تابعونا على صفحاتنا

مقالات

نَفَخَ يَسوع فيهِم روحَهُ القُدّوس حتّى المَلَأ!

صلاة للروح القدس

في العَشاءِ الأَخير عِندَما بَلَغَ الحُبُّ بِيَسوع أَقصى الحُدود أَيْ مِلءَ طَبيعَتِهِ الإِنسانِيَّة، وَبَعدَما غَسَل أَرجُلَ تَلاميذِهِ، أَلقى عَلَيهِم خُطبَةَ الوَداع، وَبَعدَ ذَلِكَ رَفَعَ صَلاتَهُ الكَهنوتِيَّة إِلى الآبِ السّماويّ مِنْ أَجلِهِم، واعِدًا إِيَّاهُمْ بِعَطِيَّةِ الرُّوحِ القُدُس، وَذَلِكَ لِكَيْ يَتَعَلَّموا وَيَتَذَكّروا كُلَّ ما عَلَّمَهُمْ إِياه، بَل أَكثَر مِن ذَلِكَ لِيَعيشَ فيهِم وَيَبقى مَعَهُم بَعدَ قِيامَتِهِ مِنْ بَينِ الأَموات، وَذَلِكَ بِطَريقَةٍ جَديدَة وَمُختَلِفَة.
صَيرورَةَ نُمُوِّنا وَنُضوجَنا في الحَياةِ يُحَتّمانِ عَلَينا حِفْظَهُما وَاستِخدامِهِما عَنْ طَريقِ الذاكِرَة. الذاكِرَة لا تَحتَوي فَقَط ذِكرياتٍ مِنَ الماضي، لا بَلْ تَحتَوي على كُلَّ تاريخنا وَماضينا. هيَ مِنْ خَصائِص الطَبيعَة البَشَرِيَّة وَمِنْ مُمَيِّزاتِها المـُتَّصِلَة بِالعَقل، وَفي المـَعنى الرُّوحيّ مَربوطَة بِصورَةِ اللهِ فينا. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا نَحنُ بِحاجَةٍ ماسَّة لِيَملِكَ عَلَيها الرُّوح القُدُس، وَإِلَّا نَبقى عُرضَةً لجِراحِنا وَلِرَدَّاتِ فِعلِنا، وَأَسرى الأَحداثِ الأَليمَة الَّتي مَرَّتْ عَلَينا مُنذُ طُفولَتِنا حَتَّى اليَوم الَّذي نَعيشُهُ في هَذِهِ اللَّحظَة. فَلِكَيْ نَكونَ أَحرارًا وَفقًا لِمَشيئَةِ الرَّبَّ يَسوع، قَدْ أَعطانا روحَهُ القُدُّوس، لا بَلْ نَفَخَهُ فينا، لِنَمْتَلِئَ مِنْ قُوَّتِهِ وَنَقائِهِ ونارهِ المـُطَهّرَة وَالمـُحَرّرَة. فَمَنْ أَرادَ التَجاوُبَ مَع مَشيئَة الرَّبَّ يَسوع عَلَيهِ بِأَمرَينِ مُتَرابِطَين وَمُتَكامِلَينِ مَعًا، هُما: أَن يُصلَّي بِحَرارَةٍ وَصِدقٍ وَإيمان مُتَوَسّلًا عَطيَّةَ الرُّوحِ القُدُس. وَأَن يَتَأَمَّل في كَلِماتِ يَسوع المـَكتوبَة في الإِنجيل المـُقَدَّس. مِن خِلالِ هذا النَّمَط يُعِدُّ قَلبَهُ لِيكونَ مَسكِنًا للرُّوحِ القُدُس.
مِنْ دونِ الرُّوحِ القُدُس، نَبقى أَولادَ آدَم الأَوَّل، أَولادُ الخَطيئَة، وَتَحتَ سُلطَةِ أَجسادِنا وَأَهوائِنا وروحِ هذا العالَم. وَحدَهُ الرُّوح القُدُس يُحَقِّقُ فينا فِداءَ الرَّبَّ يَسوع وَيُنتِج ثِمارَهُ المُحِيِيَة فينا، لِنَكونَ فيهِ خَلقًا جَديدًا. مِن هُنا نَرى الإِنجيليّ يوحَنَّا الَّذي سَلَّطَ الضوء لاهوتيًّا على أَنَّ يسوع هوَ الكَلِمَة الَّذي بِهِ كانَ كُلُّ شَيءٍ وَمِنْ دونِهِ ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان، هوَ نَفسُهُ بَعدَ القِيامَة “نَفَخَ الرُّوحُ القُدُس في التَّلاميذ”، وَذَلِكَ تَأَكيدًا عَلى أَنَّهُ اللهُ الخالِق، وَعَلى أَنَّ الخَلق الجديد هوَ أبْعَد وَأَعمَق منْ بُعدِ التَكوين الجَسديّ، لِيُصبِحَ تَكوينًا روحِيًّا باطنيًّا غايَتَهُ الحَياةَ الأَبَديَّة وَالشَّرِكَة الدَّائمَة مَع الله الثالوث الأَقدَس، في مَجدِ مَلَكوتِهِ الأَزَليّ؛ قَد نَتَحَرَّكُ في الجَسَد، وَلَكِنْ قَد نَكونُ أَمواتًا في الرُّوح. لِذَلِكَ أَن نَكونَ أَحياءً، لا يَعني أَن نكونَ مَوجودين، بَل أَن نَحيا وجودَنا بقُوَّةِ الرّوح القُدُس.
لَطالَما طَلَبَ مِنَّا الرَّبَّ يَسوع أَن نَطلُبَ أَوَّلًا الرُّوحَ القُدُس، وَكُلُّ شَيءٍ يُعطى لَنا وَيُزاد. فَعِندَما نَطلُبُ الرُّوحَ القُدُس، هذا يَعني أَنْ يَنفُخَ فينا يَسوع قُوَّتَهُ المـُطلَقَة، أَيْ أنَ يُصبِحَ هُوَ مَنْ يُحَرِّكُنا مِنَ الدَّاخِل. هوَ مَنْ يَملَأ فَراغَ قُلوبَنا وَيُحَوّل ما فينا مِنْ ضُعفٍ وَنَقصٍ وَعَدَمٍ وَهَشاشَة إِلى كِيانٍ روحِيٍّ خَصبٍ يُعطي حَياةً مِمَّنْ هوَ الحَياةُ في ذاتِه. جَديرٌ بِنا أَن نَتَأَمَّل في معنى “نَفَخَ فيهِم الرُّوح القُدُس”. تَمامًا كَما فَعَلَ مَع مَريَمَ العَذراء. هذا هوَ جوهَر عيد العَنصَرة، أَنْ تُصبِحَ عَطايا وَمَواهِبَ الرُّوحَ القُدُس لا شَيئًا زائِدًا عَلى حَياتِنا أَو عَلى شَخصِيَّتِنا، بَلْ جِزءًا أَساسِيًّا وَجَوهَرِيًّا مِنْ إِنسانِنا الجديد الَّذي أَرادَهُ الرَّبَّ يَسوع خَلقًا جَديدًا.
لا أَحَدَ مِنَّا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ مِنْ تِلقاءِ ذاتِهِ حُبًّا مَجَّانِيًّا. لا أَحَدَ مِنَّا يَستَطيعُ أَن يُعطي بِسَخاءٍ دونَ مُقابِلٍ أَو غايَة. لا أَحَدَ مِنَّا يَستَطيعُ أَن يَغفِرَ وَيُسامِحَ وَيَصفَحَ لأَعدائِهِ وَخاصَّةً لمَنْ فَعَلوا بِه وَفيهِ السُّوءَ وَالشَّرَّ. لَكِنْ المـُفارَقَة مَعَ المـَسيح هيَ قُوَّة المَحَبَّة الَّتي ابتَلَعَتْ المـَوتَ بِالغُفران، وَأَثبَتَتْ حُضورَها وَدَيمومَتِها إِلى الأَبَد بِالقِيامَة. مِنْ هُنا لا نَستَطيعُ أَن نَكونَ خَلقًا جَديدًا مِنْ دونِ عَطيَّةِ الرُّوح القُدُس. صادِقَةٌ هيَ الكَلِمَة، لَقَدْ نِلنا الرُّوحَ القُدُسَ في يَومِ عِمادِنا وَعِندَ قَبولِنا لِسِرّ التَّثبيتِ أَو الكَهنوت أَو الأُسقُفِيَّة، وَلَكِنْ إِذا لَمْ نَدَعْهُ يَجتاحُنا بِمِلءِ حُرِّيَّتِنا، نَكونُ مِثلَ ذاكَ الرَّجَلُ الَّذي دَفَنَ وَزنَتَهُ وَلَمْ يَستَثمِرها أَبَدًا. لِقَدْ أُعطينا الرُّوحَ القُدُسَ بِغَيرِ حِسابٍ، أَيْ حَتَّى الملء، فَهوَ يَكفينا بِالنِّعمَة وَالخير، وَيَبقى صِراعُنا وَتَجرِبَتُنا الرُّوحِيَّة أَنْ نُؤمِن أَنَّ قُوَّةَ اللهِ فينا أَكبَرُ جدًّا منْ خَطايانا وَضُعفَنا وَنَقصَنا.
حَيثُ يَكونُ روحُ الرَّبَّ، هُناكَ تَكونُ الحُرّيَّة. هوَ البارَقليط، المـُحامي وَالمـُعَزّي وَمُعطي المـَواهِب. لِذَلِكَ لا يُبنى إِنسانَنا الجَديد عَلى الشّريعَة وَعَلى الحَرف وَالقانون، بَل عَلى كَلِمَة اللهِ الَّتي هيَ روحٌ وَحَياة، وَالَّتي تَجعَلْ مِن إِنسانيَّةِ يَسوع أَيقونَةَ الآب الَّتي بِقُوَّة الرُّوحِ القُدُسِ العامِلِ فينا تَجعَلُنا نَبلُغُ مَواعيدَ المـَسيح، أَي القِيامَةَ وَالحَياةَ الأَبَدِيَّة. في الوَقتِ الَّذي كانَ يَحتَفِل فيهِ اليَهودُ بِعيدِ العَنصَرة كَمُناسَبة لاحتِفالِهِم بِعَطِيَّة التَّوراةِ لِموسى، نَفَخَ يَسوع روحَهُ في التَلاميذ، لِتُصبِحَ الشّريعَةَ لا مَكتوبَةً على أَلواحٍ مِنْ حَجَرٍ، بَلْ لِتَظهَرَ في أعمالِهِم وَأَقوالِهِم فَيَعرِفَ العالَم حُضورَ مَلَكوتَ اللهِ في وَسَطِهِ. عَلَينا نَحنُ اليَومَ أَن نَكونَ صادِقينَ وَأَن نَطلُبَ مِنْ يَسوع أَن يَنفُخَ فينا روحَهُ القدّوس بِقُوّةٍ لِنَكونَ خَلقًا جَديدًا. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!