مقالات

أُعطينا أَثمَن العطايا وَمَصدَرَها جَميعًا: الرّوح القُدُس!

يقولُ المَثَلُ الصينيّ الشائِع: لا تُعطي وَلَدَكَ سَمَكَةً، بَلْ أَعطِهِ سَنَّارَةً وَعَلِّمهُ صَيدَ الأَسماك. يَنطَبِقُ هذا المـَثَل عَلى ما صَنَعَهُ مَعَنا الرَّبَّ يَسوع، عِندَما أَعطى رُسُلَهُ وأَعطانا الروحَ القُدُس. السُّؤال الّذي نَطرَحُهُ على أَنفُسِنا: هَل نَحنُ نُدرِكُ ما أُعطِيَ لَنا؟ هَل نَحنُ نَعلَم مَن هوَ الرّوح القُدُس؟ عِندَما التَقى يَسوعُ بِالمـَرأَة السامريَّة، قالَ لَها: “لو كُنتِ تَعرِفينَ عَطاءَ اللهِ وَمن هوَ الّذي يَقولُ لَكِ: اسقيني، لَسَألتِهِ أَنتِ فَأَعطاكِ ماءً حَيًّا” (يو 4: 10).

وَحدَهُ الرَّبَّ يَسوع يَستَطيعُ أَن يُعطينا الرّوح القُدُس. انطِلاقًا مِنْ اختِبارِنا لِضُعفِنا الإِنسانِيّ. وَعلى أَساسِ مَعرِفَتَنا العَميقَة لِرَغبَةِ قَلبِنا الّتي تَتَحَقَّق في الخَير، وَإِقرارَنا المـُتَواضِع بِأَنَّ فَرَحَنا وَسَعادَتَنا وَسَلامَنا يَصدُرونَ مِنَ اللهِ وَحدَهُ لِأَنَّهُ الحَقّ وَالمـَحَبَّة، نَحنُ مَدعُوّونَ لِنَطلُبَ مِنهُ الرُّوح القُدُس. الرَّبُّ يُعطينا عَلى قَدَرِ ما نَسأَل بِإِيمانٍ وَصِدقٍ وَإِصرار. هوَ يُعطينا عَلى قَدَر ما نَرغَب بِعَطاياه. في الحَقيقَة هوَ أَعطانا، قَبلَ أَن نَسأَل، إِذ وَضَعَ فينا كَنزًا ثَمينًا، عَلَينا فَقَط أَن نَكتَشِفَهُ فينا مِنْ خِلالِ طَلَبِنا المـُلِحّ وَالصّادِق. في هذا الصّدَد يَقول لَنا القِدّيس بولُس: “إِنَّ لَنا هذا الكَنز في آنِيَةٍ مِنْ خَزَف”. مِن خِلالِ المَعمودِيَّة، تَحتَفِظُ إِنسانِيَّتَنا التُرابِيَّة بِكَنز الروح القُدُس. إِمَّا نَكتَشِفُ حُضورَ الرّوحِ القُدُسِ فينا، أَو نَحيا وَفقًا لِطَبيعَتِنا الجسديّة التُّرابيَّة.

في عالَمِ الطَّبيعَة، لا يَجتَمِعُ الماءُ بِالنَّار، وَلا الظُّلمَةُ بِالنُّور. أَمَّا طَبيعَتُنا البَشَرِيَّة الَّتي عَرَفَت تَجَسُّد الكَلَمِة الإِلَهيّ، فَهيَ تَجمَعُ فيها التناقُضات: النِّعمَةُ وَالخَطيئَة. نَحنُ نَعرِفُ فينا الخَيرَ وَالشَّرّ. نَحنُ نَنشَدُّ يَمينًا وَيَسارًا بِأَفكارِنا وَمَشاعِرِنا وَمُيولَنا وَأَهواءَنا وَقُدُراتنا. اختِبارُنا هذا لِطَبيعَتِنا البَشَرِيَّة يَضَعُنا دائِمًا في حالَةِ الصِّراع، الَّذي يُخاطِب حُرِّيَّتَنا لِنَختارَ لا ماذا عَلَينا أَن نَفعَل وَحَسب، بَلْ مَن نُريدُ أَن نَكون إِمَّا أَبناءَ الجَسَد، أَو أَبناءَ الرُّوح. إِمَّا أَبناءَ النُّور، أَو أَبناءَ الظُّلمَة. وَحدَها أَعمالُنا وَتَصَرُّفاتِنا هيَ ثِمارُ خَيارَنا الحَياتيّ. وَحدَها تُعَبِّرُ عَمَّا يَختَلِجُ في قُلوبِنا. طوبى لِمَن يُعيدُ قِراءَة حَياتِهِ، فَيُدرِكَ حَرَكَة قَلبِهِ وَيَفهَمَ تَصَرُّفاتِهِ وَدَوافِع أَعمالِه، فَيُصلِحَ ذاتَهُ بِالتَّوبَة الصّادِقَة. عِندَما نَطلُبُ مِن يَسوع أَن يَجذِبَنا إِلَينا، سَنَكتَشِف أَنَّ كَلامَهُ الحَيّ لَنا هوَ بِمَثابَةِ المِطرَقَة، وَالرُّوحُ القُدُس هوَ بِمَثابَةِ الإِزميل الَّذي يَحفُرُ طَبيعَتَنا البَشَرِيَّة لِيَظهَرَ فينا الإِنسانَ الباطِنيّ.

لَقَد عَرَّفَنا يَسوعُ عَلى الرّوح القُدُس على أَنَّهُ روحُ الحَقّ المـُنبَثِق مِنَ الآب. الرُّوح المـُؤَيّد، إِنَّهُ المـُحامي الَّذي لا يَقومُ دَورَهُ عَلى أَنْ يُرافِعَ عَنَّا، بَلْ على أَن يُدافِعَ عَنَّا في وَجهِ الشَّرّ وَالخَطيئَة وَالعالَم، شَرْطَ أَنْ نَدَعْهُ يُحيينا. هوَ دائِمًا فينا، وَإِلى جانِبِنا. لِذَلِكَ قالَ لَنا الرّسولُ بولُس: “لا تُحزِنوا الرُّوحَ القُدُس فيكُم”. نَحنُ غالِبًا ما نَستَسلِمُ لِأَهوائِنا، وَلِعاداتِنا التّربويَّة وَالإِجتِماعيَّة. نَستَسلِمُ لِأَفكارِنا وَمَشاعِرِنا. نَحنُ غالِبًا ما نُؤمِنُ بِضُعفِنا، أَو بِالأَكثَر نُؤمِن بِالصُّورَة الَّتي نُريُدُها عَنْ أَنفُسِنا. لَقَدْ أَعطانا يَسوعُ الرُّوحُ القُدُس، روحُ الحَقّ، الَّذي يَكشِفُ لَنا هُوِيَّتَنا الحَقيقيَّة. فيهِ وَحدَهُ نَعرِفُ مَواهِبَهُ الَّتي مَنَحَنا إِيّاها باسمِ مُخَلّصِنا يَسوع المـَسيح.

إِذًا الرُّوحُ القُدُس يَقودُنا إِلى الحَقّ. إِنَّهُ يُخرِجُنا مِنْ تَخديرِ الخَطايا، لِنَكونَ في نَهارِ النِّعمَة. نَحنُ الَّذينَ نَهرُبُ غالِبًا مِنْ تَحَمُّل مَسؤولِيَّةِ ضُعفِنا وَنَقائِصِنا. يَأتي الرُّوح القُدُس لِيَكشِفَ مَواهِبَهُ فينا وَالَّتي بِها نُواجِهُ حَقيقَةَ أَنفُسِنا. مِنْ خِلالِ مَواهِبِ الرُّوحِ القُدُس نَكتَشِفُ حَقيقَة ما أُعطيَ لَنا، وَما يَجعَلُنا نَكونُ أَبناءَ الله. لَنْ نَستَطيعَ إِدراكَ وَاختِبارَ هَذِهِ الحَقيقَة بَعيدًا عَنْ الرَّبَّ يَسوع وَعَنْ كَلامِهِ لَنا. كَما أَنَّ الفَنَّانَ الَّذي يَنحَتُ الصَّخرَ، يَرى مُسبَقًا على مُستَوى حَدْسِهِ وَمُخَيِّلَتِهِ المـَنحوتَة الَّتي يُريدُ أَن يَصنَعَها مِنَ الصّخرِ، كَذَلِكَ هيَ كَلِمَةُ الرَّبِّ لَنا، تَكشِفُ مَع قُوَّة الرُّوحِ القُدُس، إِنسانَنا الباطِنيّ الّذي هوَ على صورَةِ المـَسيحِ المـُتَجَسِّد وَالقائِم وَالمـُمَجَّد.

يَقولُ لَنا القِدّيس بولُس: “الَّذينَ يَنقادونَ لِروحِ الله، يَصيرون أَبناءَ اللهِ حَقًّا”. يَعني هذا الإِنقِياد، الإِصغاءَ لكَلِمَة يَسوع، الَّتي تُوَلِّدُ الطَّاعَة المـُقَدَّسَة الَّتي تَعني الفَهم العَميق لِمَعنى وَغايَة هَذِهِ الكَلِمَة، وَمن ثَمَّ العَمَلَ بِها حَتَّى النِّهايَة. يَقودُنا الرُّوح القُدُس إِلى يَسوع، فَنَقِفَ أَمامَ مِرآتِنا الأَبَدِيَّة. عِندَما نَختَبِرُ قُوَّةَ الرُّوحُ القُدُس فينا، يَنمو فينا الإِنسانَ الباطِنيّ، فَنَجِدُ أَنَّنا غُرَباءَ عَن هذا العالَم، وَأَنَّنا نَنتَمي إِلى مَلكوتُ اللهِ، فَلا يَعُد هُناكَ مِنْ شَيءٍ يُخيفُنا. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!