تابعونا على صفحاتنا

مقالات

القُنبُلَة النَّوَوِيَّة الَّتي صَنَعَها يَسوع!

في وَقْتٍ تُقرَعُ طبولُ الحَربِ عالِيًا، وَالنَّاسُ تَخشى مِن حَربٍ نَوَوِيَّةٍ تُدَمِّرُ بَيتَنا الأَرضيّ وَتُنهي عَلى شُعوبٍ وَأَوطانٍ كَثيرَة، نَجِدُ أَنفُسَنا أَمامَ نَوعَيْنِ مِنَ القَنابِلِ في العالَم، أَحَدُها المـَعروفَة اليَوم بالقُنبُلَة النَّوَويَّة، أَمَّا الثّانِيَة عَرَفَتها الكَنيسَة مُنذُ تَأسيسِها وَهيَ الإِفخارستيّا، أَي حُضور الرَّبَّ يَسوع الفِعليّ تَحتَ أَعراضِ الخُبزِ وَالخَمر. القُنبُلَةُ النَّوَوَيَّة مَعروفَة بفَتكِها المـُدَمّر وَإِشعاعاتِها الحارِقَة وَالقاتِلَة، أَمَّا القُنْبُلَة النَّوَوِيَّة الَّتي صَنَعَها الرَّبَّ يَسوع هيَ تُعطي الحَياةَ الأَبَدِيَّة وَإِشعاعاتُها تُطَهِّر وَتُنَقّي وَتُحيي وَتَشفي. صَحيحٌ أَنَّ القُنبُلَة النَّوَويَّة هيَ صَغيرَةٌ جِدًّا بِحَجمِها بِالنِّسبَةِ لفِعلِها الكَبير جِدًّا، وَهذا ما نَراهُ جَلِيًّا وَواضِحًا في سِرّ القُربان المـُقَدَّس. لِلأَسَفِ الشَديد القُنبُلَة النَّوَوِيَّة الَّتي صَنَعَها الإِنسانُ تُؤَدّي إِلى هَلاكِهِ وَإِلى تَدمير العالَم، أَمَّا القُنبُلَة النَّوَويَّة الَّتي صَنَعَها يَسوع هيَ يُنبوع المـَحَبَّة المـُحيِيَة.

عِندَما نَتَأَمَّل في مُعجِزَة تَكثيرِ الخُبز وَإِشباع الجُموع الجائِعَة، نَكتَشِف المـَعنى الَّذي أَشَرنا إِلَيهِ مِنْ خِلالِ تَوصيفِ سِرّ القُربان الأَقدَس بِالقُنْبُلَة النَّوَويَّة. في العَهدِ القَديم عِندما كانَ شَعبُ اللهِ في البَرِيَّة عَرَفَ الجوعَ وَالعَطَش، فَما كان لَدَيهِ وَاحَةً يَستَريحُ فيها إِلَّا الصّلاة، فَتَضَرَّعَ موسى إلى الله، فَأَنزَلَ لِشَعبِهِ عَطِيَّةَ المـَنّ وَالسّلوى. وعِندَما كانَ يَكرِزُ الرَّبَّ يَسوع في الجَليلِ وَاليَهودِيَّة، كانَ الشَّعبُ أَيضًا جائِعًا لِمَعرِفَةِ اللهِ، وَجائِعًا إِلى مَعنى وَقيمَة وجودِهِ في نَظَرِ الله. فَكانَ كُلُّ الشَّعبِ يَنتَظِرُ الخَلاص. وَيَسوعُ كانَ هوَ جَوابُ الآب، الَّذي أَضحى الطَّعامَ وَالمـَعنى وَالمـِلء واضِعًا ذاتَهُ في كَسْرَةِ خُبزٍ صَغيرَة.

لَم تَكُنْ الغايَة مِنْ مُعجِزَة تَكثير الخُبز، إِظهار قُدرَة يَسوع الخارِقَة أَمامَ الجُموع الغَفيرَة، إِنَّما كانَتْ جَوابُ اللهِ الآب عَلى جوعِ الإِنسانِيَّة لِلمـَحَبَّةِ وَللمَغفِرَة وَلِلخَلاص. كانَتْ أَيضًا جوابًا لِكُلِّ مَنْ يَخافُ أَن يَتْبَعَ الرَّبَّ، لِتَكونَ تَأكيدًا عَلى عِنايَتِهِ الخاصَّة بِمَنْ يُكَرِّسونَ وَقتَهُمْ وَإِصغاءَهُمْ لِكَلِمَتِهِ الخَلاصِيَّة. أَيضًا لَمْ تَكُنْ مُعجِزَة تَكثير الخُبزِ والأَسماكِ مَفصولَةً عَمَّا سَيَصْنَعَهُ الرَّبُّ في عَشائِهِ الأَخير، كَتَأسيسٍ لِلإِفخارستيّا. مِنْ هُنا يَحتَوي هذا الحَدَثْ وَهَذِهِ المُعجِزَة عَلى عِدَّةِ عَناصر تَتَّصِل بِخِدمَةِ الكَنيسَة وَخاصَّةً في ذَبيحَةِ القُدَّاس.

أَوَّلًا، نَكتَشِف أَنَّهُ حَيثُ يَكونُ يَسوع، هُناكَ تَكونُ جَماعَةُ المُؤمِنين. أُولَئِكَ الضُعَفاء وَالخَطأَة وَالمـَرضى أَعضاءُ الكَنيسَة، الَّذينَ يَجوعون إلى الرَّحْمَة وَيَلتَمسونَ عَطِيَّةَ السَّماء. ثانِيًا، نَكتَشِفُ نَظرَة الرَّبَّ يَسوع الرَّقيقَة الَّتي تُظهِر مَحَبَّتَهُ وَإِحساسَهُ بِجوعِ النَّاسِ إلَيهِ، وَأَيضًا مَسؤولِيَّتَهُ تُجاهَهُمْ رُغمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُن يَملِكُ أَيّ شَيءٍ مادّيّ، فَهوَ مَصدَرُ كُلّ عَطِيَّةٍ روحِيَّة. ثالِثًا، نَكتَشِفُ وَضعِيَّة التَلاميذ المـُحتارونَ في أَمرِهِم، وَلا يَعرِفونَ جَيّدًا تَدبيرَ شُؤون النَّاس، بَينَما يَستَفيدُ الرَّبُّ مِنَ القَليل الَّذي يُقَدّمونَهُ لَهُ، لِيُعطي الكَثيرَ مِن فَيضِ مَحَبَّتِهِ. رابِعًا، نَرى دَور التّلاميذ في إِجلاسِ الجُموع لِيَكونَ المـَسيحَ في المـَركَز وَالوَسَط في حَياتِهِم. خامِسًا وَأَخيرًا، تُصبِحُ عَلاماتِ المـُعجِزَة الدَّليل لِتِقَدِمَة يَسوع نَفسَهُ لِلجُموعِ تَحتَ أَعراضِ الخُبزِ والسّمَك الَّتي تُشيرُ إِلى إِسمِهِ القُدّوس وَالخَلاصيّ وَفقًا لِلغَّةِ اليونانِيَّة، وَبِأُسلوبٍ مُشَفَّر ἰχθύς: لِيُصبِحَ المَعنى: ἰ يسوع، χ المَسيح، Θ الله، Υ الإبن، Σ المُخَلّص.

يَحسُنُ بِنا التَوَقُّف عِندَ عَلاماتِ المـُعجِزَة كَدَليلٍ لِتَقدِمَةِ يَسوع نَفسَهُ في سِرّ القربان المـُقَدّس. لَقَد “أَخَذَ” يَسوع خَمسَةَ أَرغِفَةٍ تُشيرُ بِعَدَدِها إِلى أَمرين: كُتُب التوراة الخَمسَة، وإِلى جِراحهِ وَسِماتِهِ على الصّليب. سَمَكَتَين: إِشارَةً إِلى الوَصِيَّتَين: مَحَبَّة الله وَمَحَبَّة القَريب. يَسوع الَّذي أَخَذَ طَبيعَتَنا البَشَرِيَّة هوَ كَلمَةُ اللهِ الَّذي بِجِراحِهِ سَيُحَرّرَنا وَيَشفينا وَيُحيينا. بَعدَما أَخَذَ “رَفَعَ” نَظَرَهُ إلى السّماء عَلامَةً عَلى أَنَّهُ الوَسيط الوَحيد بَينَ اللهِ وَالإنسان، وَما يَصنَعْهُ هُنا هوَ مِنْ صُلبِ مَشيئَةِ الآب السّماويّ. بَعدَئِذٍ “بارَكَ”، تَأكيدًا على سُلطانِهِ، فهوَ بِهِ كانَ كُلُّ شَيءٍ، وَعَلى شُكرِهِ وامتِنانِهِ المـُستَمِرّ لِمَحَبَّةِ الآبِ بِالرُّوحِ القُدُس. أَخيرًا، “كَسَر وَأَعطى”، حَيثُ يَمضي بِنا إلى سِرّ الصّليبِ وَالفِداء، حَيثُ غَفَرَ لَنا خَطايانا لِيَمْنَحَنا الحَياةَ الأَبَدِيَّة. مِنْ خِلالِ هذِهِ الحَرَكَة اللَّاهوتِيَّة في مُعجِزَةِ تَكثيرِ الخُبزِ نَفهَمْ مَعنى سِرَّ التَجَسُّد وارتِباطَهُ الوَثيق بسِرّ الفِداء، وَنَكتَشِف إنصِهارِهِما مَعًا في سِرّ القُربانِ المـُقَدّس، حَيثُ صَنَعَ يَسوع قُنبُلَتَهُ النَّوَوِيَّة الخاصّة كَفِعلِ مَحَبَّةٍ وَرَحمَةٍ لامُتَناهِيَّة، لِيَبقى مَعنا إِلى مَدى الأَيّام. طوبى لَنا عِندَما نَجوعُ إِلَيهِ بِالتَّوبَة وَنستَقبِلَهُ بِمَحَبَّة، وَنَعيشَ حُضورَهُ بِأَعمالِنا. آمين

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!