تابعونا على صفحاتنا

مقالات

رسالَةُ يسوع التبشيريّة ذاتُ خَمسَةِ أَبعاد!

نرى في التّقليد الكَنَسيّ أَنَّ الرُّهبانَ وَالرّاهِبات، الكَهَنَة وَالأَساقِفَة وَحتّى المتَزَوِّجين يَختارونَ شِعارًا لِتَكَرّسِهِم أَو لإِلتِزامِهِم أَمامَ اللهِ وَالكَنيسَة. يُعَبِّر الشّعار دائِمًا عَنْ الإِنطِلاقَة الَّتي يَتَّخِذها الشَّخص لِنَفسِهِ، وَهو غالِبًا ما يَنشَأ مِن أَمرَين: الخِبرَة الشَّخصِيَّة وَالنَّظرَة الخاصّة إِلى الحَياة، وَالرَّغبَة الكامِنَة في صَميمِ القَلب. مَنْ اختارَ شِعارَهُ على أَساسِ الصّلاة وَالتّمييز، نَجِدَهُ يَسعى كلَّ يَومٍ وَفي كلِّ عَمَلٍ لِتَحقيقِ مَعنى وَهَدَف الشّعار المـرافَق بِالقَسَمِ الَّذي قَطَعَه. السُؤالُ الَّذي نَطرَحْهُ هُنا، هَلْ نَرى هذا الأَمر في حَياةِ الرَّبَّ يَسوع؟

عِندَما نَأتي إِلى مُقِدِّمَة إِنطلاقَة دَعوَة الرَّبّ يَسوع التَبشيريَّة حَيثُ سَيُعرَف أَنَّهُ مَسيحُ الله، نَجِدُها مُنتَقاةً بِشَكلٍ رائِع مِنْ كِتابِ النّبيّ أَشَعيا. نَسمَعُها مُعلَنَةً مِنْ فَمِ يَسوع في مَجمَعِ النَّاصِرَة حَيثُ نَما وَتَرَعرَعَ بِالنِّعمَةِ وَالقامَةِ وَالحِكمَة. ميزَةُ هذا الإِنتِقاء، أَوَّلًا هوَ إِستِكمالٌ وَإِيضاحٌ لِمَعنى وسبب حلولِ الرّوحِ القدُسِ عَلى يَسوع في نَهرِ الأردُن. ثانِيًا، إِعلانٌ واضِح عَلى أَنَّهُ مَسيحُ الله. يَختُمْ يَسوع قِراءَتَه بِقَولِه: “اليَومَ تَمَّت هذِهِ الآيَة بِمَسْمَعٍ مِنكُم”. بِهَذِهِ الطَّريقَة أَكَّدَ على عَمَل الرّوح القدُس وَعلى دَعوَتِهِ أَنَّهُ المـَسيحُ الحَقّ، وَأَيضًا دَعا سامِعيهِ وَنَحنُ اليَومَ مِنْهُم لِنَنظُرَ إِلى أَعمالِهِ على ضَوءِ نُبُؤَة أَشَعيا الَّتي سَمِعناها مِنْ فَمِهِ؛ إِذًا هُنا نَجِدُ شِعارَ رِسالَةِ يَسوع، وَمِن هُنا لِماذا تَجَسَّدَ!

لِكَيْ نَفهَمَ جَيّدًا رِسالَةَ يَسوع، يَكفينا أَن نَتَأَمَّلَ في الشّعار الَّذي انتَقاهُ لَهُ الرُّوحُ القُدُس وَالَّذي عَمِلَ عَلَيهِ يَسوع طَوالَ حَياتِهِ الزّمَنِيَّة. أَوَّلًا يُعلِنُ يَسوع قائِلًا: “روحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء”. تَمَيَّزَت مَسحَةُ يَسوع عَنْ كَهَنَة وَملوك وَأَنبِياءِ العَهدِ القَديم، الَّذينَ كانوا يُمسَحونَ بِالزَّيت المُقَدَّس علامَةً لِتَكَرُّسِهِم لله في الخِدمَة الَّتي يَقومونَ بِها. المـَسحَةُ هُنا لَيسَت مادّيَّةً وَمَنظورَةً، وَلَيسَت مِنْ عَمَلٍ بَشَريّ، إِنَّما هيَ مَحضٌ نازِلَةٌ مِنَ السّماء، وَمَلموسَةٌ بِالأَقوالِ وَالأَعمالِ وَالثِّمار الخلاصِيَّة. البُعد الأَوَّل مِنها هوَ تَبشيرُ الفُقَراء، أَيْ إِعلانُ كَلِمَةَ اللهِ وَتَدبيرَهُ الخَلاصيّ لِكُلِّ إِنسانٍ مَقصيٌّ وَبَعيدٌ وَمَتروكٌ وَمُهمَلٌ وَوَحيد، إِنَّهُم “العاناويم” أَيْ مَساكينُ الله. الَّذينَ لا تَعزِيَةَ لَهُمْ وَلا سَنَدَ لَهُمْ إِلَّا اللهَ وَحدَه، وَأَوَّلُ طوبى أُعلِنَتْ لَهُم. أَيقونَتَهُم لِعازار المـَرميّ عندَ بابِ الغَنيّ. هنا نَكتَشِفُ أَنَّ يَسوع أَتى إِلى الأَكثَرِ فَقرًا وَعَوَزًا وَحِرمانًا، وَمَجيئَهُ دَليلٌ قاطِع على رَحمَتِهِ اللَّامُتَناهِيَة.

البعد الثّاني: “وَأَرسَلَني لِأُعلِنَ لِلمـَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهِم”. في الواقِعِ التَّاريخي لَمْ يُخلِ يَسوع أَيُّ أَسيرٍ مِنَ السّجن، وَلَكِنْ عِندَما عَرَفَهُ سِمعانُ الشَّيخ عِندَ تَقدِمَتِهِ مَع مريم وَيوسف في الهَيكَل وَهوَ طِفلٌ، صَرَخَ هاتِفًا “الآن أَطلِق عَبدَكَ بِسلامٍ لِأَنَّ عَينَيّ قَد أبصَرَتا خَلاصَكَ”. وَعِندَما انتابَ يوحَنَّا المَعمَدان الشَّكَ وَالضّياعَ وَهوَ في سِجنِ هيرودوس، أَرسَلَ إِلَيهِ مَنْ يُخبِرَهُ أَنَّ العَلامات وَالأَبعاد المـَسيحانيَّة تَتَحَقَّق مَعْ يَسوع، فَنالَ التَّعزِيَة وَواجهَ المـوتَ بِشَجاعَةٍ وَرَباطَةِ جَأشٍ. الرَّبُّ يُخلي سَبيلَنا مِن قُيودِ الخَطيئَة بِقُوَّةِ الحَقّ الَّذي يُحَرِّرنا تَحريرًا.

البُعد الثّالِث: “وَلِلعُميانِ عودَةَ البَصَرِ إِلَيهم”. في الواقِع التاريخيّ شَفى يَسوع الكَثيرَ مِنَ العُميان، وَلَكِنَّهُ قالَ عَنْ نَفسِهِ: “أَنا نورُ العالَم، فَمَنْ يَتبَعني لا يَمشِ في الظّلام، بَلْ يَكونُ لَه نورُ الحَياة”. إِنطِلاقًا مِن هنا، أَصبَحَ العَمى الَّذي أَرادَ أَن يُحَرِّرَنا مِنْهُ، هوَ الجَهلُ وَالضّلالُ وَالضياع وَعَدَمُ الإِيمان، لِكي يَعودَ إِلَينا البَصَر لِنَرى أَنفُسَنا بِوَجهِ يَسوع أَنَّنا حَقًّا أَبناء وَبَناتِ اللهِ. في كُلِّ مَرَّةٍ نَحنُ نَعيش خارِج هَذِهِ الحَقيقَة، نَكونُ عميانًا وَإن كُنَّا نُبصِر.

البُعد الرَّابِع: “وَأفَرِّجَ عَنْ المـَظلومين”. نَرى يَسوع قَدْ أَفرَجَ بِرَحمَتِهِ عَنْ الإِمرَأَة الخاطِئَة، رُغمَ أَنَّها غَيرَ مَظلومَةٍ بِسَبَبِ خَطيئَتِها وَفقًا للشّريعَة، لَكِنَّ الحاكِمينَ عَلَيها ظالِمين لِأَنَّهم لَمْ يَدينوا أَنفسَهم. لَقَدْ أَفرَجَ الرَّبَّ يَسوعَ عَنْ اللِّصِّ التائِبِ، وَأَفرَجَ عَنْ كلِّ الَّذينَ اضطُهِدوا مِنْ أَجلِ اسمِهِ وَمِنْ أَجلِ البِرّ، وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ آلامِهِ وَمَوتِهِ وَقِيامَتِهِ. أَصبَحَ كلَّ مَظلومٍ يَنظرُ إِلى يَسوع المـَصلوب وَالقائِم من المـوت يَجِدْ عَزاءَهُ وَغِبطَتَه، وَأَيضًا يَعرِفْ أَن رَحَمَةَ وَعَدالَةَ اللهِ لا مَحالَة سَيَتَحَقَّقان.

البُعد الخامِس: “وَأُعلِنَ سَنَةَ رِضًا عِندَ الرَّبّ”. هذِهِ السنَة يوبيليَّة بِحَسَبِ التقليد اليهوديّ وَتَتَّسِمُ بِأَحكامِ الرَّحمَة. فَيَسوع جَعَلَ مِنْ كلِّ رِسالَتِهِ إِعلانًا لِمَلكوتِ اللهِ الَّذي مِلئُهُ الرَّحمَة وَالمَحَبَّة وَالمـَغفِرَة وَالسّلام. وَعِندَما قالَ: “اليَومَ تَمَّت هَذِهِ الآيَة…” أَشارَ إِلى أَنَّ الزَّمَن الإِلَهيّ – كِروس، قَدْ أَدخَلَنا هوَ فيهِ، “فَإِنَّ أَلفَ سَنَةٍ في عَينَيكَ، كَيومِ أَمسِ العابِر”، وَذَلِكَ بِقِيامَتِهِ مِن بَينِ الأَموات.

نَعَمْ نَبُؤَةُ أَشَعيا النّبيّ قَدْ تَحَقَّقَت بِيَسوعَ النَّاصِريّ إِبنُ يوسُفَ النجّار كامِلَةً، وَأَصبَحَت هَذِهِ النُبُؤَة مُفتاحًا لِقِراءَةِ الإِنجيلِ المـُقَدَّس وَلِحَياةِ وَرِسالَةِ الرَّبَّ يَسوع لِكُلِّ مَنْ يَرى وَيُبصِر بِعَينِ الإِيمان. يَبقى عَلَينا أن نَسأَلَ أَنفُسَنا، هَل تَسَلّمنا شِعارنا الشَّخصيّ وَرِسالَتنا مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وَنَحنُ على استِعدادٍ لِعَيشِ دَعوَتِنا عَلى مِثالِ يَسوع؟ دَعونا نَسأل الرُّوحَ القُدُس بِإِلحاحٍ أَن يَدفَعُنا بِقُوَّتِهِ، وَيَملَأَنا بِأَنوارِهِ، فَنَتَبعَ الرَّبَّ يَسوع، لِنُحيي رِسالَتَهُ الخَلاصِيَّة اليَوم في هذا العالم المـُضطَرِب، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!