تابعونا على صفحاتنا

مقالات

أُعطِيَ لِمَريَمَ العَذراء أَن تَلمُسَ قُلوبَنا بِقُوَّةِ إِبنِها!

لا يَسَعُنا التَكَلُّمَ في الحَياةِ الروحِيَّة بَعيدًا وَخارِجًا عَن الإِختِبار الَّذي يَعني اللّقاءَ بَينَ الله وَالإِنسان. إِنسانيَّتُنا المَحدودة وَالمـُرَكَّبَة على المـَحسوسِ وَالمـُدرَك، تُصِرُّ بِكَينونَتِها وَتُطالِبُ بأَنطولوجِيَّتِها بِهذا الإِختِبار. مَع مَريَم العَذراء عَرَفَتْ البَشَرِيَّةُ في البِشارَة مِلءَ الوَحي الإِلهيّ، مِلءَ اللِّقاء وَقِمَّة الإِختِبار في سُمُوِّ عَظَمَتِه. مَع مَريَمَ العَذراء عَرَفَتْ إِنسانِيَّتُنا قِمَّة اللِّقاء الإِنسانيّ بَينَها وَبَينَ نَسيبَتَها أَليصابات، حَيثُ التَقَت المـُسِنَّةُ مَعَ الشّابّة، وَالجَنينُ يوحَنَّا ارتَكَضَ فَرَحًا مِنْ قُوَّةِ سَلامِ اللهِ المـُتَجَسِّد، المـَسيحَ المُنتْظَر. أَصبَحَ لِهذا اللِّقاءِ مَدىً غَيرَ مَحدودٍ، وَغَيرَ مُقتَصَرٍ عَلى لَحظَةٍ في الزَّمَنِ، وَلا عَلى بُقعَةٍ مِنَ الجُغرافيا.
يَكفينا التَأَمُّلَ في لِقاءِ مَريَم مع نَسيبَتِها أَليصابات وَبَعدها التَّمَعُّنَ جَيّدًا في نَشيدِها حَتَّى نَكتَشِفَ صِحَّةَ ما نَقولُهُ هُنا. إِعلانُ عَقيدَة إِنتِقال مَريَمُ العَذراء بِالنَّفسِ وَالجَسَد، جُذورُهُ تَنطَلِق مِنْ هُناك، وَشَهادَةُ هاتَينِ المَرأَتَينِ ما زالَتا تَتَرَدَّدانِ عَلى مَسامِعِنا. ما صَنَعَهُ القَدير، فَهوَ مِنْ طَبيعَتِهِ أَزَليّ، وَبِالتَّالي هوَ أَبَديّ وَمُطلَقٌ وَكامِل. لا رَيبَ وَلا التِباسَ أَبَدًا في إِيمانِنا عِندَما نُكَرِّمُ أُمَّ اللهِ، أُمَّ يَسوع وَأُمَّنا، وَنُعلِنُ انتِقالَها بِالنَّفسِ وَالجَسَدِ إِلى السَّماء. فَما جرى بابنِها المـُتَجَسِّد وَالفادي وَالقائِمِ مِن بَينِ الأَموات، جَرى مَعَها لِأَنَّ عَهدَهُ أَبَديّ، وَرَحمَتَهُ مِنْ جيلٍ إِلى جيلٍ. نَعمَ فَمَعَ مريَمُ العَذراء نِلنا نِعمَةَ الرَّجاء.
لَقَد نَقَلَتْ مَريَم اختِبارَها وَلِقاءَها بِالرَّبِّ الَّذي لَمْ وَلَن يُفارِقها، وَهوَ يُكَوَّنُ طِفلًا في أَحشائِها إِلى نَسيبَتِها أَليصابات. لَقَد عَكَسَتْ في حُضورِها وَكَلامِها وَتَصَرُّفِها، حُضورَ مَنْ يَملِك عَلى قَلبِها. هذا ما جعَلَ أَليصاباتُ المـُسِنَّة تَشعُرُ بِشَبابِها، لا بِل أَكثَر اختَبَرَتْ وَعَرَفَتْ أُمومَتَها، فَما عادَتْ تِلكَ العاقِر، بَلْ أَصبَحَتْ الحامِل بِشَهادَةِ العَهدِ. لَقَدْ اختَبَرَت مِنْ خِلالِ إِنسانِيَّةِ مَريَم العَذراء حُضورَ اللهِ كَما عَرَفَهُ الآباءُ في تابوتِ العَهد. حُضورًا يَشهَدُ لِذاتِهِ بِالعَلامَة وَالفِعلِ وَاليَقين.
“طوبى لِمَنْ آمَنَت: فَسَيَتِمُّ ما بَلَغَها مِنْ عِندِ الرَّبّ”. لَمْ يَتَوَقَّف هذا البَلاغ أَن تُعطي إِبنَ اللهِ جَسَدًا لِيَكونَ الكَلِمَة المـُتَجَسِّد، بَلْ بِدَورِها أَخَذَتْ مِنْهُ طَبيعَتَهُ الَّتي لَمْ تَعرِف الفَساد، وَبِالتَّالي مُنذُ تِلكَ اللَّحظَة أَصبَحَتْ مَريَمُ العَذراء مَدعُوَّةً بِمِلءِ حُرِّيَّتِها لتَنالَ عُربونَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة، وَلِتَتَحَقَّقَ فيها كُلَّ ثِمارِ فِداءِ ابنِها الحَبيبْ رَبَّنا يَسوع المـَسيح.
مُنذُ البِشارَة أَصبَحَ حُضورُ اللهِ بِالنِّسبَةِ لِمَريَمَ العَذراء لا شَيئًا مَفصولًا أَو بَعيدًا عَنْها، بَلْ جِزءً أَساسِيًّا مِنْ كِيانِها، لِأَنَّ المولودَ مِنْها قُدوس، وهوَ ابنُ العَليّ يُدعى. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، أَصبَحَتْ مَريًم مُتَّحِدَةً بابنِها يَسوع المـَسيحَ المـُنتَظَر وَالوَسيط الوَحيد وَالفادي الأَوحَد، وَباكورَةَ القائِمينَ مِن بَينِ الأَموات. نَتيجَةً لهذا الإِتِّحادِ العَجائِبيّ وَالتَّبادُلِ العَظيم بِفِعلِ مَحَبَّةِ الثالوثِ الأَقدَس وعِنايَتِهِ وَتَدبيرِهِ الخَلاصيّ، أَصبَحَ انتِقالُ مَريَم العَذراء مِنَ المـوتِ إِلى الحَياةِ بِالنَّفسِ وَالجَسَد، حَتمِيَّةً ثابِتَة، لِأَنَّ اللهَ لَمْ يَستَخدِمها كَغَرَضٍ أَو سِلعَةٍ لِوَقتٍ مُعَين، لا بَلْ دِفاعًا عَنْ كَرامَتِهِ كَإِلَهٍ حَيٍّ وَمُحِبٍّ وَقُدّوس، جَعَلَها لا تَعرِفُ الفَساد.
يَقولُ القِدّيس بولُس أَنَّ المـَواهِبَ على أَنواع، فَمَريَم العَذراء أُعطِيَ لَها أَعظَمَ المـَواهِب، لا بَلْ كُلَّ المـَواهِب، لِأَنَّ عريسَها السَّماويّ الرُّوح القُدُس هوَ مُعطيها وابنَها الوَحيد هوَ مُحَقِّقَها، وَبالتَّالي عِندَما نُعلِنُ إِيمانَنا بِانتِقالِها بِالنَّفسِ وَالجَسَد لا نَزيدُ شَيئًا مِنَ الإِكرامِ عَلَيها أَكثَر مِمَّا أَفاضَ الثّالوث الأَقدَسِ عَلَيها. كُلّ ما نَقومُ بِهِ، هوَ أَنَّنا نُطَوِّبُها مَعَ جميعِ الأَجيال، لِأَنَّ مِنْها أَخَذَ الكَلِمَة المـُتُجَسِّد طَبيعَتنا، وَمِنها نَستَمِدُّ الرَّجاءَ في كُلِّ مَرَّةٍ وَلَحظَةٍ نَشعُرُ بِعُقمِنا وَخَطيئَتِنا وَمَوتِنا. قُربُها مِنَّا يَجعَلُنا كَما أَليصابات نَخرُجُ مِنْ رُقادِنا وَسَباتِنا، مُهتَزِّينَ فَرَحًا وَطَرَبًا لِأَنَّ سَلامَها يَمُدُّنا بِالإِيمانِ وَالرَّجاءِ وَالمـَحَبَّة. فَيا مَريمُ أُمُّنا مَنْ أُعطِيَ لَكِ أَن تَلمُسي قُلوبَنا أُطلُبي مِن إِبنِكِ يَسوع أَن يَملِك على قُلوبِنا كَما فَعَل مَعَكِ فَنُعَظِّمَ الثالوثَ الأَقدَسِ مِثلَكِ بِالقَولِ وَالعَمَل. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!