يَسوع حَولَ الصَّلاةِ وَفي وَجهِهِ المـُصَلِّي، نَكتَشِف أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمنا شَيئًا لَمْ يَعِشهُ وَيَختَبِرْهُ. عِندَما يَحُثُّنا عَلى أَن نَسأَلَ وَنَطْلُبَ وَنَقرَع يُعطينا مَثَل الآباء الَّذينَ يَتَجاوَبون مَع طِلباتِ أَبنائِهِم مُقَدِّمينَ لَهُم الأَفضَل، وَكَمْ بِالأَحرى أَبانا السّماويّ. وَهُنا يُعطينا مَثَل القاضي الظالِم الَّذي عادَ إِلى حَقيقَةِ وَظيفَتِهِ وقامَ بِواجِبِه على أَكمَلِ وَجهٍ تُجاهَ تِلكَ الأَرمَلَةِ المـَظلومَة، وَهَكَذا نَرى الرَّبَّ يَسوع يَجمَعَ في تَعليمِهِ كُلّ الواقِع الإِنسانيّ، مِن جِهَةٍ ذاكَ الَّذي لَدَيهِ صورَةً إِيجابِيَّة حَولَ الله، وَالآخَر الَّذي لَدَيهِ صورَةً سَلبِيَّةً عَنْهُ. الأَمر لا يَقِف على تَصَوُّر أَو فِكرَة أَو مُعتَقَد، هَو يَتَعَلَّق بِمَعرِفَتِنا لله، وَالحَقيقَة الَّتي كِشَفَها لَنا عَنْهُ الرَّبَّ يَسوع. بِالإِضافَةِ إِلى هذا الأَمر يَدخُلُ يَسوع مَعَنا في المـَوقِف الَّذي عَلَينا أَنْ نَتَّخِذَهُ عِندَما نَركُنُ إِلى الصّلاة، في كِلا الحالَتَين إِن كُنَّا نَنتَمي إِلى الَّذينَ يَرونَ في اللهِ صورَةَ الأَبِ المـُحِبّ أَو الَّذينَ يَرَونَ فيهِ صورَةَ القاضي الظالِم.
صَحيحٌ أَنَّ جَوهَر وَمِحوَر الصَلاة يَقومُ عَلى العَلاقَة الشَّخصِيَّة مَع الرَّبّ، لَكِنَّهُ يَستَدعي إِعدادًا وَتَحضيرًا خارِجِيًّا وَداخِلِيًّا. الإِعداد الخارِجيّ نَتَعَلَّمَهُ مِنَ الرَّبّ يَسوع كَيفَ كانَ يَمضي إِلى الصَلاةِ إِن في اللَّيل أَم قَبلَ طُلوعِ الفَجر في غَمْرَةِ السَّكينَة وَالصَّمت. الإِستِعداد الداخِليّ نَتَعَلَّمَهُ مِنْ تَعاليمِهِ حَولَ الصّلاة، وَهنا في مَثَلِ القاضي الظالِم وَالأَرمَلَة نَجِدُهُ يَحُثُّنا على التَّحَلّي بِالفَضائِل التاليَة: الإِيمان المـُستَقيم، الصّبر العَنيد وَالثّابِت القائِم عَلى الرَّجاء، الإِستِمرار وَالمـُثابَرَة وَالمـُواظَبَة على الصَلاة مِن بابِ التَّواضُع وَالفَقرَ الرُّوحيّ.
هَلْ تَتَكَوَّن صَلاتَنا مِنْ هَذِهِ العَناصِر الأَربَعَة؟ هَلْ نُؤمِن أَنَّ الرَّبَّ هوَ وَحدَهُ الَّذي يَستَطيعُ أَن يَستَجيبُ لِصَلاتِنا وَلِطِلباتِنا وَأن يُنصِفَنا لِأَنَّهُ الحَقَّ وَالمـَحَبَّة في ذاتِه؟ هَلْ لَدَيْنا مِنَ الصَّبرِ وَالجَلَدِ وَالرَّجاء في الصَّلاةِ لِنَتَعَلَّمَ الإِصغاءَ لِأَنفُسِنا وَلِكَيْ نُمَيِّزَ صَوتَ اللهِ في قُلوبِنا وَنُصغي إِلَيهِ رُغمَ صَخَبِ ضَجيجِنا الدَّاخليّ؟ هَلْ نُواظِب عَلى الصّلاةِ رُغمَ كُلّ فُتورٍ روحيّ، مُلتَمسينَ المـَطلوب الواحِد مِن دون أَن نَحيدَ قَيدَ أنمَلَة عن طَلَبِنا؟ هَلْ نَكشِف عُريَنا وَضُعفَنا وَفَقرنا الرُّوحيّ بِتَواضُعٍ مِثلَ تِلكَ الأَرمَلَة الَّتي لا تَملِك شَيئًا لِتَعتَمِد عَلَيهِ سِوى مَنْ تُناجيهِ لِكَيْ يُنصِفَها مِن خَصْمِها؟ هَلْ نَتَنَبَّه جَيدًّا لِخَصمِنا الأَوَّل وَالأَخير، إِبليس عَدُوّ الطّبيعَة البَشَرِيَّة، وَنَسأَلُ الرَّبَّ دائِمًا أَن يُنَجّينا مِن حِيَلِه؟ نَحنُ مَدعُوُّونَ لِنُعيدَ النَّظَرَ في نَوعِيَّةِ صَلاتِنا، وَلِنَطْلُبَ مِنَ الرَّبّ نِعمَةَ الصّلاة. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!