مقالات

غَرَسَ يَسوعُ قَلبَهُ في إِنسانِيَّتِنا، لِيَكونَ حَجَرَ الزاوية لِبناءِ قَداسَتِها!

بِكَثيرٍ مِنَ الأَوقات نَظُنُّ أَنَّ أَعداءَنا وَخصومَنا، هُم مِن خارِج بُيوتِنا، وَيَختَلِفونَ عَنَّا بالمـُعتَقَد وَالإِنتِماءِ وَالأَهداف. عِندَما نَسمَع إِنجيلَ مَثَل الكَرَّامين القَتَلَة، نَرى أَنَّ الرَّبَّ يَسوع يُحَذِّرَنا مِنْ أَن نَكونَ أَعداءً لِأَنفُسنا، وَخُصومًا لِخَلاصِنا، وَلِمُخَلِّصِنا، لِأَنَّنا نُريدُ امتِلاكَ ما أُوكِلَ إِلينا مِن قِبَلِه، وَهوَ نُفوسَنا.

نَسمَعُ يَسوع يَتَكَلَّم عَنْ كَرْمٍ مُسَيَّجٍ يَحتَوي على مَعصَرَةٍ وَعلى بُرجٍ. أَي أَنَّ هذا الكَرمَ مُتَطَوّرٌ وَحَديثٌ جِدًّا. لَكن المـُشكِلَةَ في قُلوبِ الَّذينَ أُوكِلَ إِلَيهِم الكَرْم. يُعتَبَرُ الكَرم في الكِتاب المـُقَدَّس شَعبُ الله، وَالكَرَّامونُ هُم الَّذينَ أُوكِلَ إِلَيهِم خِدمَة شَعب الله وَرِعايَتِهِ وَفقًا لِمَشيئَةِ قَلبِ صاحِبِ الكَرم وَهوَ اللهُ القُدّوس وَالصّالِح.

على مُستَوى المـَنطِق وَالفِطنَة، لا أَحَد يُهِيّءُ كَرْمًا صالِحًا، وَيَختارُ أَشخاصًا غَيرَ كَفوئينَ، أَو أَشخاصًا لا يَثِقُ بِهِم وَلا يُحِبُّهم، بَل على العَكس، يَختارُ صاحِب الكَفاءَة وَمَوضِع الثِّقَة. في نَظَرِ الرَّبّ كُلُّ واحِدٍ مِنَّا هوَ الكَرمُ الصّالِح الَّذي أَعَدَّهُ وَبَنى فيهِ مِعصَرَتَهُ، أَي إِمكانِيَّة الولادة الرّوحيَّة. وَبُرجَهُ أَي إِمكانِيَّة القداسَة، وَأَوكَلَ العِنايَةَ بِهِ لإِرادَةِ وَحُرِّيَّةِ كُلّ شَخصٍ مِنَّا.

لَقَد خَلَقَنا عَلى صورَةِ ابنِهِ الحَبيب، وَجَعَلَ لَنا في مَعصَرَةِ الكَنيسَة المـُقَدَّسَة أَسرارَ الخَلاص، وَبَنى بُرجَ الصّليبِ المـُقَدّس المـُشرِفِ عَلى بابِ الحَياةِ الأَبَدِيَّة أَي القِيامَةَ في صَميمِ التَّاريخ البَشَريّ. لَقَد أَعَدَّ الآبُ كُلُّ شَيءٍ مِنْ أَجلِنا، لِكَي نَعرِفَ مَحَبَّتَهُ لَنا. في مَثَل “الكَرّامين القَتَلة” نَكتَشِفُ أَنَّ التجربة بَدَأَت مِن روحِ الطَّمَعِ وَالأَنانِيَّة القائِمة عَلى الفَهمِ الخاطِئ لِمَشيئَةِ الله، لِيُصبِحَ لاحِقًا عَدَمَ عُرفانٍ بِالجَميل، أَدّى أَخيرًا إِلى الحِقدِ وَإلى قَتلِ الأَنبياءِ والرُّسُل، وَإِلى صَلبِ يسوع ابنِ اللهِ الوَحيد. أَلَيسَت هَذِهِ خَطيئَةُ آدَم وَحَوَّاء، وَقايين، والملك داود، وَخطيئَة كُلّ واحِدٍ مِنَّا، عِندَما يُريدُ أَن يَنسُبَ الخَيرَ إِلى شَخصِه، رافِضًا الإِعتِراف بِمَواهِبِ وَنِعَمِ الرُّوحِ القُدُس عَلَيه؟

جَديرٌ بِنا أَن نَتَوَقَّفَ عِندَ ديناميكيَّة خَطيئَةَ “الكَرّامينَ القتلة”، لِنَتَجَنَّبَ الوقوعَ فيها. نَبدَأ أَوَّلًا مِنْ نَظرَتِهِم السلبِيَّة تُجاهَ صاحِبِ الكَرْم، وَشَهوَةِ الإِستيلاء عَلى الكَرْم، حَيثُ تَظهَر غَيرَتِهِم وَحَسَدِهِم، وَروح إِلغاء الآخر، بَهَدف السُّلطَة. كُلّ هذا يُعَبِّر عَنْ الشعور الذاتي بِالنَّقص، وَالرَّغبَة بِالإِستِقلالِيَّة عَنْ صاحِبِ الكَرم. هذه هي خَطيئَةُ التَّمَرُّد عَلى اللهِ وَعَلى وَصاياه.

نَحنُ أَيضًا، عِندَما لا نَرُدُّ الخَيرَ الَّذي فينا وَفي الحَياةِ وَعِندَ الآخرين إِلى الله، وَنَنسِبُهُ إِلى أَنفُسِنا، وَعِندَما نُريدُ تَحقيقَ أَنفُسِنا خارِجًا عَنْ مَشيئَةِ اللهِ مُسَخّرينَ كُلّ ما أَعطانا مِن نِعَمٍ إِلى أَنانِيَّتِنا، نُصبِح أَشباهَ هَؤلاءِ الكَرّامين القَتَلَة. يَقولُ لَنا يَسوع: أَنَّ الخَطايا والرّذائِل تَصدُرُ مِنَ القَلب. مَفهومُ القَلب في الكِتابِ المـُقَدَّس يَشمُل عَقلَ الإِنسانِ وَعاطِفَتَهُ مَعًا. لِذَلِكَ نَحنُ مَدعُوّونَ لِنُصلِح صورَتَنا عَنْ اللهِ. لَقَد أَعطانا كُلَّ شَيءٍ بابنِهِ الوَحيد، لَيسَ لِأَنَّهُ يُريدُ أَن يُحاسِبَنا، بَل لِأَنَّهُ يُريدُ أَن نَعرِفَ مَحَبَّتَهُ الخاصَّة لَنا. هوَ يَدعونا لِنَدخُلَ في عَلاقَةٍ شَخصِيَّة وَمُباشَرَة مَعَهُ فَنَختَبِرَهُ حَيًّا فينا. بِهَذِهِ الطريقَة نَسمَح لَهُ أَن يَملَأَ فَراغَ قُلوبِنا بِالنِّعمِ وَالفَضائِل، فَتُحَرَّر مِنَ الخَطايا وَالرَّذائِل. عِندَئِذٍ تُصبِحُ قُلوبَنا قادِرَةً أَن تَكون مَسكِنًا لله، فَنُعطيهِ إِيّاها.

يُعَلِّمُنا الرَّبَّ يَسوع أَلَّا نَسعى إِلى التَمَلُّك خوفًا مِنَ الفَقرِ أَو مِنَ الفَراغ الداخِلي، وَلا طَمَعًا بالمال بِسَبَبِ الجَشَعِ وَحُبّ السُّلطَة، بَل الوَثوقَ بِعِنايَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَالعُرفانَ بِالجَميلِ مِن خِلالِ الإِقرار بِعَطاياهُ الَّتي تُعَبِّر عَنْ مَحَبَّتِهِ المـَجَّانِيَّة لَنا. خُلاصَةُ مَثَلُ الكَرَّامين تُعطينا عِبرَةً كَبيرَةً أَنَّ مَنْ يَسعى إِلى التَمَلُّك وَالغِنى عَنْ طَريقِ نُكران الجَميل، وَإِلغاء حُضور اللهِ مِنْ حَياتِهِ، يَكونُ قَد أَلغى ذاتَهُ بِقَرارٍ مِنهُ. أَمَّا مَنْ كانَ أَمينًا، هوَ الَّذي يَشكُرُ بِفَرَحٍ وامتِنانٍ وَيَرُدُّ كُلَّ الخَيراتِ إِلى اللهِ. هذا الإِنسان لا يَخافُ أَن يَسلُبَهُ اللهُ شَيئًا، لِأَنَّه يَعرِفُ أَنَّهُ مُعطي الخَيراتِ لِيَزيدَها.

لِكَي نَستَطيعَ أَن نَكونَ كَرَّامينَ صالِحينَ، عَلَينا أَن نَطلُبَ مِنْ يَسوع أَن يَشفي نَظرَتَنا وَاعتِقادِنا الخاطِئ عَنْهُ. عَلَينا أَن نُؤمِن أَنَّ كَرْمَنا الخاصّ الَّذي يَعني شَخصَنا، هوَ عَلامَةُ مَحَبَّةِ اللهِ لَنا، وَقَد أَوكَلَ إِلَينا الإِعتِناءَ بِأَنفُسِنا، انطِلاقًا مِمَّا صَنَعَهُ مِنْ أَجلِنا حُبًّا بِنا. عَلَينا أَن نَستَفيدَ مِنْ كُلِّ لَحظَةٍ في حَياتِنا. لَقَد غَرَسَ يَسوع قَلبَهُ في إِنسانِيَّتِنا، لِيَكونَ حَجَر الزاوية لِبِناءِ قَداسَتِنا، فَلِنَطلُبَ مِنهُ أَن يَجعَلَ قُلوبَنا مِثلَ قَلبِهِ فَنَرُدَّ كُلَّ شَيءٍ مَعَهُ لِلآبِ السَّماويّ بِفَرَحٍ وَامتِنانٍ، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!