مقالات

هَيكَلُ الرَّبَّ يَسوع الجَديد عَلى أَنقاضِ الهَيكَل القَديم!

جَعَلَ أَحبارُ إِسرائيل وَكَهَنَتَها هَيكَلَ أُورَشَليمَ المـَركَز الأَساسيّ والرئيسيّ الدينيّ وَالسياسيّ لِأُمَّتِهِم، وَهوَ يُمَثِّلُ لَهُم على مُستَوى العَقيدَة وَالإِيمان مَركَز حُضورَ اللهِ وَسْطَ شَعبِهِ. قَد جَعَلوا مِنْهُ قُبلَةَ أَنْظارِهِم، فَأَصبَحَ يَحُجُّ إِلَيهِ اليَهود المـُقيمينَ في اليَهوديَّةِ وَالجَليل في الأَعيادِ الكُبرى، وَيُزادُ إِلَيهِم إِخوَتَهُم المـُقيمينَ خارِجًا في أَيَّامِ عيدِ الفِصح. في أَيّامِ هذا العيدِ سُمِعَ لِأَوَّلِ مَرَةٍ صَوتُ يَسوعَ مُرتَفِعًا في أَروِقَةِ الهَيكَل، حَيثُ باعَةِ الحَمامِ وَالغَنَمِ وَالبَقَر. هُناكَ أَمامَ تِلكَ الحُشود الغَفيرَة أَظهَرَ يَسوعُ وَجهَهُ النَّبَوِيّ عَلى مِثالِ إِرمِيا، وَعلى مِثالِ عَزرا وَنَحَميا مُنادِيًا بِتَطهيرِ الهَيْكَل مِن جَديد، لَيسَ فَقَط مِن خِلالِ طَردِ الباعَة، بَل أَكثَر مِن ذَلِكَ مِن خِلالِ إِلغاءِ الذَبائِح، بُلوغًا إِلى حَدِّ نَقض الهَيكَل.

إِذا نَظَرنا إِلى تَصَرُّفَ يَسوع مِنْ خِلالِ المـَوقِف اليَهوديّ، نَراهُ للوَهلَةِ الأُوَّلى كَأَنَّهُ كَفَرَ بِإِلَهِ إسرائيل وَفي إِيمانَهُم وَجَميعِ مُعتَقَداتِهِم. أَلَيسَ لِهذا السَّبَب حَكَموا عَلَيهِ بالصَّلبِ وَالمـَوت؟ أَمَّا إِذا نَظَرنا إِلى مَوقِفِ يَسوع النَّبَوِيّ مِن جانِبِ غَيرَتِهِ وَرِسالَتِهِ الإِلَهِيَّة، نَرى أَنَّهُ أَعطى الأَوّلِيَّة للإِنسانِ في عَلاقَتِهِ مَع الآبِ السَّماويّ، قَبلَ الذَّبائِحِ وَالطُقوسِ وَقُدسِيَّةِ يَومَ السّبت.

صَحيحٌ أَنَّ كُتُبَ التّوراةِ فَرَضَت عَلى اليَهودِ مَجموعَةً كَبيرَةً وَمُتَنَوِّعَةً مِنَ الذبائِحِ التَّكفيريَّة، لِكَي يَلتَمِسوا رِضى اللهِ وَغُفرانِهِ، لَكِنَّ أَشَعيا أَنبَأَ أَنَّها لا تُرضي اللهَ أَبَدًا إِذا كانَت بَعيدَةً عَنْ روحِ التَّوبَة وَمَحَبَّةِ الجائِع وَالعُريان… . وهذا ما أَنشَدَهُ المَلِك داودُ أَيضًا في مزمور ال 50: “فإِنَّكَ لا تَهوى الذَّبيحَة وَإِذا قَرَّبْتُ مُحرَقَةً فَلا تَرتَضي بِها. إِنَّما الذَّبيحَةُ للهِ روحٌ مُنْكَسِر القَلبُ المـُنكَسِر المـُنسَحِق لا تَزدَريهِ يا الله”.

عِندَما أَرادَ إِبراهيمُ تَقدِمَةَ إِبنِهِ الوَحيد إِسحَق، عادَ اللهُ واستَبدَلَهُ بِكَبْشٍ سَمين. هَكَذا يَسوع فَعَلَ في آيَةِ الهَيكَل مُتَمِّمًا مَشيئَةَ الآب السَّماويّ، مُستَبدِلًا الذَّبائِحَ الحَيوانِيَّةَ مِن خِلالِ تَقديمِ ذاتِهِ ذَبيحَةَ رَحمَةٍ مِنْ أَجلِ كُلِّ الإِنسانِيَّة. وَعِندَما صارَ الهَيكَلُ مَغارَةَ لُصوصٍ، لا يُشيرُ إِلى حُضورِ اللهِ الحَيّ وَعِبادَتِهِ، أَشارَ يَسوعُ أَنَّهُ في تَجَسُّدِهِ أَصبَحَ هوَ الهَيكَلَ الجَديد. وَبَعدَما أَصبَحَت قُدسِيَّةُ يَوم السَّبت أَعلى شَأنًا مِنْ مَكانَةِ الإِنسانِ عِندَ اللهِ وَأَوَّلِيَّةُ اللهِ عِندَ الإِنسان، أَتى يَسوع لِيَقولَ عَهدُ اللهِ مَعَ الإِنسان هوَ الإِنسان.

لَقَد هَدَمَ يَسوعُ بِمـَوقِفِهِ النَّبَويّ كُلَّ البُنيَة الدّينيَّة، وَهَدَّدَ أَحبارَ اليَهودِ بِمَورِدِ عَيشِهِم، هُمْ الَّذينَ يَعتاشونَ مِنَ الذَّبائِحِ وَالتَّقادِمِ وَالعُشور. لِذَلِكَ أَصبَحَت آيَةُ نَقض الهَيكَل لا تَعني فَقَط تَطهيرَهُ وَتَجديدَهُ، إِنَّما عَنَتْ بِالأَكثَر تَحريرَ الإِنسانِ مِنْ كُلّ القُيود الَّتي تَمْنَعْهُ مِنَ الإِيمانِ بِمَحَبَّةِ اللهِ لَهُ.

أَظهَرَ يَسوعُ في قَولِهِ: “أُنقُضوا هذا الهَيكَل، وَأَنا أُقيمُهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام”، أَنَّهُ هوَ الذَّبيحَة الوَحيدَة المـَرضِيَّة الَّتي تُقَدَّمَ للآبِ السَّماويّ، لِخَلاصِ كُلِّ إِنسان. في قَولِهِ هذا أَعادَ يَسوعُ للإِنسانِ كَرامَتَهُ، فَهوَ أَعلى شَأنًا مِنْ جَمالِ الهَيكَلِ وَحِجارَتِهِ المـُزَخرَفَة. في قَولِهِ هذا، لَم يَنقُض تَعليمَ التوراةِ بَل صَحَّحَ تَفسيرِها عَلى ضَوءِ تَعليمِ الأَنبِياء وَأَوَّلُهُم أَشعيا. لَمْ يُرِدُ يَسوع أَن يُفَرِّقَ وَيُشَتِّتَ الشّعبَ اليَهوديّ، بَعدَما كانَ لَهُم هَيكَلُ أُورَشَليم بِمَثابَةِ المـَركَز وَالمـَكان الَّذي يَجمَع وَيُوَحِّد، لَكِنَّهُ أَرادَ أَن يَكونَ هوَ عَن طَريقِ تَجَسُّدِهِ وَمَوتِهِ وَقِيامَتِهِ الوَسيطَ الوَحيد الَّذي يُصالِحُ البَشَرِيَّةَ مَع اللهِ الآبِ وَمَعَ بَعضِها البَعض، بِقُوَّةِ الرُّوح القُدُس.

 أَصبَحَ يَسوع هوَ الهَيكَلُ الجَديد الَّذي مِنْ خِلالِ عَلاقَتِنا فيهِ نَعرِفَ العِبادَةَ الحقيقيّة للهِ الآبِ بِالرُّوحِ وَالحَقّ. لِأَنَّهُ بِذَبيحَةِ صَليبِهِ المـقَدَّسَ كَفَّرَ عَنْ خَطايانا، مُظهِرًا مَحَبَّتَهُ وَرَحمَتَهُ اللَّامُتَناهِيَة لَنا، أَصبَح القُدَّاس الإِلَهيّ هوَ يُنبوعُ الكَنيسَة وَحَياتَنا المـَسيحيَّة. أَصبَحَت الكَنيسَةُ مَعَ يَسوع لَيسَت المـَكانَ الَّذي يَجتَمِع فيهِ المـُؤمِنون باسمِهِ، إِنَّما هُم أَنفُسُهُم في لِقائِهِم مَعًا باسمِهِ صاروا جَسَدَهُ السِرّيّ في هذا العالَم. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا يُريدُ يَسوعُ مِنَّا أَن نُصَحِّحَ وَنُقَوِّمَ عِبادَتَنا للهِ وَعَلاقاتِنا بِعَضنِا البَعض عَلى أَساسِ ما صَنَعَهُ مِنْ أَجلِنا. لَقَد حَرَّرَنا يَسوع مِن حَرفِ الشّريعَةِ وَمِنْ حِجارَةِ الهَيكَل، لِنَكونَ أَحرارًا بِكَلِمَتِهِ وَهَياكِلَ لِروحِهِ القُدُّوس، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!