موقع Allah Mahabbaهَل نَجتَهِد لِنَدخُلَ مِنَ البابِ الضَيِّق: نَعَمْ أَم لا؟!
بِكَثيرٍ مِنَ المـَرَّات يَتَمَيَّز تَعليم الرَّبّ يَسوع بِأُسلوبِهِ الرَّابَّانيّ، إِذ نَراهُ يَستَخدِم الأَمثِلَة وَالصُوَر وَالمـُقارَناتِ المـُتَوازِيَة، وَهذا لِسَبَبَينِ: مِنْ جِهَةٍ لِيُحَرِّكَ الإِنسان الباطِنيّ فينا، إِنطِلاقًا مِنْ ذَكائِنا وَتَفكيرِنا وَمُخَيِّلَتنا، حَتَّى يَلمُسَ وجداننا وَضَميرَنا وَروحَنا. مِن جِهَةٍ ثانِيَة يُخاطِبُ “ذاتَ” كُلّ مُستَمِع، وَذَلِكَ لِيَضَعَ نَفسَهُ في قَلبِ الحَدَثْ، فَالكَلامُ الَّذي يَنطِق بِهِ الرَّبَّ يَسوع لَيسَ بِعَبَثيٍّ إِنَّما هوَ مُوَجَّهٌ لِكُلِّ شَخصٍ بِشَكلٍ مُباشَر وَكأَنَّهُ حَصرِيٌّ بِهِ.
يُقَدِّمُ لَنا الرَّبَّ يَسوع مَثَلَ المَدعو وَالدَّاعي إِلى العُرس والوَليمَة وَفي ذَلِكَ عِبَرٌ لِحَياتِنا الإِجتِماعِيَّة وَالرُّوحِيَّة وَالإِنسانِيَّة. مِنَ المـُلفِت وَالمـُلاحَظ تَأثير مكانَة التقاليد الشّرقِيَّة في حَياةِ الرَّبَّ يَسوع، الَّتي ما زالَت إِلى اليَوم تُمارَس في الشَّرق، وَالَّتي فيها تَطغى اللَّياقات وَالبُروتوكولات عَلى جَوهَرِها وَهَدَفِها، فَيُصبِح الشَكل أَهَمّ بِكَثيرٍ مِنَ الجَوهَر وَالمـَضمون. مِنَ الجانِبِ الإِجتِماعيّ غالِبًا ما تُعطى المـَقاعِد الأُولى لِأَصحابِ السُلطَة وَالمـَقامات، وَكُلُّ إِنسانٍ في طَيَّاتِ قَلبِهِ يَرغَب في المـَكان الأَوّل عَلامَةً لِتَقَدُّمِهِ عَلى سِواه، وَعَلى نَجاحِهِ وَقامَتِهِ، وَكَأَنَّهُ بهذِهِ الطَريقَة يَأخُذْ مُكافَأَةً أَو يَزدادُ اعتِبارًا. خَطَرُ هَذِهِ الرَّغبَة أَنَّها تَجعَلُنا نَقيسُ أَنفُسَنا اعتِبارًا مِن المـَقعَد الأَوَّل وَلَيسَ انطِلاقًا مِمَّا نَحنُ عَلَيْه. يُعَلِّمُنا الرَّبَّ يَسوع أَنْ نَتَحَرَّرَ مِن قُيودِ المـَقاعِدِ الأُولى وَمِنْ قُيودِ تَقييمِ النَّاسِ وَأَحكامِهِم عَلَينا، باتِّخاذِنا مَكانَنا الصَحيح، وَهوَ آخِرُ القَوم وَلَيسَ أَوَّلُهُم، إِنطلاقًا مِن الوَعي الذَّاتي الَّذي يُتَرجَم حِكمَةً وَتَواضُعًا وَمَحَبَّة وإِحتِرامًا. عِندَما نَأخُذُ المـَكانَ الأَخير، دونَ تَعَلُّقٍ بِالمـَكانِ الأَوَّل، إنطِلاقًا مِنْ قَناعَتِنا الشَّخصِيَّة، نَكونُ بِذَلِكَ أَفسَحنا المـَجال لِلآخرين لِيُعَبِّروا عَن قَناعاتِهِم وَقِيَمِهِم وَمَبادِئِهم، وَلَم نُسَبِّب لَهُمْ سَبَبَ عَثرَةٍ. مَن يَملِك هَذِهِ القَناعَة، لا يَعُدْ إِغواءُ السُلطَة أَو الجاه أَو حَتَّى الغَيرَة تُحَرِّكُهُ، بَلْ يَحفَظَ سَلامَ قَلبِهِ وَيَعيشُ بِطُمَأنينَةٍ وَسَلام.
كَيفَ لَنا أَن نَتَحَرَّر مِنْ هذا الإِغواء الَّذي نَما مَعَنا مُنذُ أَيامِ الطُّفولَة؟ عِندَما نَنْظُر إِلى مَكانَةِ الرَّبَّ يَسوع، لِكَونِهِ إِبنَ اللهِ الحَيّ، وَما فَعَلَهُ بِتَجَسُّدِهِ وَمَوتِهِ وَقِيامَتِهِ، وَنُؤمِنْ بِمَحَبَّتِهِ اللَّامُتَناهِيَة الَّتي جَعَلَتْهُ يَتَّخِذْ طَريقَ التَّواضُعِ وَالأَصغَرِيَّة، نَتَعَلَّم كَيفَ أَنَّ المـَقامَ الأَخير هوَ الأَقرَب دائِمًا إِلى مَلَكوتِ الله، وَهو دائِمًا مُتاح، لِأَنَّ قِلَّةً هُمْ الَّذينَ يَختارونَهُ. العَيشُ وَفقًا لِتَعليمِ الرَّبَّ يَسوع وَمِثالِهِ الحَيّ، يَجعَلُنا نَسيرُ عَلى عَكسِ تَيَّارِ العالَم، وَهذا لا يَعني رَفض تَقاليد وعاداتِ العالم المـَوروثَة، بَلْ السَعيَ لِنَكونَ حَقيقَةَ أَنفُسِنا، وَلَيس أَيْ شَيءٍ آخَر، سِوى ذَلِكَ.
صَحيحٌ أنَّ الحَياةَ الإِجتِماعِيَّة تَقومُ عَلى مَنطِق التَبادُل في الأَخذِ وَالعَطاء، وَلَكِنْ بِكَثيرٍ مِنَ الأَوقات تَحكُمُها وَتَقودُها المـَصلَحَة الذَّاتِيَّة أَكثَر مِن المـَحَبَّة المـَجَّانِيَّة، وَعَلَيهِ نَرى لِيَسوعَ مَوقِفًا واضِحًا في هذا المـَوضوع. بَعدَما تَكَلَّمَ عَنْ المـَوقِف الأَصَحّ لِلمـَدعو إِلى العُرس، نَسمْعَهُ يَتَكَلَّم عَنْ المـَوقِف الأَصَحّ لِصاحِبِ الدَّعْوَة، مُبَيِّنًا بِذَلِكَ المـُحَرِّكَ الأَوَّل للدَّعْوَة. هَل أَدعو مَنْ أُحِبُّهُمْ لغايَةٍ في النَّفس، أَمْ دَعوَتي تَقومُ عَلى المـَحَبَّة الَّتي لا تَنتَظِرُ مُقابِلًا أَو رَدًّا أَو حَتَّى واجِبًا إِجتِماعِيًّا؟ كَمْ مِنَ المـَرَّاتِ أَخَذْنا مَواقِفَ رَفَضٍ وَقَطيعَةٍ تُجاهَ أَهلٍ وَأَصدِقاءٍ وَأَحِبَّاءٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّروا كَرَمَنا أَو عِنايَتَنا وَرِعايَتَنا؟ كُلّ هَذِهِ المـَواقِف تُبَيِّن أُصول وَجُذور الخطيئَة وَالكِبرِياءِ في أَعماقِ قُلوبِنا. كَيفَ لَنا أَن نَستَأصِلَها، إِذا كانَتْ عَلاقاتُنا مَبنِيَّة عَلى المـَصلَحَة الذَّاتِيَّة وَالإِستِفادَة وَالإِستِغلال؟ كَيفَ لَنا أَن نُحِبَّ مِنْ دونِ مُقابِل، وَأَن نَرضى حَتَّى الإِهانَةَ وَالرَّفضَ عَلى عَطائِنا وَسَخائِنا وَإِحتِرامِنا؟
مِنْ ناحِيَةِ المـَنطِق، يَعسُرُ الأَمرُ عَلَينا كَثيرًا، وَنَبقى في حالَةٍ صِراعٍ مَعَ أَفكارِنا وَأَهوائِنا، أَمَّا مِنْ جانِبِ الرَّبَّ يَسوع يَختَلِفُ الأَمرُ تَمامًا. مِثلَما عَلَّمَنا بِمَثَل المـَدعو إِلى العُرسِ، يُتابِع بِمَثَلِ صاحِبِ الدَّعوَة، فَلَيسَ قِياسُ وَنَجاح دَعوَتي للآخَرينَ هوَ شُكرَهُم وَتَقدريهُم وَإِمتِنانَهُم لي، بَلْ قِياسُ نَجاحي يَقومُ عَلى إِستِقامَةِ نِيَّتي وَمَحَبَّتي وَرَغبَتي أَن يَكونوا فَرِحينَ وَمَسرورينَ. لِهذا السَبَب نَرى يَسوع يَحُثُّنا لِنَدعوا مَنْ لا يَستَطيعُ مُكافَئَتِنا، أَو بِالأَحرى أَن تَكونَ دَعوَتَنا إِنطِلاقًا مِنْ تَلبِيَةِ حاجَة الآخَرين وَنَقصَهُم. لا يَقومُ الأَمرُ هُنا عَلى الشّفَقَة، بَل عَلى مَجَّانِيَّة عطاء المـَحَبَّة الَّذي يُحَرِّرُنا مِنْ روحِ الإِستغلالِيّة وَحُبّ التَمَلُّك.
لَمْ يُعطِنا الرَّبَّ يَسوع هَذِهِ الأَمثِلَة فَقَط لِنَتَأَمَّلَها وَنُحَلِّلَها وَنَقِفْ أَمامَ حِكَمِها، بَلْ يَدعونا لِنَعيشَها لِأَنَّها مِنْ صُلبِ واقِعِنا اليَوميّ، وَتَدُلُّ عَلى ما يَجري في أَعماقِنا وما يُؤَدّي فينا لِنَعيشَ بِحُزنٍ وَكَآبَةٍ بِسَبَبِ مَقاييسِ عَلاقاتِنا وارتِباطاتِنا مَع الآخَرين. لَم يُبادِر الرَّبّ يَسوع بِمَحَبَّتِهِ لَنا، لِأَنَّهُ يَنتَظِرُ مِنَّا مُقابِلًا، وَلَمْ يَدعُونا إِلى وَليمَتِهِ وَإِلى مَلَكوتِهِ لِأَنَّنا مُستَحِقّينَ بِما فينا، بَلْ لِأَنَّهُ يَرانا مُستَحِّقينَ مَلَكوتَهُ بِما فيهِ هوَ مِنْ مَحَبَّةٍ تُجاهَنا، فَاختارَ أَن يَأخُذَ المـَكانَ الأَخير، لِيُعطينا المـَكانَ الأَوَّل. الطُوبى لَنا، إِذا سِرنا على تَعاليمِهِ، لِأَنَّنا فيها سَنَجِدُ فَرَحنا الَّذي لا يُنزَعَ أَبَدًا مِنَّا. آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!