مقالات

كتاب “حزام الإيمان” الفصل السادس

بيتي الجديد

يقول “إيكهارت تول”: بعض التغيرات في حياتنا تبدو في ظاهرها سلبية، ولكن لن يطل الوقت حتى أن ندرك بأنها خلقت مساحة لإنبثاق شيء جديد.

“Some changes look negative on the surface but you will soon realize that space is being created in your life for something new to emerge.” 
― Eckhart Tolle

فبعد عطلة الصيف وبداية العام الدراسي الجديد، جمعت أغراضي وعدت الى المركز للعمل، انتهى النهار وذهب الجميع الى منازلهم وانصرفت الى توضيب أغراضي وتحضير مكان منامتي في المركز، فأتاني القيم بجديده الغير متوقع كالعادة وهو انه لن يسمح لي بالنوم في المركز بعد الْيوم لأنه سيُسكِنُ فيه احد الشباب الجدد.  ومن جديد وقعت في دوامة الحيرة فأين سأبيت هذه الليلة؟ وماذا افعل في الأيام المقبلة؟ وانا في حيرتي أتت سيدة عجوز جارة للمركز كانت تزورني من حين الى آخر، رأتني منزعجة فأخبرتها ما جرى معي فحملت أغراضي وطلبت من احد الجيران ان يجر كرسي المدولب الى منزلها وسكنت عندها منذ ذلك اليوم.

كانت تستقبل في منزلها ثلاث فتيات أخريات مقابل بدل مادي، ولكنها أصرّت على استقبالي دون مقابل، وعاملتني كإحدى بناتها.

ولكن بسبب كبر سنها، وعدم مبالاة الفتيات الأخريات الساكنات في المنزل بأمور النظافة، غالباً ما كنت استيقظ مذعورة من صرصور على يدي أو فأر على وسادتي.

لم يطل الأمر الى ان تعرضت سيدة المنزل الى سكتة دماغية أُدخلت على اثرها الى المستشفى ثم الى مركز مختص بالعلاج الفيزيائي، وكان من كرم ابنائها ان سمحوا لنا البقاء في منزلها اثناء فترة علاجها، كرم سوف ادفع ثمنه فيما بعد.

بعد حوالي الشهر جمعنا ابنائها وأخبرونا بأنها ستعود الى منزلها وهم سيهتمون بطعامها وخدمتها فهي غير قادرة على المشي أو الاهتمام بنفسها، وليس المطلوب منا مقابل بقائنا في المنزل غير ان نكون معها في المساء كي لا تنام وحدها، كان ترتيب منطقي وهذا اقل ما يمكن ان نفعله لهذه السيدة التي فتحت لنا باب منزلها واستقبلتنا.

وبدأت لعبة جديدة من ألاعيب الحياة، فكانت سيدتنا تنام طوال النهار وتستفيق في المساء وتبدأ بالصراخ تريدنا ان نسهر معها، طلبت من رفيقاتي بالسكن ونحن أربعة بأن نتقاسم الوقت وتسهر معها كل ليلة واحدة منا ولكن هذا الترتيب لم ينل رضاهن معتبرات بأن هذا ليس من شأنهن. اما بالنسبة لي فلم استطع تجاهل صراخها وبكائها فكنت امضي الليل معها أستفيد من أوقات صمتها القليلة لأحصل على بضع دقائق من النوم تساعدني على متابعة نهاري في العمل. شيئاً فشيء بدأ اولادها يقللون من زياراتهم فكان علي أيضاً ان أساعدها في طعامها.

بعد عدة أشهر سكنت معنا فتاة جديدة سأسميها “سميرة” وما لبثت ان عرضت علي فكرة ان نستأجر بيت صغير سوياً حيث نتقاسم التكلفة المادية، في البداية خفت من الفكرة فما يتوجب علي دفعه يوازي نصف معاشي الشهري، ولكنه أمر يستحق التضحية، فتوكلنا على الله وانتقلنا الى المنزل الجديد الذي استأجرناه من إحدى السيدات.

كان مؤلفاً من غرفة واحدة في زاوية من زواياها مكان لجلي الصحون وقسمنا نصف الغرفة بعازل خشبي للمنامة.

بعد استجداد هذه المستحقات المالية كان لا بد من إيجاد مدخول إضافي يساعدني على تأمين حاجيات الحياة اليومية، وكنت تعرفت على سيدة اجنبية متزوجة من طبيب لبناني صديق فطلبت مني مساعدة اولادها في دروس اللغة العربية مقابل بدل مادي، ولكن بالنسبة لي لم يكن هذا بالأمر السهل، أن اعلِّم وانا لم ادخل يوماً الى مدرسة ولَم اتقن أساليب العلم والتلقين، ولكن كان لا بد من خوض هذه المغامرة فكان هذا عمل جديد وتحدٍّ جديد.

فكنت اقضي ساعات استراحتي بعد عودتي من العمل للتحضير لهذه الدروس ولإعطائها، وهكذا اقتصرت معظم اوقاتي في حينها على العمل.

بعد مضي وقت على وجودنا في هذا المنزل وكان عقد الإجار لم يحن وقت انتهائه بعد، تلقت صاحبة المنزل من احدهم عرضاً يدُرُ عليها مالاً أكثر مما تتقاضاه منا، وكانت شهيتها للمال كبيرة، فما كان منها إلاّ ان تستعمل اساليب الترهيب من قطع الماء والكهرباء، ووصل بها الأمر الى ان تستعمل سلاح الصيد فوق رؤوسنا، فلم يعد لنا خيار سوى ايجاد منزل جديد والانتقال له، وكان عبارة عن شاليه مفروشة على البحر، فاستأجرناها ووضع عقد الاجار باسم خطيب رفيقتي في السكن “سميرة” لكي نكون محميتان باسم رجل.

ظروف السكن كانت افضل والمكان ارتب وانظف ولكن بما أن الأجار لم يكن باسمي ومع انني كنت اتقاسم المبلغ مناصفة مع “سميرة” فإنها اعتبرت المكان يخصها وأنا لست إلاّ ضيفة، أصدقائي لم يكن مرحبّاً بهم وطوال فترة الأربع سنوات التي سكنّا فيهم سويةً ولم استطع ان استعمل بركة السباحة مع اصدقائي سوى مرة واحدة.

خطيب “سميرة” كان يزورها كل ليلة فكنت اضطر أن ابقى في غرفة النوم لأكثر من ثلاث ساعات كل مرة الى أن يذهب واحياناً كنت انام قبل ان استطيع استعمال الحمام.

كل هذا احتملته في سبيل أن لا اعود الى وحدة القرية والانعزال من جديد.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!