تابعونا على صفحاتنا

مقالات

عرفنا الله ثالوثًا وبه نُؤمن!

كيف لنا أن نتجاسر ونجرُؤ لنقول أنّ الله في جوهره ثالوثًا؟! كيف للإنسان المــخلوق أن يتكلّم عن الله الخالق الّذي لا يُرى، ويقول أنّهُ، الإله الواحد في ثلاثة أقانيم؟! هل هذا الأمر منوطٌ بالإجتهاد العقليّ والمـنطق ولُغة الإقناع ضمن سياق الفلسفة والدين واللاهوت، أم أنّهُ ثمرةُ معرفة واختبار الإنسان لله ضُمن إطاره التاريخيّ المـُرتبط بالزّمان والمـكان والثقافة؟ على مُستوى الإيمان غالبيّة الناس والأديان تُجمع أنّ هُناك إلهٌ واحد، ولكن من هُو! على مُستوى البحث العلميّ كُلّ شيء خاضع للإختبار التطبيقيّ، والّذي هو بدوره خاضعٌ دائمًا للتراكُم والتّحديث.

نحنُ هُنا أمام إشكاليّة معرفة الله! فهل هذه المـسألة تتعدّا البحث والتّفكير وتستند إلى الإيمان تسليمًا بالمـُعتقد، أم أنّها تقومُ على معرفة الله على مُستوى الإختبار أو أكثر من ذلك على الوحيّ الإلهيّ المـقرون بإختبار الله في التّاريخ؟ عندما نتكلّم عن ماهيّة الله، نحنُ نتكلّم عن الحقّ وبالتّالي نحنُ أمام موقف يستدعي التواضُع والصدق والإيمان المـُنفتح على العقل، والعقل المـُنفتح على الإختبار الإيمانيّ. يبقى سُؤلُنا الأخير، ماذا يُضيفُ إيماننا في أنّ الله واحدٌ في ثلاثة أقانيم؟

إنّ مسألة البحث في جوهر الله، تسمو على العقل والذّكاء البشريّ، إلّا في حالةٍ واحدة يستطيعُ فيها العقل البشريّ أن يُدرك معالمها هي في كشف الله عن ذاته لنا وفقًا لمشيئته وعلى قدر ما نستطيع. هذا ما قد حقّقهُ اللهُ تدريجيًّا عبر التاريخ بدءًا مع الآباء والأنبياء بُلوغًا إلى ملء الوحيّ الإلهيّ في شخص يسوع المـسيح. إنطلاقًا من هُنا نافذةُ بحثنا في جوهر طبيعة الله، لا تنطلق من إستنباطٍ عقليّ مُتجرّد، بل هو فعلُ قبولٍ وفهم للوحيّ الإلهيّ في شخص يسوع المـسيح.

ما يجعلُنا نُؤمن بالحقيقة الّتي خاطبنا بها الرّبّ يسوع، ليس إنحيازًا دينيًّا لشخصه، بل انطلاقًا من حيثيّة حدث ميلاده بُلوغًا إلى حدث قيامته العجيبة من بين الأموات، مُتضمّنًا كُلّ أقواله وأعماله. فمن يبحث في حدث تجسُّد الرّبّ يسوع وفي حدث موته وقيامته على مُستوى الحقيقة التاريخيّة المـُدوّنة، وعلى مُستوى التأثير القويّ الّذي أحدثهُ بعد قيامته وصُعوده إلى السّماء، يكتشف أنّ هُناك علامة ظاهرة وفارقة وبيّنة، لا مثيل لها حتّى السّاعة. هذا الأمر يحُثُّنا ويدفعُنا للولوج أكثر فأكثر في فهم شخص الرّبّ يسوع المـسيح وكُلّ ما علّم وفعل. إنطلاقًا من هُنا أصبح الرّبّ يسوع المـسيح هو الطّريق والحقّ والحياة الّذي به نتعرّف على ماهيّة الله وفقًا لما كشفهُ لنا بتعليمه وثبّتهُ لنا بقيامته، وشهدت لهُ الكنيسة إلى يومنا هذا.

يقولُ لنا الرّبّ يسوع في الإنجيل وهي صادقةٌ كلمتُهُ لأنّهُ القيامة والحياة: “لا يزالُ عندي أشياء كثيرة أقولُها لكُم، ولكن لا تُطيقون الآن حملها”. فما هي هذه الأشياء؟ منها جوهرُ الله الّذي لا طالما تكلّم يسوعُ عن علاقته به “أنا والآبُ واحد”. فمن يتطلع جيّدًا على إنجيل يوحنّا يكتشف الحُضور الدائم للثالوث الأقدس إن في كلمات وتعليم يسوع أو حتّى في أعماله. إنّ طبيعتنا البشريّة لا تستطيع أن تحتوي وتفهم ما يفوقُها، فهي عاجزة حتّى عن فهم ذاتها. من دون النّعمة الإلهيّة وقُوّة وعمل الرُّوح القُدُس، نحنُ لا نستطيع أن نعرف الله وأن نقول بإيمانٍ فاعل بالمـحبّة أنّ يسوع هو الرّبّ.

يُؤكّد لنا الرّبّ يسوع، أنّهُ “متى جاء الرُّوح القُدُس أرشدنا إلى الحقّ كُلّه”، وهُنا يكشف لنا في سياق كلامه أنّهُ ليس شيئًا أو عطيّةً ما، بل هو شخصٌ في ذاته ولهُ مكانتهُ وموقعهُ الخاصّ بين الآب والإبن ومعهُما. كما أنّ الآب والرّوح شهدا على هويّة يسوع ودعوته المـسيحانيّة، هكذا هُنا، الإبن والآب يشهدان على دور الرُّوح القُدُس، تمامًا مثلما يشهدُ الإبن والرُّوح معًا على دور الآب. يقودُنا الرّبّ يسوع من خلال تعليمه هذا لنكتشف ديناميّة العلاقة الثابتة والقائمة والمـُستدامة في جوهر الله الإله الواحد. هُنا نتطلّع إلى معنى الشّركة والمـحبّة في الثالوث الإله الواحد.

الإيمانُ بالثالوث الإله الواحد، يختلف تمامًا عن الإيمان بالإله الواحد. وذلك لا بهدف إقناع المـنطق البشريّ، ولا بهدف اختيار منهج فلسفيّ أو لاهوتيّ، بل إنطلاقًا من جوهر طبيعة الله الّتي عرفنا عليها الرّبّ يسوع، القائمة على أمرين: المـعيّة والعلاقة في المـحبّة اللّامُتناهية. هذا ما تصبو إليه طبيعتنا البشريّة. نحنُ نُريدُ أن نُحبّ وأن نُحبّ. نحنُ نرغب أن نكون دائمًا مع الآخر الّذي نُحبّهُ، ونُريدُهُ أن نكون معًا شُركاء أي في علاقةٍ ثابتة تُحكُمُها الحُرّيّة والمـُساواة والكرامة. الإيمانُ بإلهٍ واحدٍ تدفعُنا للبحث عن علاقةٍ مُباشرةً به ومعهُ على مُستوى أنّهُ الخالق، وهُنا يكونُ على مسافةٍ منّا، فلا مُشاركة بل علاقة يحكُمُها النّظام والشّريعة. بينما الإيمانُ بالثالوث الإله الواحد تدفعُنا لا للإنفتاح عليه وحسب، بل أيضًا لعيش المـحبّة مع الآخرين كعلاقة تقومُ على إحترام فرادة وميزة وحُرّيّة الآخر، كشخص وعلى المـُساواة معهُ في كُلّ شيءٍ. فلنطلُب من إلهنا الثالوث الأقدس، أن يزيدنا معرفةً لهُ لا على مُستوى الفكرة والمـنطق، بل على مُستوى العلاقة في المـحبّة الخالصة، كيما نعيش سرّ لاهوته، مثلما عاشهُ الرّبّ يسوع معنا، آمين

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!