موقع Allah Mahabbaالصَليبُ رَمزُ المـَحَبَّة الإِلَهيَّة وَعَلامَةُ العَهدِ وَالخلاص!
مُنذ نَشأَتِها وَانطِلاقَتِها، نادَتِ الكَنيسَةُ ـ على مِثالِ الرُّسُلِ ـ بِالخَلاصِ الَّذي حَقَّقَهُ الرَّبُّ يَسوعُ عَلى الصَّليب. قُرونٌ ثَلاثٌ مَضَت وَلَم يَكتَرِث أَحَدٌ لِخَشَبَةِ الصَّليبِ الَّذي عُلِّقَ عَلَيهِ الرَّبُّ يَسوعُ، إِلى أَن جاءَتِ المَلِكَةُ هيلانةُ، والِدَةُ المَلِكِ قُسطنطين، فَبَحَثَت، مَدفوعَةً بِإِلهامٍ إِلَهيٍّ، عَنِ الأَماكِنِ المُقَدَّسَةِ، وَعَن خَشَبَةِ الصَّليب، إِلى أَن وَجَدَتها، كَعَلامَةٍ وَبُرهانٍ وَحَقيقَةٍ أَمامَ جَميعِ الباحِثينَ وَالمُشَكِّكين. نَعَم، فَنَحنُ على مِثالِ الكَنيسَةِ الأُولى، وَمَعَ القِدِّيسِ بُولُس: نُنادي اليَومَ “بِمَسيحٍ مَصلوبٍ، عَثارَةً لِليَهودِ، وَجَهالَةً لَدى الوَثَنِيِّينَ”.
نَعَم، الرَّبُّ يَسوعُ هُوَ الَّذي عُلِّقَ على الخَشَبَةِ، هُوَ الَّذي عَلَّقَ الأَرضَ بِالسَّماءِ. لَم يُشَبَّه لَنا أَنَّهُ قَد صُلِبَ، بَل حَقًّا رُفِعَ عَلى الصَّليب. وَما شَهاداتُ الأَناجيلِ الأَربَعَةِ سِوى مُقَدِّمَةٍ لِكُلِّ المُعجِزاتِ وَالشِّفاءاتِ وَالشَّهاداتِ الَّتي قَدَّمَتها الكَنيسَةُ عَلى مَذابِحِها عَلى مَدارِ التَّاريخِ إِلى يَومِنا هذا.
مِن خِلالِ تَعليمِ الرَّبِّ يَسوعَ لِمُعَلِّمِ الشَّريعَةِ نيقوديموس، نَتَعَلَّمُ اليَومَ لِماذا رُفِعَ الرَّبُّ عَلى الصَّليب، وَكَيفَ عَلَينا أَن نَنظُرَ إِلى الصَّليب، وَأَيضًا نَفهَمَ أَيَّ صَليبٍ عَلَينا أَن نُناديَ بِهِ، وَما الهَدَفُ الأَساسيُّ مِن حَملِنا لِصُلبانِنا الشَّخصِيَّةِ، وَكَيفَ عَلَينا أَن نَحمِلَها بِمَحبَّةٍ وَإِيمانٍ.
عِندَ تَأَمُّلِنا في التَّعليمِ الَّذي أَلقاهُ الرَّبُّ يَسوعُ على نيقوديموس، نَكتَشِفُ حَرَكَةَ المَحبَّةِ الإِلَهيَّةِ الَّتي بَلَغَت ذُروَتَها على الصَّليب. أَوَّلًا، يَتَكَلَّمُ عَن نُزولِهِ، حَيثُ نَنظُرُ إِلَيهِ مُتَواضِعًا باتِّخاذِهِ طَبيعَتَنا البَشَرِيَّةَ بِكُلِّ ما فيها، مُحَقِّقًا بِذَلِكَ سِرَّ التَّجَسُّدِ. ثانِيًا، يَتَناوَلُ يَسوعُ مَوضوعَ رَفعِهِ على الصَّليب، وَهُنا يُظهِرُ اتِّحادَهُ المُطلَقَ مَعَ جَميعِ المُتَأَلِّمينَ وَالمُضطَهَدينَ وَالمَرفوضينَ على مَدارِ التاريخِ وَالعالَمِ، وَذَلِكَ تَحتَ عَلامَةِ الحَيَّةِ الَّتي رُفِعَت على يَدِ موسى في البَرِّيَّةِ، بُغيَةَ إِعطاءِ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ. ثالِثًا، يُسَلِّطُ الضَّوءَ عَلى الدَّافِعِ الأَساسيِّ لِهَذِهِ الذَّبيحَةِ وَالتَّقدِمَةِ، لأَنَّهُ أَحَبَّ العالَمَ فَبَذَلَ نَفسَهُ طَوعًا تَتميمًا لِمَشيئَةِ الآب. هُنا نَفهَمُ المَعنى العَميقَ لِبَذلِ الذَّاتِ بِمَحبَّةٍ خالِصَةٍ مَجَّانِيَّةٍ. رابِعًا، يَتَجَلَّى مَعنى الخَلاصِ مِنَ الهَلاكِ الأَبَدِيِّ وَمِنَ الدَّينونَةِ، لِكُلِّ مَن آمَنَ وَقَبِلَ مَحبَّةَ اللهِ المُتَجَسِّدَةَ وَالمَمدودَةَ على عودِ الصَّليب.
المُلاحَظُ وَالمُميَّزُ في حَرَكَةِ المَحبَّةِ الإِلَهيَّةِ الَّتي تَجَلَّت بِأَسمى عُمقِها على الصَّليب، أَنَّها إِنحِدارِيَّةٌ تَصاعُدِيَّةٌ؛ إِنَّهُ مَسارُ حَبَّةِ الحِنطَةِ. فَقَط مِن خِلالِ دُخولِنا في هذا المَسارِ المُقَدَّسِ ـ أَي في اتِّباعِنا للرَّبِّ يَسوعَ ـ وَمِن خِلالِ تَأَمُّلِنا سِرَّ آلامِهِ وَصَليبِهِ، نُدرِكُ قُوَّةَ المَحبَّةِ الَّتي تَنصُرُ المَظلومَ وَتَغلِبُ المَوتَ وَتُعطي المَجدَ حَياةً أَبَدِيَّةً.
مِن خِلالِ هذا التَّعليمِ المُقَدَّسِ نَتَعَلَّمُ كَيفَ نَنظُرُ إِلى صَليبِ الرَّبِّ يَسوعَ. أَوضَحُ صورَةٍ قَدَّمَها لَنا الرَّبُّ يَسوعُ هِيَ صورَةُ الحَيَّةِ النُّحاسِيَّةِ الَّتي رَفَعَها موسى في البَرِّيَّةِ. لَدغُها يَشفي، تَمامًا وَفقًا لِقولِ أَشَعيا النَّبيّ: “بِجُرحِهِ شُفينا”. هَذا الشِّفاءُ الَّذي يَعني الخَلاصَ مِن عالَمِ الظُّلمَةِ وَسَيِّدِها، حَيثُ نَدخُلُ في عالَمِ النُّورِ وَالحَياةِ. لا يُمكِنُنا فَهمُ مَعنى الصَّليبِ في حَياتِنا إِلَّا بِفِعلِ الإِيمانِ وَبِقُوَّةِ مَحبَّةِ اللهِ الَّتي تَنصَهِرُ مَع آلامِنا وَضُعفِنا البَشَرِيِّ، فَتُطَهِّرُهُ وَتُنقِّيهِ وَتُحَرِّرُهُ مِن بَصمَةِ الخَطيئَةِ وَالشَّرِّ.
إِنطِلاقًا مِن هُنا، نَعي مَعنى مُناداتِنا وَافتِخارِنا بِصَليبِ الرَّبِّ يَسوعَ الَّذي نَضعُهُ عَلى أَعناقِنا، وَنَرفَعُهُ عَلى قُبَبِ كَنائِسِنا وَمَذابِحِها، وَعَلى قِمَمِ جِبالِنا. فَنَحنُ مَدعُوّونَ بِالأَكثَرِ إِلى التَّبشيرِ وَالكِرازَةِ بِقُوَّةِ صَليبِ الرَّبِّ، وَذَلِكَ بِأَعمالِنا قَبلَ أَقوالِنا. في كُلِّ مَرَّةٍ نَصبِرُ عَلى المِحنَةِ وَعَلى الاضطِهادِ وَالظُّلمِ، نَحنُ نُعلِنُ الخَلاصَ بِقُوَّةِ صَليبِ يَسوعَ. في كُلِّ مَرَّةٍ نَحتَمِلُ التَّجارِبَ وَنُعانِدُ خِداعَ إِبليسَ وَإِغواءاتِهِ، صالِبينَ أَجسادَنا، نُعلِنُ الظَّفَرَ بِصَليبِ المُخَلِّصِ. في كُلِّ مَرَّةٍ نُواجِهُ الظُّلمَ وَالكَذِبَ وَاللَّاعَدالَةَ بِالحَقِّ وَالتَّواضُعِ وَالوَداعَةِ، نَحنُ نُنادي بِمَجدِ الصَّليبِ. في كُلِّ مَرَّةٍ نُعطي مِن ذاتِنا، مِنَ الخَيرِ الَّذي مُنِحَ لَنا، وَمِن وَقتِنا وَتَعَبِنا وَخِدمَتِنا وَمَغفِرَتِنا، نَحنُ نُعلِنُ المَحبَّةَ الَّتي أَعلَنَها الرَّبُّ عَلى الصَّليبِ.
عِندَما دَعانا الرَّبُّ يَسوعُ لِنَحمِلَ صُلبانَنا وَنَتبَعَهُ، دَعانا لِنواجِهَ روحَ العالَمِ وَتَيَّارَ العالَمِ بِالمَحبَّةِ الَّتي غَلَبَتِ الشَّرَّ وَالمَوتَ لِتَكونَ حَياةً أَبَدِيَّةً. لَم يَدعُنا الرَّبُّ إِلى قَهرِ أَنفُسِنا، وَلا إِلى تَعنيفِ أَجسادِنا وَكَبتِ إِنسانِيَّتِنا وَقَمعِها، بَل دَعانا لِنَدخُلَ مَدرَسَةَ الصَّليبِ وَمَيدانَها الَّذي يَجعَلُنا نُولَدُ وِلادَةً روحِيَّةً، فَنَعرِفَ قُوَّةَ النِّعمَةِ عَلى مَحدودِيَّةِ أَجسادِنا، وَقُوَّةَ الإِيمانِ عَلى مَنطِقِ العالَمِ. مِن هُنا لا نَستَطيعُ أَن نَتبَعَ الرَّبَّ يَسوعَ إِذا لَم نَضعهُ دائِمًا نُصبَ عُيونِنا، وَإِذا لَم نَنظُر إِلى ما صَنَعَهُ مِن أَجلِنا عَلى الصَّليبِ بِعَينِ الإِيمانِ وَالرَّجاءِ وَالامتِنانِ الكَبيرِ.
مَشهَدُ الصَّليبِ مِنَ الخارِجِ سَيَبقى جَهالَةً وَعَثارَةً وَمَدعاةً لِلرَّفضِ، لأَنَّهُ يَأخُذُ صورَةَ العارِ. أَمَّا مَن يَنظُرُ إِلَيهِ وَفقًا لِتَعليمِ الرَّبِّ يَسوعَ الَّذي أَسداهُ إِلى نيقوديموس ـ لا مِن بابِ التَّفكيرِ وَالتَّحليلِ وَالمَنطِقِ، بَل مِن بابِ الإِيمانِ وَالاختِبارِ وَالمَعرِفَةِ الرُّوحيَّةِ ـ فَسَيَجِدُ يَنبوعَ العُذوبَةِ الرُّوحيَّةِ الحَقَّةِ. لَيسَ بِمُستَطاعِنا الجَوابُ عَلى ما في العالَمِ مِن شُرورٍ، وَلا بِمُستَطاعِنا مُواجَهَتُها بِالحَقِّ وَالعَدالَةِ فَقَط. وَحدَهُ صَليبُ يَسوعَ، بِقُدرَةِ المَحبَّةِ الَّتي تَجَلَّت عَلَيهِ غُفرانًا، يُمكِنُنا أَن نَنتَصِرَ، مُعلِنينَ خَلاصَنا بِهِ. آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!