تابعونا على صفحاتنا

مقالات

هَل نَجتَهِد لِنَدخُلَ مِنَ البابِ الضَيِّق: نَعَمْ أَم لا؟!

لِكُلِّ شَيءٍ في الحَياة رَمزٌ وَغايَة وَمَعنى. عِندَما بَدَأ الإِنسانُ بِبِناءِ البُيوت حَدَّد مَدخَلًا لِبَيتِهِ. لِلباب مَكانَة أَساسِيَّة في البَيت، وَهوَ يَرمُزُ إِلى مَعانٍ عَديدَة مِنْها: العُبور، وَالإِختيار وَالحِمايَة وَالأَمان وَالإِنفِتاح وَالضِيافَة وَالإِرتِباط في العَلاقَة، كَما وَأَنَّهُ يَرمُزُ إِلى السِرّ. يَقولُ لَنا الرَّبَّ يَسوع عَنْ نَفسِهِ في الإِنجيل أَنَّهُ هوَ الباب، وَيَدعونا لِنَجتَهِد الدُخول مِنَ البابِ الضَيِّق. هُنا يَأخُذْ مَعنى الباب الآمِن وَالَّذي بِهِ نَبلُغُ الهَدَفَ النِّهائيّ لِوجودِنا وَلِحَياتِنا وَهوَ الدُّخول إِلى مَلَكوتِ اللهِ.
الأَسئِلَة الّتي عَلَينا أَن نَطرَحَها عَلى أَنفُسِنا هيَ التاليَة: هَل نُريدُ العُبور مِنَ البابَ المـُؤَدّي إِلى الحَياةِ الأَبَدِيَّة؟ هَل نَختار الدُّخول في عَلاقَةٍ صادِقَة وَحَقيقيّة وَحَميمَة مَع الرَّبّ كَونَهُ الوَسيط الوَحيد بَينَنا وَبَينَ الآبِ السّماويّ؟ هَلْ نَرغَب حَقًّا أَن نَكونَ داخِل البَيتِ السَّماويّ؟ جَوابُنا الصادِق يَدُلُّنا عَلى خَياراتنا في الحَياة. يَدعونا الرَّبَّ يَسوع للدُّخول مِنَ البابِ الضَيّق، وهذا يَعني أَلَّا نَكونَ مُسَيَّرين بِفِكرِ العَالم وَتَيَّاراتِهِ المـُتَنَوِّعَة، لا بَل أَن نَكونَ أَحرارًا في اختِيارِنا للرَّبَّ يَسوع. عُرِفَ هَيكَلُ أُورَشَليم في أَيَّامِ يَسوع بِأَبوابِهِ الواسِعَة وَالمـُزَخرَفَة الَّتي تَقودُ إِلى دار وَوَسَط الهَيكَل، أَمَّا بابُ قُدسِ الأَقداس، كَما هيَ الحالُ في الكَنائِسِ الشَرقيَّة هيَ ضَيَّقة أَكثَر بِكثير مِن المـَداخِلِ الأَساسِيَّة. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا يَدعونا الرَّبَّ لا لِنَعرِفَهُ عَلى مُستَوى المـَعرِفَة الخارجيَّة وَالسَطحيَّة، لا بَل عَلى مُستوى العَلاقَة الشَخصِيَّة وَالعَميقَة.
لِقُلوبِنا أَبوابٌ وَنَوافِذَ عَديدَة، وَلَكِنْ الباب الضَيّق لا أَحَدَ يَدخُلَهُ إِلَّا مَنْ نُحِبُّهُ حَقًّا. إِنطَلاقًا مِنَ هُنا نَحنُ مِنْ جِهَةٍ مَدعُوِّينَ لِنَدخُلَ البابَ الضَيِّق لِنَبْلُغَ قَلبَ اللهِ الَّذي أَحَبَّنا أَوَّلًا، وَمِنْ جِهَةٍ ثانِيَة عَلَينا أَنْ نَسْمَعَ للرَّبَّ يَسوع بِروحِهِ القُدُّوس أَنْ يَدخُلَ إِلى أَعماقِ قُلوبِنا مِنْ أَبوابِها الضَيِّقَة الَّتي لا يُسمَح لِأَحَدٍ الدُخولَ مِنْها إِذا لَمْ تَتَّسِمْ فيهِ نِعمَةُ المـَحَبَّة. جِهادُنا يَقومُ عَلى الدُخول مِنَ البابِ الضَيِّق، أَيْ على العَيش في صِدقِ المـَحَبَّة الَّتي تُثمِرُ عَطاءً وَتَضحِيَةً وَخِدمَةً وَتَواضُعًا.
يَقولُ لَنا الرَّبَّ يَسوع في الإِنجيل: لِنُسرِع في الدُّخول قَبلَ إِغلاقِ الباب، أَيْ قَبْلَ أَن تَنتَهي مُدَّةَ حَياتِنا الأَرَضِيَّة. عَلَينا إِذًا أَن نَستَثمِرَ وَقتَنا لِنَدخُلَ في عَلاقَةِ المـحَبَّة المـُقَدَّسة هَذِهِ، الَّتي تُصبِحُ سِرًّا بَينَ النَّفسِ ومُخَلِّصَها. هذا الأَمر يُحَفِّزُنا لِنَسأَل كَيفَ بِإِمكانِنا الدُّخول؟
أَوَّلًا، لَيسَ لَدَينا عِدَّةَ أَبوابٍ لَنطرُقَها، وَلِنَبْحَثَ عَنْها، لَدَينا بابٌ واحِدٌ أَحَدٌ وَهوَ الرَّبَّ يَسوعَ المـَسيح نَفسَهُ. عَلَينا أَن نَتَوَجَّهَ إِلَيهِ قَبلَ أَنفُسِنا حَتَّى وَقَبلَ أَيِّ شَيءٍ آخَرَ في حَياتِنا. عَلَينا أَن نَقرَعَ عَلَيْهِ بِقُوَّة، كَما هوَ يَفعَل تَمامًا: “هاءنذا واقِفٌ على البابِ أَقرَع، مَنْ سَمِعَ لي وَفَتَحَ الباب أَدخُلُ إِلَيهِ، فَأَتَعَشّى مَعَهُ وَيَتَعَشّى مَعي”. قَرعُنا عَلى البابِ يَعني رَغبَتُنا وَإِصرارُنا وَتَمَسُّكَنا بِهِ كَرَبٍّ وَإِلَهٍ وَمُعَلِّمٍ أَحَد، فَلَيسَ لَنا سِواهُ شَريكًا. قَرعُنا عَلى الباب يَعني إِعتِرافُنا بِما صَنَعَهُ مِنْ أَجلِنا وَتَمَسُّكَنا بِنَهجِ التَوبَة الصادِقَة. قَرعُنا عَلى الباب يَعني التِماسُنا الدَّائِمِ وَالمـُتواصِلِ في الصّلاةِ الحارَّة.
ثانِيًا، دُخولُنا مِنَ البابِ الضَيِّق، يَعني إِسقاطُ كُلّ الأَحكام وَالمـَخاوِف وَالشُروط في عَلاقَتِنا الشَخصِيَّة بِهِ، وَبِكُلِّ مَنْ يَرتَبِط بَعَمَلِهِ الخَلاصيّ. هذا الأَمر يَجعَلُنا نَلتَزِم عَيش المـَحَبَّة مَعَ جَميعِ النَّاسِ حَتَّى الأَعداء، وَيَجعَلُنا واثِقينَ بِعِنايَتِهِ بِنا. فَلا نَأخُذ أَبَدًا مَوقِفَ الدَيَّان بَل الرَّحيم، وَلا مَوقِفَ المـَخدومِ بَلْ الخادِم وَلا المـَوقِعَ الأَوَّل بَلْ الأَخير. لَيسَ هذا بِالأَمر السَهل وَلا هوَ حَتَّى بِمُستَطاعِنا مِنْ دونِ نِعمَةِ الرَّبّ، وَمِنْ دونِ فَضيلَةِ التَواضُع. عَلَيهِ دُخولُنا مِنَ البابِ الضَيِّق يُصبِح ما نَعيشُهُ مِن مَحَبَّةٍ في مَواقِفِنا وَأَعمالِنا وَأَقوالِنا وَتَصَرُّفاتِنا اليَومِيَّة. بِقَدَرِ ما نَتَّجِهُ بِكُلِّيَّتِنا نَحوَ يَسوع، نَستَطيعُ بِنِعمَتِهِ وَحدَهُ الدُّخولَ إِلى قُدسِ أَقداسِ الآبِ السّماويّ.
ثالِثًا، مُفتاحُ البابِ الضَيِّق هوَ صَليبُ الرَّبَّ يَسوع، وَالَّذي مِنْ دونِهِ لا نَستَطيعُ المـُرور. هوَ كَلِمَةُ السِرّ، وَذَلِكَ لِأَنَّنا مِنْ خِلالِ تَأَمُّلِنا بِما عاناهُ الرَّبَّ يَسوع عَلى الصَّليب، نَكتَشِف أَنَّ المـَحَبَّةَ تَبتَلِعُ الضعفَ وَالهشاشَةَ وَالنَّقصَ وَالخَطيئَة وَالأَلَم… . كُلّ هَذِهِ نَجِدُها عَقَبَةً في مَسيرَةِ حَياتِنا وَفي طَريقِ نُمُوِّنا وَنَضجِنا، وَلَكِنْ بِواسِطَةِ صَليبِ الرَّبَّ يَسوع تُصبِح هَذِهِ كُلُّها الوَسيلَة الناجِعَة. هذا الأَمر يَجعَلُنا نَقبَل واقِعَنا الإِنسانيّ بِإِيمانٍ وَفَرَحٍ وَقُوَّةٍ وَرَجاء، لِأَنَّنا مَعَهُ دائمًا مُنتَصِرين.
لا يَسَعُنا كَمَسيحيّينَ أَن نَكتَفي القَولَ أَنَّنا دَخَلنا مَلَكوتَ الله مِنْ بابِ المـَعمودِيَّة، وَهذا يَكفي. وَلا أَنَّنا دَخَلْنا الكَنيسَةَ مِنْ أَبوابِها الواسِعَة، وَشاركنا في القُدَّاسِ الإِلَهيّ، فَهَذِهِ كُلُّها تُحَفِّزُنا لِنَعيشَ جَوهَرَ إِيمانِنا مِنْ خِلالِ تَحَوُّلُنا الدَّائِم بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلى جَسَدِ المـَسيح المـُمَجَّد. عَلَينا أَن نُدرِكَ تَمامًا أَنَّ خَلاصَنا وَبلوغُنا إِلى الحَياةِ الأَبَدِيَّة، يَقومُ مِنْ جِهَةٍ عَلى مَحَبَّة وَرَحمَةِ اللهِ لَنا الَّتي أَصبَحَت لَنا دَعوَةً خاصّة في شَخصِ يَسوع، وَمِنْ جِهَةٍ ثانِيَة عَلى قَبولِنا الحُرّ وَالتِزامنا الثّابِت بِعَيشِ المـَحَبَّة في حَياتِنا. إِذًا يَسوع هوَ المـُبادِر، عَلَينا أَن نَتَجاوَبَ مَعَهُ اليَومَ قَبلَ الغَد. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!