تابعونا على صفحاتنا

مقالات

مقياسُ المحبّة الّتي دُعينا إلى عيشها هي محبّةُ يسوع!

يقول المـثل الشّعبي: الحياةُ مدرسة. ندخُلُها لنتعلّم الكثير فيها ومنها، ليصير ما نتعلّمُهُ جزءًا أساسيًّا من تكوين شخصيّتنا. كُلُّ شيءٍ نتعلّمُهُ، نكتسبُهُ، وكُلُّ شيءٍ نكتسبُهُ يُصبحُ لدينا فيه الخبرة والإرث. من بين الأُمور الّتي نتعلّمُها هي المـحبّة الّتي لا نستطيعُ أن نكتسبها إلّا عن طريق اللّقاء مع الآخر، وعن طريق انفتاحنا عليه بدءً من عدم إصدار الأحكام المـُسبقة، ووضع الحواجز العائقة. بل عن طريق معرفة حُدودنا وحدود الآخر واحترامنا لحُرّيّة كُلّ شخصٍ فينا، وذلك على مُستوىً أخلاقيٍّ شريف.

يتأثّر تعلُّمنا للمحبّة أوّلًا في التّموضُع الّذي نأخُذُهُ في علاقاتنا، وثانيًا في طريقة تفاعُلنا مع الحُبّ الّذي نشعُرُ فيه وكيفيّة استقبالنا لهُ. ثالثًا يتأثّرُ بشكلٍ كبير بجراحنا ومخاوفنا. لكي نستطيع أن نُحبّ ونُحبّ علينا أن نُدرك في أعماق قُلوبنا، أنّنا خُلّقنا بهدف الحُبّ، وأنّ حاجتنا الماسّة والضّروريّة والعميقة هي المحبّة المُرادفة والمـُوازية للحياة. من لا يستطيعُ أن يُحبّ ويُحبّ هو شخصٌ ميت. قد نكونُ هذا الشّخص، لذلك علينا أن نعود إلى مدرسة الحياة، لنتتلمذ عند مُعلّم المـحبّة وهو ربُّنا يسوع المـسيح. هو الّذي أوصانا قائلًا: “أحبُّوا بعضكُم بعضًا، كما أنا أحببتُكُم”.

 من خلال وصيّة الرّبّ يسوع لتلاميذه لعيش المـحبّة، يظهر جليًّا النّقص الّذي أراد إملائه. أوصاهُم بهذه الوصيّة بعدما رأى شجاراتهم المـُتكرّرة حول من هو الأكبر فيما بينهُم. وبعدما غسل أرجُلهُم، جاعلًا من المـحبّة قرينة التّواضُع والخدمة والعطاء. على الرُّغم من معرفة التّلاميذ لمحبّة الرّبّ يسوع لكُلّ شخصٍ فيهم، لم ينفتحوا بادئ الأمر على اتّخاذها نموذجًا ليعيشوها مع بعضهم البعض ومع الآخرين. لقد كانوا أنانيّين، يُريدُ كُلُّ واحدٍ منهُم أن يكون يسوع لهُ فقط. إنطلاقًا من هُنا، أصبحت الوصيّة الجديدة، تقومُ ليس فقط على استقبال محبّته الكبيرة، بل على التّفاعُل معها من خلال التّمرُّس على عيشها، بُلوغًا إلى التطابُق معها.

لقد طلب الرّبّ يسوع من تلاميذه، من خلال وصيّته الجديدة، أن يُؤكّدوا على محبّتهم لهُ من خلال محبّتهم لبعضهم البعض على مثال محبّته لكُلّ واحدٍ منهُم شخصيًّا. هكذا أصبحت نتيجة حُفظ هذه الوصيّة ديمومة محبّة الرّبّ وسط التّلاميذ الّتي تجمعُهُم ولا تُفرّقُهُم، رُغم ما فيهم من اختلافٍ في الطّباع والشّخصيّات.

لا بُدّ لنا هُنا أن نتوقّف عند محبّة الرّبّ يسوع الّتي أظهرها تُجاه تلاميذه وتُجاه كُلّ واحدٍ منهُم. أوّلًا هو الّذي اختارهُم وقبلهُم تلامذةً لهُ، لا على مُستوى مواهبهم وقُدُراتهم وإمكانيّاتهم المعنويّة أو الماديّة أو الرُّوحيّة، بل انطلاقًا من معرفته المـُسبقة لما فيهم من ضُعفٍ ونقصٍ وخطيئةٍ وهشاشة. ثانيًا، أحبّهُم إذ كشف لهُم أسرار قلبه، مُكرّسًا وقتهُ ورسالتهُ وتعليمهُ لهُم. ثالثًا، أحبّهُم إذ أعطاهُم خصائص بُنُوّته للآب السّماويّ وذلك قبل أن يموت من أجلهم على الصّليب، أي عندما أعطاهُم سُلطانهُ ليكونوا رُسُلًا يشفوون المرضى ويطرُدون الأرواح النّجسة باسمه. أخيرًا أحبّهُم إلى أقصى الحُدود، عندما كسر ذاتهُ في العشاء الأخير، ليمتدّ بذل ذاته من أجلهم من خلال الآلام والصّلب والمـوت، ليكون لهُم مغفرةً لخطاياهُم، ولينالوا الحياة الأبديّة.

لكي نستطيع عيش محبّة الرّبّ يسوع في حياتنا، ولكي نكون أمينين ومُخلصين لهُ، يجب علينا دائمًا أن نتوقّف عند تعابير المـحبّة الّتي أظهرها تُجاهنا في تجسُّده وتعليمه وآلامه وموته وقيامته، فأصبحت الحقيقة الّتي تُعطينا المعنى العميق لوجودنا. علينا أن نتوقّف أمامها عن طريق الصلاة والتأمُّل والتّفكُّر فيها بشكلٍ عميق، لكي تُصبح هي المـُحرّك الأساسيّ لوجودنا. خبرةُ القدّيسين تُعلّمُنا كيف كانوا يتذوّقون هذه المـحبّة، وكيف نهلوا من يُنبوع مراحم الرّبّ فأحبُّوا أعداءهُم وانتصروا على تجاربهم حُبًّا وأمانةً لهُ.

رُبّما نجدُ أنفُسنا أنّنا لا نستطيع عيش وصيّة المـحبّة الّتي علمنا إيّاها الرّبّ يسوع. رُبّما نظُنُّ أنّ مقياسها يتخطّا قُدُراتنا بسبب جراحنا وخيبات أملنا، فلا نستطيعُ بُلوغهُ، ولكن إذا تأمّلنا في مسار المـحبّة الّذي قدّمهُ لنا الرّبّ يسوع، نتعلّمُ كيف بإمكاننا المُضيّ فيه حتّى النّهاية. علينا بادئ الأمر أن نقبل محبّتهُ المجّانيّة لنا وأن نُؤمن بقُدُراتها الّتي تجعلُنا أبناء القيامة؛ محبّةُ الرّبّ أقوى من ضُعفنا وخطيئتنا. علينا بادئ الأمر أن نقبل بعضُنا البعض من دون إدانةٍ وأحكامٍ مُسبقة، كما يسوعُ قبلنا، ومتى أصبحنا أُمناء لهُ تُصبحُ محبّتُنا تواضُعًا وخدمةً وعطاءً وغُفرانًا تُجاه بعضنا البعض، غير راجين ولا مُنتظرين أن يُبادلنا أحدًا الحُبّ، بل راسخين بمحبّة يسوع الثابتة لنا.  آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!