مقالات

أَخيرًا، كَشَفَ يَسوعُ عَلى الصّليبِ مَصدَرَ سلطانهِ وقُوَّتِهِ!

لَقَد اعتَدنا أَن نَصدُرَ أَحكامًا عَلى نَوايا وَمَقاصِدِ النَّاسِ، انطِلاقًا مِنْ تَصَرُّفاتِهِم وَمَواقِفِهِم وَقَراراتِهِم وَكَلِماتِهِم. نَحكُمُ على قُلوبِ النَّاسِ انطِلاقًا مِن رُؤيَتِنا لِأَعمالِهِم. يَقولُ لَنا الكِتاب المـُقَدَّس أَنَّ اللهَ وَحدَهُ هوَ الَّذي يَسبِرُ وَيَفحَصُ أَعماقَ قُلوبِ البَشَر. إِذًا لَيسَ بِمَقدورِنا أَن نَحكُمَ عَلى قُلوبِ النَّاس، وَلَكِنْ باستِطاعَتِنا أَن نُمَيِّزَ وَنَحكُمَ عَلى أَعمالِهِم وَلَيسَ عَلى أَشخاصِهِم مِن مَبدَأ تَمييزنا للخَيرِ وَللشَّرّ على ضَوء كَلِمَةِ الله. كَيفَ لَنا إِذًا أَن نَعرِفَ ما يَكمُنُ في قَلبِ يَسوع الإِله الحَقّ وَالإِنسان الحَقّ، إِذا لَم يَكشِفَ لَنا هوَ نَفسُهُ عَنْ ذَلِكَ؟

يَقولُ لنا الكِتابُ المـُقَدَّس وَحدَهُ الرُّوحُ القُدُس يَسبِرُ أَعماقَ اللهِ. عِندَما نَقِفُ أَمامَ مَشهَدِ مَوتِ الرَّبَّ يَسوع على الصليب، وَنَسمَع آخِرَ كَلِمَةٍ قالَها، وَنَرى آخِرَ فِعلٍ قامَ بِهِ، وَهُما: “تَمَّ كُلُّ شَيء”، ثُمَّ حَنى رَأسَهُ وَلَفَظَ الرّوح. يَسوع الَّذي تَخَطّى شَريعَةَ السّبتِ، قالَ لَنا قَبلًا: “أَنا أَعمَل لِأَنَّ الآبَ ما زالَ يَعمَل”. نَراهُ وَنَسمَعهُ على الصّليب يُتَمِّمُ مَشيئَةَ الآبِ الخَلاصيَّة في مَوعِدِ ذَبحِ الحَمَل الفُصحيّ، وَقَبلَ مَطلَعِ ذاكَ السّبتِ العَظيم، الَّذي يُفتَتَحُ مَع طَعنِ جَنبِهِ بِالحَربَة، لِيَخرُجَ لِوَقتِهِ دَمٌ وماء، بَعدَ أَن لَفَظَ الرُّوحَ لِيَبقى لَنا كَلامَهُ روحًا وَحَياةً.

يَلفُتُ انتِباهَنا شاهِدُ العَيان التلميذُ الحَبيب أَنَّهُ على الفَورِ خَرَجَ مِنْ جَنبِ يَسوع دَمٌ وَماء. لِهذا الحَدَث رَمزٌ وَمعنى. أَوَّلًا لِعالَمِنا المـُعاصِر الَّذي يَستَنِد إِلى العَقلِ وَالعِلم يُبَيِّن حَقيقَةَ وَأَسبابِ موت يَسوع المـَصلوب عَلى المـُستَوى الطُبّيّ. ثانِيًا يُؤَرِّخُ لَنا حَدَثَ الخَلاص بِبُعدِهِ التاريخيّ مِنْ خِلالِ توصيف أُسلوب وَمَراحِل الصّلب عِندَ الرُّومان. ثالِثًا، يَكشِفُ لَنا أَنَّ يَسوعُ وَفقًا للنُّبُؤاتِ هوَ الهَيكَل الحَقيقيّ الَّذي سَيَجري مِنْهُ أَنهُر يُنبوع النِّعمَة، مُوازاةً مَع إِنشقاقِ حِجابِ الهَيكَل. لَقَد أَصبَحَ يَسوع بِمَثابَةِ الصَّخرَة الَّتي ضَرَبَها موسى في عَصاتِهِ مَرَّتَين، فَخَرَجَ مِنها في المـَرَّةِ الأُولى دَمٌ، وَفي المـَرَّةِ الثانِيَة ماءٌ، فَأَسقى الشعبَ العَطشانَ في البِريَّة.

مَعَ خُروجِ الدّمِ وَالماء مِن جَنبِ يَسوع، نَتأَمَّل مَشهَد الخَلقِ الجَديد الَّذي حَقَّقَهُ بِمَوتِهِ على الصّليب. يَرمُزُ الدَّمُ في الكِتابِ المـُقَدَّس إِلى الذَّبيحَة وَإِلى العَهد، وَإِلى الحَياةِ، وَإِلى الشهادَة بَدءً مِنْ هابيل وصولًا إِلى زَكَرِيَّا الَّذي قُتِلَ في الهَيكَل. وَالخَتمُ بِالدّمِ يَرمُزُ إِلى الخَلاص، كَما فَعَل العِبرانِيّونَ يَومَ خَرَجوا مِنْ أَرضِ مِصر. يَرمُزُ الماءُ إِلى قُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس الَّذي كانَ يُرَفرِفُ مُنذُ بَدءِ الخَلقِ، وَإِلى المـَعمودِيَّة وَالوِلادَة الجَديدَة مِن خِلالِ طوفانِ نوح وَعِماد الرَّبّ عَلى يَدِ يوحنّا المعمدان في نَهرِ الأُردُن. لَقَد قالَ يَسوعُ قَبلًا لِلمَرأَة السامريَّة: “الذي يَشرَبُ مِنَ الماءِ الَّذي أُعطيهِ أَنا إِيَّاهُ، فَلَن يَعطَشَ أَبَدًا، بَلِ الماءُ الَّذي أُعطيهِ إِيّاهُ، يَصيرُ فيهِ عَينَ ماءٍ يَتَفَجَّرُ حَياةً أَبَدِيَّة”. وَفي العَشاءِ الأَخير، قالَ على كَأسِ البَرَكَة: “اشرَبوا منها كُلُّكُم، فهذا هو دمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجلِ جَماعَةِ النَّاسِ لِغُفرانِ الخَطايا”.

إِنطِلاقًا مِمَّا أَشَرنا إِلَيهِ، نُدرِكُ المـَعنى الرّوحيّ لِخُروجِ الدَّمِ وَالماءِ مِن جَنبِ يَسوع. نُدرِكُ أَيضًا المَعنى اللِّيتورجيّ في خِدمَةِ القُدَّاس الإِلهيّ حَيثُ يُمزَجُ الماءُ بِالخَمر، لِيُصبِحَ القُدّاس بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ امتِدادًا روحيًّا حَقيقيًّا وَفِعلِيًّا لِلعَشاءِ الأَخير وَلِحَدَثَي الموت وَالقِيامَة. في حَدَثِ الصَلب نُشاهِدُ المَـوت المـُتَصِّلِ بِالمَعمودِيَّة وَمَغفِرَةِ الخَطايا. وَفي القِيامَة نُشاهِدُ العَهدُ الجَديد مع الرَّبّ لِحَياةٍ أَبَدِيَّة.

هَكَذا نَستَطيعُ أَن نَفهَم قُوَّة شَهادَة التلميذ الحَبيب الواقِف عِندَ الصليب، حَيثُ أَصبَحَ مَشدودًا بِكُليَّتِهِ إِلى قَلبِ يَسوع المـَطعونِ بِالحَربَة. أَصبَحَ شاهِدًا لِرَحمَةِ الرَّبّ اللَّامُتَناهِيَة. هو الَّذي اتَّكأَ عَلى صَدرِهِ في العَشاءِ الأَخير، وَسَمِعَ خَفَقاتَ قَلبِهِ. هوَ نَفسُهُ رَأى الدَّمَ وَالماءَ يَتَدَفَّقانٍ رَحمَةً وَغُفرانًا وَسَلامًا وَمَحَبَّة. لَقَد رأَى مِن جَنبِ يَسوع المـَطعونِ بِالحَربَة بابَ الفِردَوسِ المـَفتوح لِكُلّ مَن يُؤمن بابنِ الله. لِذَلِكَ يَكتُب في رِسالَتِهِ الأُولى قائِلًا: “مَنِ الَّذي غَلَبَ العالَم إِن لم يَكُنْ ذاكَ الَّذي آمَنَ بِأَنَّ يسوعَ هوَ ابنُ الله؟ هذا الَّذي جاءَ بِسَبيلِ الماءِ والدَّم يسوعُ المسيح. لا بِسَبيلِ الماءِ وَحْدَه بل بِسَبيلِ الماءِ والدَّم. والرُّوحُ يَشهَد لأَنَّ الرُّوحَ هو الحقّ”.

شَهادَةُ التلميذ الحبيب عَلى مَوتِ يَسوع، هيَ دَعوَةٌ لِكُلِّ شَخصٍ مِنَّا لِكَيْ نَتَأَمَّلَ في مَحَبَّة وَرَحمَةِ الرَّبَّ اللَّامُتَناهِيَة. دَعوَةٌ لَنا لِكَيْ نَتَّحِدَ بِهِ مِنْ خِلالِ سرّ الإِفخارِستيّا. على الصّليب أَعطى يَسوع الجَوابَ لَنا وَلِخُصومِهِ وَلِأَعدائِهِ بِأَيِّ سُلطانٍ أَجرى كُلّ المـُعجِزات. لِأَنَّهُ أَحَبَّنا إِلى أَقصى الحُدود، وَلأَنَّهُ الرَّحمَةُ اللَّامُتَناهيَة في ذاتِهِ، وَتَأكيدًا على أَنَّهُ ابنُ اللهِ الحَيّ الَّذي أُولِيَ كُلَّ سُلطانٍ في السّماءِ وَعلى الأَرض، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!